Путешествие в мысли Заки Наджиба Махмуда
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Жанры
بدليل أنه في «الشرق الفنان» عام 1960م؛ أي قبل النكسة بسبع سنوات، يعرض لفكرة التقاء الشرق والغرب، القلب والعقل، وهي الفكرة التي اعتبرها «حجر الزاوية في بنائه الفكري الجديد» ... ولم تكن المسألة بعده عن مكتبته العلمية، وعثوره على مكتبة عامرة في الكويت، فليس كل من وصل الكويت، وعثر على مكتبة زاخرة بعيون التراث، أقام بناء فكريا كالذي أقامه زكي نجيب محمود، لكن الصحيح أن فترة الكويت ساعدت على نضج الأفكار التي كان يحملها في رأسه، وتلح عليه في وطأة ضاغطة. أما القول بأنه تشبع «بالفكر الغربي»؛ فهو يسقط المرحلة الأولى «مرحلة التدين الخالص» من ناحية، ثم هو يفترض أنه تخلى عن هذا الفكر الغربي في المرحلة الثالثة، وهو أمر لم يحدث قط! فلا شك أنه كان على علم بالتراث العربي والغربي معا، وهو يقول عن نفسه في هذه الفترة: تستطيع أن تقول إنني كنت إلى ذلك الحين (أواخر الستينيات) قد خزنت لنفسي أكداسا من الحقائق عن الثقافة العربية إبان تلك القرون الخمسة التي أردت دراستها. لكن تلك الحقائق كانت عندي بغير «تاريخ» يربطها في سيرة متصلة المراحل لتصبح «حياة» لها دوافعها وأهدافها، فاستبدت بي الرغبة في أن أنصرف بمعظم جهدي، بضع سنوات، نحو الدراسة المنشودة ...»
8
فالفكرة الرئيسية التي سيعرضها فيما بعد فكرة الجمع بين العقل والقلب، بين التدين والعلم ... إلخ، كانت تعتمل في نفسه قبل سفره إلى الكويت، لكنها كانت معروضة بطريقة مختلفة، ففي «الشرق الفنان» كانت مدينة الإسكندرية، في قرونها الأولى، هي المدينة التي اتخذها مفكرنا نموذجا لثقافة الشرق، التي تجمع بين الطرفين القصيين «خفقة القلب، وتحليل العقل»؛ فهي بعد أن توارت أثينا أصبحت الإسكندرية عاصمة الثقافة في العالم القديم، ولم تكن النقلة تغييرا في المكان وكفى، بل كانت تغييرا في منهج التفكير كذلك، ففيها بدأ اللاهوت المسيحي، لأول مرة، ينسق بين العقيدة من جهة والعقل الفلسفي من جهة أخرى؛ مما رسم الطريق أمام أوروبا المسيحية طوال العصور الوسطى، ذلك دليل على اجتماع أمرين لأهل هذه البلاد: القلب والعقل معا، الإيمان والعلم، اللمسة المباشرة ومعها عملية التحليل العقلي، وهو يسوق من أوريجين
Origen (185-254) اللاهوتي السكندري الشهير، قوله: «إن الفلسفة اليونانية القائمة على العقل المنطقي الصرف، والأناجيل القائمة على الإلهام، والوحي الصرف، إنما يتطابقان ولا يتعارضان ...»
9
كانت الفكرة البسيطة التي عرضها في «الشرق الفنان» تمثل البذور الأولى لمشروعه الفكري الذي كان يتحين الفرصة للظهور، وشيئا فشيئا مع مر الأيام انتقلت هذه الازدواجية المتآلفة إلى الثقافة العربية التي كانت تبدو أمام عيني، وكأنها قابلية فريدة، وسمة بارزة، يمكن أن تكون أساسا متينا لإقامة ثقافة عربية جديدة، صون أصالتها وتساير عصرها في آن واحد.»
10
وقد واتته هذه الفرصة خلال السنوات الخمس التي قضاها في جامعة الكويت، فكانت سنوات خصبة ومباركة. أما أنها خصبة فهذا ما تكشف عنه ثلاثيته الشهيرة «تجديد الفكر العربي»، و«المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري»، و«ثقافتنا في مواجهة العصر ...»
11
أما أنها مباركة فهذا ما عبر عنه مفكرنا بقوله «عندما تلاقت رأس السنة الهجرية مع رأس السنة الميلادية في يوم واحد، كان اجتماعهما مصدر نشوة متفائلة عند صاحبنا دون أن يقع على سبب واحد يبرر نشوته وتفاؤله ...»
Неизвестная страница