Путешествие во времена Нубии: Исследование древней Нубии и перспективы будущего развития
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Жанры
وعلى البر الغربي لاحظنا قطيعا كبيرا من الماعز الأسود يتفرق على مسافة نحو نصف الكيلومتر، ولون الماعز في النوبة غالبا يميل إلى السواد والألوان الداكنة، وبذلك يسهل تمييزه وهو يرعى العشب الأخضر أو وهو سائر على الرمل الأصفر، ونجوع الدكة تمتد مسافة طويلة جنوب مشروع زراعة الطلمبات الكبير، الذي أقامته الدولة وجذب سكانا دائمين من الكنوز وأهل الصعيد، وأمام الدكة على البر الشرقي منطقة صخرية ذات ارتفاع متوسط معروفة باسم جبل حياتي، وهي معلم من معالم الطرق عند العبابدة، ويليها إلى الجنوب أراض سهلية تمهيدا للدخول في منطقة مصب وادي العلاقي، الذي أقامت فيه الدولة ثاني مشروعات الزراعة بالطلمبات في منطقة الكنوز، وهو أقل نجاحا من مشروع الدكة، وعلى وجه العموم فإن منطقة الدكة-العلاقي تتميز بالخضرة الكثيرة نتيجة وجود المشروعين وكثرة الأشجار.
العلاقي
وصلنا العلاقي حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا، وأرسينا على البر في استراحة قصيرة للغداء وملء خزانات الوقود، وعاودنا المسير في نحو الثانية في اتجاه سيالة، وكنا قد زرنا العلاقي في يناير 1962 لمدة ثلاثة أيام - أي قبل تسعة أشهر - وخلال فترة بحيرة خزان أسوان.
وللعلاقي أهمية خاصة في النوبة؛ فهي تقع على مصب وادي العلاقي الذي يشكل طريقا طبيعيا عبر الصحراء الشرقية إلى منحدرات جبال منطقة حلايب، ومن ثم إلى البحر الأحمر والحجاز؛ ولهذا فإن طريق العلاقي كان معروفا منذ العصور القديمة يقود إلى مواني البحر الأحمر وبلاد «بونت» - الصومال وعمان وحضرموت حاليا - ويقود إلى مناجم الذهب في العصرين الروماني والعربي، وإلى ميناء عيذاب - قرب حلايب - ميناء الحجيج الأشهر خلال العصور الوسطى، وفي العصر الحديث فإن طريق العلاقي هو أحد الطرق الهامة لتجارة إبل البشارية المشهورة وغيرها من إبل شرق السودان إلى سوق الجمال الكبير في دراو - جنوب مدينة كوم أمبو بقليل - ولهذا فإن علاقة عمدية العلاقي في النوبة بأهل الصحراء الشرقية من عبابدة وبشارية هي علاقة وثيقة وتاريخية، ويقيم في المنطقة نحو 200 من العبابدة في النجوع الشمالية من عمدية العلاقي.
وهناك واد آخر يرفد وادي العلاقي يسير في اتجاه عام من الجنوب نحو الشمال ويسمى وادي جبجبة «قبقبة»، وهو يشكل طريقا مهما بين النوبة وثنية النيل عند بربر وأبو حمد وجزيرة مجرات «مقرات» في شمال السودان، وهناك أيضا طريق مماثل بين شمال السودان والنوبة؛ هو طريق وادي كورسكو الذي يوازي طريق جبجبة وإن كان إلى الغرب منه، وعبر طريق العلاقي-جبجبة انتظمت تجارة القوافل منذ عدة مئات من السنين بواسطة العبابدة بين أسوان ودراو وبين شمال السودان، كمركز تجميع للسلع المدارية من السودان الأوسط والجنوبي، ولا يزال طريق السودان مطروقا حتى الآن برغم انتهاء تجارة القوافل القديمة، والسلع التي تنقل على طريق العلاقي وجبجبة هي نوع من التهريب السلعي لبضائع موجودة بسعر أرخص في مصر أو السودان، أو سلع محرمة كنبات البانجو المخدر الذي يأتي من السودان - أو ربما تجارة أسلحة مهربة غالبا من السودان إلى مصر.
ويصب وادي العلاقي في النيل في صورة خور واسع، تدخل فيه مياه النيل طول العام لمسافة عدد قليل من الكيلومترات، تزيد أثناء موسم التخزين بحيث يكاد عرض الخور يساوي عرض النهر، ويمكن لغير الخبير أن يبحر فيه خطأ على أنه مسار النهر، وفي منطقة مصب الوادي، وعلى الضفة الشمالية، أقامت الدولة 1934 مشروعا للري الشتوي بالطلمبات، وفي 1952 أضافت الدولة طلمبات للري النيلي، تمتد أرض المشروع إلى نحو ثمانية كيلومترات بحذاء ضفة الوادي مع عرض يسير، ولهذا تبلغ المساحة الإجمالية نحو 950 فدانا، ليست كلها مزروعة لوجود أحواض عالية لم تصلها مياه الطلمبات، أو لعدم زراعتها بواسطة ملاكها الغائبين، وكانت أرض المشروع قد قسمت أحواضا للراغبين في الشراء من كنوز العلاقي وما جاورها مثل المحرقة وسيالة وقورتة وكشتمنة، بسعر عشرة جنيهات للفدان عند بداية المشروع - ارتفعت قيمة الفدان إلى نحو خمسة أضعاف ثمنه الأصلي فيما بعد - مثلا كانت مساحة حوض سيالة 148 فدانا، المزروع منها نحو 5٪ فقط، وحوض المحرقة 131 فدانا نصفها مزروع، أما حوض العلاقي فكان غالب مساحته مزروعا - نحو 500 فدان - ومعظم المحاصيل فول سوداني وقمح وبرسيم وترمس، ولكن إنتاجية الفدان ضعيفة؛ تتراوح حول ثلاثة أرادب من القمح.
الذين يقومون بالزراعة الفعلية في مشروع العلاقي هم عائلات من الكلح وحجازة وقوص «محافظة قنا»، ويقيمون في أكواخ وعشش داخل المزارع، ونظام المؤاجرة العام هو ربع قيمة الإنتاج للمالك، والأرباع الثلاثة الأخرى للمزارع الذي يتكفل بكل العمليات الزراعية ومتطلباتها.
سكان عمدية العلاقي - 1066 شخصا - خليط من مجموعات مختلفة مؤسسة على أنشطة اقتصادية مختلفة، لكنها متكاملة ومتداخلة بحيث يصعب فصلها عن بعضها، فهناك أولا الكنوز أصحاب المنطقة من القدم، وهم أصحاب الأراضي الزراعية والعقارات السكنية وبعض التجارة، فضلا عن العمالة التقليدية خارج النوبة، وهم في الغالب يسكنون النجوع حول مصب وادي العلاقي وجنوبه؛ ابتداء من نجع حسين كوليك، حتى نجع جامع كوليك آخر نجوع العلاقي جنوبا، والمجموعة الثانية هم أبناء الصعيد الذين يقومون أساسا بالعمل الزراعي في صورة مؤاجرين من الملاك، وهم أحدث المجموعات السكانية، لكنهم غالبا أكثر سكان العلاقي عددا، ويسكنون أرض المشروع ونجع خور العلاقي الذي توجد به المحطة النهرية، وأخيرا هناك مجموعتا العبابدة والبشارية، وعبابدة العلاقي هم من العشاباب - شافعاب وسيداناب وعبديناب ... إلخ - ويبلغ عددهم نحو مائتي شخص، أما البشارية فهم من عشيرة «ملك» وهم 12 بيتا فقط، وكانوا يسكنون منطقة الدكة على البر الغربي للنيل ، لكنهم انتقلوا إلى العلاقي بعد نزاع مع أهل الدكة، وأغلب العبابدة والبشارية يسكنون النجوع الشمالية من عمدية العلاقي، مثل نجع جبل حياتي ونجع كوبان، وهم يمتلكون أعدادا كبيرة من الجمال - نحو 120 رأسا - ويرتحلون في أشهر الشتاء إلى المراعي الداخلية في أودية وآبار القليب وأحيمر والمرة وأنجات وتلعت عابد والطويل ... إلخ، وبعضهم يتوجه إلى السودان في تلك الفترة.
وتتميز العلاقي بظاهرة تجمع عدد من المزارات لأولياء لهم شهرة في النوبة الوسطى، على رأسهم قبة الشيخ عبد الله أبو يوسف، ومزار الست قباب - هم كانوا خمسا عند زيارتنا - ومزار سيدي شرف، ولهؤلاء موالد سنوية تتجمع وتتوالى من منتصف شهر شعبان حتى نهايته، ويأتي الناس في مراكب شراعية أو صنادل من قرى متعددة في دائرة نصف قطرها نحو 30-40 كيلومترا، ويبيت المحتفون ليلة على الأقل، وترتبط بعض المزارات بقصص عن منشأ إقامة القبر أو القبة، والكثير من هذه القصص - مثل قصة الشيخ يوسف في العلاقي أو الشيخة أم رايد في سيالة - تبدأ مع انتقال المساكن في 1933 بعد التعلية الثانية لسد أسوان، مثلا كانت هناك سنطة قديمة في أرض نجوع العلاقي القديمة قطعت ونقل جزء منها على مركب، وأخذ بعض الناس أجزاء أخرى، لكن المركب غرق والحرائق شبت في بيوت من أخذ جزءا من خشب السنطة، ونظر الناس إلى هذه الحوادث على أنها إشارات خفية لولي من الأولياء، فأخذوا في حفر الأرض حول مكان السنطة، فوجدوا جثمان رجل وجواره جثمان سيدة وطفل، وأخذ الناس جثمان الرجل وبنوا عليه قبرا وقبة، هي قبة الشيخ يوسف التي أصبحت مزارا مهما، وفي قصة أخرى أن هذا كان جثمان الشيخ شرف، وأن جثة الطفل والسيدة تفككت إلى مجموعة عظام بعد أن كشف عنها وتعرضت للهواء، بينما لم يحدث ذلك لجثة الشيخ، وهنا إذا خلط بين الشيخ يوسف والشيخ شرف، والأغلب أن الاسم أطلقه الناس كيفما اتفق، فلم تكن هناك معرفة سابقة به كولي له كرامات، لكنه أصبح كذلك وخاصة عند النساء اللاتي يطلبن الحمل.
وهناك نشاط اقتصادي كبير في موسم الموالد هذه؛ فالكثير يقدمون ذبائح متعددة نذورا أو تبركا، والأكل كثير يوزع على جميع الموجودين، وهناك عطايا مالية تعطى لأمين صندوق النذور تنفق في مصاريف الأكل والذبائح، وهناك تجار متنقلون يحملون معهم سلعا مختلفة من أقمشة وأوان ومصابيح وصحون وألعاب الأطفال وحلوى، وتلقى الخضروات الطازجة من إنتاج أرض المشروع رواجا كبيرا، يشتريه الناس قبل ركوب المركب عائدين إلى قراهم، كذلك يعرض البشارية والعبابدة منتجات الخوص من الأبراش التي تصنع خلال تجوال الشتاء في الجبال من جدائل نباتات صحراوية.
Неизвестная страница