Путешествие в мысли Заки Наджиба Махмуда
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Жанры
84 (ب) الشخصية المصرية
لا تناقض بين عروبة العربي من جهة ومميزاته الإقليمية من جهة أخرى؛ فالمصري مصري وعربي معا، كما يكون السوداني سودانيا وعربيا، والعراقي عراقيا وعربيا في آن ... فليس على هذه الأرض إنسان واحد وحداني الانتماء، وإنما الأمر في هذا يشبه الدوائر التي تتدرج اتساعا.
85
وإذا صح ذلك فما هي أهم الخصائص الممميزة للذات المصرية ...؟! أهمها عمق الشعور الديني، ويتبعه عند المصري اتساع النطاق الذي يتعامل فيه مع «الغيب»، إما بالإيمان الرشيد أحيانا، وإما بتهاويم الخرافة أحيانا أخرى.
86
ثم تجيء بعد ذلك خاصة انتمائه الأسري، وهو انتماء لا يقف معه عند حدود «الأسرة النواة»، كما يصفها كثير من كتاب الغرب اليوم بمعنى الوالدين والأخوة، بل يوسع المصري من حدود الأسرة التي يشتد بها الانتماء إليها، لتشمل كذلك أبناء العمومة والخئولة ومن يتصل بهم.
87
ثم يتميز المصري كذلك بحبه لأرضه ليس فقط من حيث هي أرض يزرعها، بل من حيث هي كذلك أرض يتصل بها ولادة ونشأة وذوي قربى ... ولقد تفرع عند المصري من عمق إيمانه الديني وقوة انتمائه لأرضه وأصله، حب يشبه الحب الصوفي للعمل الذي يؤديه، زراعة كانت أو صناعة، وأعني بالحب الصوفي هنا حبا للشيء في ذاته ولذاته، لا للأجر الذي ترتب عليه.
88
ثم يلخص مفكرنا مفتاح الشخصية المصرية في عبارة موجزة هي «المصري صانع عابد»، يتعامل مع هذه الدنيا وكائناتها بحواسه وجوارحه، ويتعامل مع الغيب بقلبه وإيمانه، هو واقعي في الحالة الأولى صوفي في الحالة الثانية، هو مادي في أحد جوانبه روحاني في الجانب الآخر. وكأن مفكرنا يريد أن يقول إن شخصية المصري مثال حديث للصيغة التي اقترحها حلا لمشكلتنا الثقافية المعاصرة؛ وأعني بها صيغة الجمع بين «العقل والوجدان». ولقد ساعده على هذا الجمع بين الجانبين في شخصية واحدة متكاملة، أنه نموذج فريد يجمع في صيغة حضارية واحدة خصائص فلاحة الأرض وبداوة الصحراء ومجتمع المدينة.
Неизвестная страница