«ما أذوق المنام إلا غرارا». ولكن من رحمة الله بي أنه كان معي الحرام والمخدة والطراحة التي كنت أجد بها عظيم النعمة والراحة، ولو لا الثياب التي بقيت عندي بعد السلب، وأدوات النوم التي رأوها وسلمها المولى منهم، لكنت في أسوأ حال، فالحمد لله الخبير المتعال.
وأما الحوادث والنوادر والفظائع أثناء الطريق، ففي الوقائع التي حدثت لأهل البداوة في غزو بعضهم لبعض وهم يقولون: هنا ذبح فلان، وهناك قتل فلان، وهنالك أخذ حلال فلان، ولم أسمع في طول تلك الأيام إلا الحوادث الفظيعة وما أشبهها، وإلا الأناشيد التي لا أفهمها، ولم أتكلم مدة سفري معهم إلا بمقدار ما تلجئني إليه الضرورة، وفي كل يوم كان يشتد بنا الخطر، ويزداد ضيق الصدر، ولا ندري متى يوافينا الأجل؟ ولا كيف يكون القتل، وكل يوم كنت أتلو فيه قوله تعالى: «وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت» (10).
وما زلت على هذه الحال، وأنا صابر ثابت صامت، حتى بلغنا «قرية الحائط» يوم الثلاثاء في 4 رجب الفرد عام 1338 ه.
Страница 44