* الباب الحادي عشر
* في ذكر بلاد فلنضس
اعلم أننا مشينا ، وقصدنا تلك البلاد. وهي أبعد عن بلادنا من بلاد الفرنج.
ولكن ينبغي للإنسان أن يستعيذ (154) من غيره ، أو من نفسه. وما رأيت ، وتحققت من عمل الفرنج البحرية مع المسلمين ، قلت : لم نولي إلى بلادنا (155) في سفنهم؟ بل نمشي إلى فلنضس ، لأنهم لا يضرون المسلمين ، بل يحسنون إليهم ، كما سيأتي. ولما أن بلغنا إلى مدينة مسترضام ، رأيت العجب في حسن بنياتها ، ونقائها ، وكثرة مخلوقاتها ، كاد أن تكون في العمارة مثل مدينة بريش بفرنجة. ولم تكن في الدنيا مدينة بكثرة السفن مثلها. قيل أن في جميع سفنها ، صغارا وكبارا ، ستة آلاف سفينة. وأما الديار ، كل واحدة مرسومة ، ومزوقة من أعلاها إلى أسفلها بالألوان العجيبة. ولن تشبه واحدة أخرى في صنع رقمها. والأزقة كلها بالأحجار المنبتة.
والتقيت بمن رأى بلاد المشرق ، وبلاد الصقالبة ، ورومة ، وغيرها من بلاد الدنيا. قال لي إنه ما رأى مثلها في الزين والملاحة. واعلم أن هذا فلنضس ، هي سبع عشرة جزيرة ، وجميعها كانت لسلطان بلاد الأندلس. وبعد أن ظهر في تلك البلاد رجل عالم عندهم يسمى بلطري (156)، وعالم آخر يسمى بقلبن (157)، وكتب كل واحد منهما ما ظهر له في دين النصارى عن التحريف ، والخروج عن دين سيدنا عيسى ، والإنجيل ، وأن البابا برومة يضلون الناس بعبادة الأصنام ، وبما يزيدون في الدين ، بمنع القسيسين ، والرهبان من التزويج ، وغير ذلك كثير. ودخل في هذا المذهب جميع أهل فلنضس أعني الجزر السبعة ، وقاموا على سلطانهم إلى الآن. وهم أيضا على
Страница 109