Путешествие в мысли Заки Наджиба Махмуда
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Жанры
8 «على أن للعقل طريقين اثنين، لا ثالث لهما، يلتزم منهما هذا الطريق أو ذاك، بحسب الموضوع الذي يفكر فيه، أما أحدهما فهو الطريق الذي يجعل نقطة ابتدائه معطيات تعطاها حواسنا الظاهرة ...»
9
في الحالة الأولى يجد العقل أمامه عبارة مركبة من كلمات أو رموز الرياضة، فيصب عليها عمله الفكري ... وليس أمامه إلا أن يستخرج من تلك العبارة ... التي تكمن في مفهومات رموزها، إن العقل في هذه الحالة لا يتبرع بفكرة من عنده، بل مهمته أن يفض الأغلفة التي تستر المعاني داخل رموزها، فكما أنك إذا وضعت في طاحونة الغلال قمحا، لم يخرج لك إلا دقيق القمح، وإذا وضعت في عصارة الخضر والفاكهة عنبا، لم يخرج لك منه إلا عصير العنب، كذلك الحال في تركيبات اللفظ أو الرمز تكمن فيها معان، ثم يأتي التفكير العقلي ليستخرج تلك الكوامن، فيأخذ ما يريد ويرفض ما لا حاجة لنا به، والتفكير الرياضي كله هو من هذا القبيل.
10
وذلك أول الطريقين. أما الطريق الثاني فهو حين لا يكون ما بين أيدينا إلا مركبات من ألفاظ ورموز، بل «معطيات» تلقتها حواسنا من مصادرها. وفي هذه الحالة يكون طريق العقل مختلفا عن طريقه في الحالة الأولى؛ ذلك لأن عمله هنا هو محاولة الكشف عن الروابط القائمة بين مجموعة الأشياء، التي رأيناها أو سمعناها أو أدركناها بأية حاسة أخرى من حواسنا، فافرض مثلا أن السماء تمطر، فكل الذي نراه قطرات ماء، ثم نبدأ في الكشف عن الصلة بين هذه القطرات وبقية المحسوسات، كأن نرى العلاقة بينهما وبين درجة الحرارة، وبينها وبين درجة الرطوبة، وبينها وبين درجة ضغط الهواء، وبينها وبين اتجاه الريح ...إلخ فإذا كشفنا عن تلك الروابط كنا أمام ما يفسر المطر تفسيرا عقليا.
11
العقل إذن فاعلية تبدأ من بداية معينة: تعتضد الرموز إذا كانت البداية فكرة رياضية؛ لتقول إنها تنتج كذا وكذا، أو تبدأ من وقائع حسية فتربط بينها وبين وقائع أخرى، لتستخرج لنا ما نسميه بالقوانين.
ويستحيل على العملية العقلية، كائنة ما كانت مادتها، أن تتحرك قيد شعرة إلا إذا كانت بين أيدينا «نقطة الابتداء» التي منها تسير، وقد تكون نقطة الابتداء هذه «وقائع»، وقد تكون «فروضا»، فإن كانت الأولى كانت العملية العقلية من الضرب السائد في علوم الطبيعة. وإذا كانت الثانية كانت من الضرب السائد في علوم الرياضة، ولا ثالث لهذين الضربين في عمليات الفكر، فمهما تنوعت موضوعات البحث، ألفيتها بعد شيء من التحليل، إما منتمية إلى النوع الذي يبنى على الحقائق الواقعة، وإما منتمية إلى النوع الذي يبنى على الفروض.
12
وهكذا نصل إلى ثنائية «المبدأ» أو ثنائية نقطة البداية:
Неизвестная страница