Путешествие в мысли Заки Наджиба Махмуда
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Жанры
أولا:
أولى خصائص العروبة لغتها على أنه لا يكفي في هذا الجانب بأن تكون لغة الكلام والكتابة عربية؛ فالأوروبي الدارس للغة العربية قد يتكلمها ويكتبها، ومع ذلك لا تدرجه في العروبة ابنا من أبنائها ... إذ المهم هنا هو اللفتات العقلية أو الإدراكية العميقة التي تكمن في كيان العربي، فتميل به إلى اكتساب الصفات المتمثلة في اللغة العربية. فمن خصائص اللغة العربية مثلا أنك إذا عرفت الأصل الثلاثي، عرفت كيف تفجر منه شجرة المشتقات على كثرة فروعها، فإذا عرفت كلمة «كتب» فجرت منها كاتب وكتاب وكتابة ومكتوب ... إلخ، فكأنها القبيلة أو العشيرة بتعدد أفرادها، لكن هؤلاء الأفراد ينتمون إلى رأس واحد ...
ثانيا:
ثانية الخصائص ميل العربي إلى القفز السريع من الأفراد الجزئية إلى تجريدها وتعميمها في أنواع وأجناس؛ فهو لا يهمه هذا الطائر المعين بل يكفيه أن يعرف الطائر في عمومه من حيث هو نوع ... إن العربي في تكوينه العقلي لا يعبأ كثيرا بالأفراد أو المفردات، وإنما يريد «الخلاصة» العامة المجردة ليسهل حملها معه، وهو مسافر في الفلاة على ظهور الإبل! ولقد بلغ ميل الشاعر العربي إلى التجريد حدا جعله إذا تغزل في امرأة لا يقصد امرأة بعينها، بل إن غزله منصب على «نوع» المرأة بأسره، وكذلك إذا وصف جوادا أو بعيرا أو ما شئت.
83
ثالثا:
وثالثة الخصائص إيمان العربي أن الحضارة الصحيحة إنما تدار على محور الأخلاق، فليس المهم فيمن هذبته الحضارة أن يكون قويا بسلاحه ولا قادرا بماله، بل المهم هو أن يقوم بالتعامل بين الإنسان وربه، والإنسان والإنسان على أنماط رسمتها السماء لأهل الأرض؛ ومن هنا كان جوهر العروبة الاعتقاد بأن الخالق يشاء ويأمر، والمخلوق يطيع بغير سؤال!
رابعا:
ليس عند العربي مقابلة بين واقع ومثال، بل بين «واقع» و«واقع»؛ فكلمة مثال العربية تعني كائنا ماثلا أمامنا نراه ونلمسه. وأما كلمة «واقع» فهي تعني «الوقوع» الذي هو الهبوط والسقوط؛ ومن هنا كان العربي يقصر نظرته على دنيا الكائنات الفعلية، يوازن بين بعضها وبعضها الآخر، وهي بأجمعها «واقع» سواء في ذلك ما هو أدنى وما هو أعلى!
لكن علينا أن نلاحظ أن تحديد تلك الخصائص لا ينفي أن نحاول تغيير ما نريد تغييره منها، لقد أردنا فقط أن نقول: «إن عروبة العربي هو وجوده الثقافي المميز؛ فهي لا تمنح بقرار كما قد يتوهم الواهمون!»
Неизвестная страница