Путешествие во времена Нубии: Исследование древней Нубии и перспективы будущего развития
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Жанры
وليست رحلة الشتاء موظفة فقط للرعي، وإنما يستفاد منها في نقل الفحم النباتي الذي يصنع من أشجار السنط الكثيرة في أودية الصحراء الشرقية - من الذي يقوم بعمل الفحم؟ عبابدة الجبل، أم آخرون؟ - والغالب أنهم ينقلون الفحم إلى سوق أسوان مباشرة مقابل نحو خمسة جنيهات للنقلة الواحدة، ويقوم العبادي بنقلتين خلال الشتاء، تستغرق الرحلة الواحدة نحو شهر من أماكن الفحم البعيدة أو أقل إذا كانت مصادر الفحم قريبة.
وكذلك كانوا يجمعون الحمر من الجبل، وهو غالبا طفلة حمراء كان سكان النوبة يعجنوها مع كسر الفخار المدقوق، ويشكلونها وينعموها بمكاشط من الودع، ثم يحرقونها في الفرن، وكانت سيدة واحدة تجيد صنعة الفخار هذه، لكنها طعنت في العمر وأصبح الناس يشترونها من تجار القوارب الذين يأتون بها من وادي العرب في منطقة العليقات.
وخلال الصيف يؤجر العبابدة جمالهم لنقل سلع مختلفة من الميناء النهري إلى تجار النجوع، أو نقل أحمال من قش المحاصيل إلى بيوت النجوع المختلفة، أو التأجير للسفر في الصحراء - في الشتاء - وفي مثل هذه الأعمال ربما كانت يومية الجمل 50 إلى 70 قرشا، هذا فضلا عن الفائدة المباشرة من لبن الإبل الذي يشرب طازجا أو مغليا، وبيع البعرور مقابل سبعة إلى عشرة جنيهات، أما وبر الجمل فهو لقصره الشديد في هذه البيئة لا يستخدم في النسيج، وهناك أقوال تدور همسا أن العبابدة يقومون بعمليات تهريب سلع من السودان إلى النوبة في رحلاتهم الشتوية الطويلة هم والبشارية، وربما كان في ذلك بعض الصحة؛ ففي الستينيات كانت السودان مفتوحة تجاريا، بينما كان هناك تقييد للاستيراد من الخارج في مصر، وأمر طبيعي أن يحدث مثل هذا الانسياب السلعي بطرق عديدة عبر الحدود، سواء كان بين السودان ومصر أو ليبيا ومصر، وأي حدود سياسية في العالم يختلف على جانبيها قوانين الجمارك وأشكال الإنتاج وأسعار السلع.
وهكذا نرى أن الجمال تستغل إلى حدودها القصوى في بيئتين متجاورتين: الصحراء والوادي الزراعي؛ فهو يلبي احتياجات البداوة واحتياجات الزراعيين معا، ويتعايش عليه مجموعة من ذوي الأصول البادية التصقت بحافة الوادي منذ أمد طويل، وتعايشت مع السكان المحليين في وئام سلمي وصحي معا.
وفي المساء ركبنا القارب عائدين إلى نجع البوستة، وشعرنا برهبة وخوف في الظلام، فالقمر لم يصعد بعد إلى كبد السماء، وهناك ظلال داكنة على صفحة الماء الذي خيل إلينا أنه عال في جهة الغرب، وأنه سيجرفنا تجاه البر الشرقي المليء بالسواقي، لكننا وصلنا بسلام ونمنا جيدا استعدادا لمغادرة قرشة في الصباح، بعد أن قضينا فيها أياما مليئة بالمعلومات والمعرفة عن أحوال جزء جميل من النوبة، وناس غاية في الكرم واللطف ودماثة الخلق.
الفصل الثامن
العلاقي وسيالة والمالكي
في التاسعة والربع صباحا تحرك القارب من نجع البوستة، بعد أن ودعنا على الشاطئ الأستاذ محمود صالحين ومساعديه وعددا من سكان النجع، وقد لاحظنا أن العشب الأخضر قد بدأ في الاصفرار تحت أشعة الشمس القوية، وفي أثناء مرورنا شاهدنا ساقية الشيخ أحمد عباس، ووجدناه في الحقل بتفقده وأشار لنا بالسلامة، وبعد قليل من مرورنا أمام نجع العرب قابلنا صندل محمل بالأبقار متجه إلى أسوان، سأل الريس محمد ريس الصندل عما إذا كان بإمكانهم أن يأخذوا معهم الأستاذ أسعد نديم إلى الشلال، وفعلا درنا بالقارب حول الصندل وقفز أسعد داخله محييا ومتمنيا لنا رحلة طيبة موفقة.
وفي العاشرة والنصف انتهت نجوع قرشة ونجوع جرف حسين المقابلة لها على البر الغربي، والمنظر على البر الغربي أكثر جفافا وأكثر رمالا عن البر الشرقي الجبلي المعالم، ولكثرة الرمال اشتهرت جرف حسين وكشتمنة التي تليها إلى الجنوب بكثرة الثعابين والعقارب، وبعد قليل ظهرت بدايات الدكة على البر الغربي في شكل مجموعة من التلال الرمادية، ثم مجموعات من البيوت والأشجار ذات الخضرة الداكنة، وفي أقصى اليمين - أي إلى الغرب البعيد - ظهرت الرمال العالية ذات اللون الأصفر المشوب بالحمرة، وكان رشاش الأمواج التي يزيحها القارب في سيره تتساقط على وجوهنا وترطبنا بين الفترة والأخرى، وهو شعور جميل في هذا الجو الجاف.
والحقيقة أننا أخذنا نستمتع بهذه الرحلة الممتعة: فهنا قارب «محندق» صغير تحت رغبتنا نتنقل به على النيل العظيم حسبما نريد، ومناظر بانورامية متوافقة الألوان والتضاريس لا مثيل لها شمال أسوان، وناس تسودهم السكينة والسلام في معظم الأماكن، بعيدا عن أحقاد المصالح وتناقضات الغنى والفقر في الصعيد والدلتا.
Неизвестная страница