بالدباغ. لقيته يوم وردنا (1) القيروان فرأيت شيخا ذكيا حصيفا ذا سمت (2) وهيئة وسكون ظاهر ، محبا لأهل العلم ، حسن الرجاء بر اللقاء ، لم يؤثر الكبر في جسمه على علو سنه ولا تغير شيء من ذهنه وحواسه ، سألته عن مولده فقال لي : سنة خمس وست مئة. وهو حفظه الله من أهل التهمم والعناية بالعلم ، مع عدم (3) المعتني به والطالب له ، موطأ الأكناف ، لين الجانب ، جميل العشرة ، على سنن [36 / ب] المشايخ من أهل العلم والفضل ، أوحد وقته رواية ودراية ، لقيت من بره وحسن خلقه ، ورقة شمائله مالم إخل مثله باقيا ، وما وجوده بالقيروان في هذا الأوان إلا من جملة بركات سلف أهله ، وقد نيف شيوخه على الثمانين ، وله «برنامج» ضم فيه أسماء هم وما روى عنهم ، وقد قرأت عليه بعضه ، وأجازني في كل ما تضمنه ، وما شذ عنه من رواياته إجازة عامة ، وكذلك أجاز ولدي محمدا وفقه الله وكتب لي بذلك خط يده ، وقال لي مرارا : إذا قضى الله حاجتك وحججت ، فلا تقم في البلاد فإني كثير الشفقة على ولدك ، وقد أوقع الله حبه في قلبي منذ ذكرته لي.
ومن عجيب أخلاقه أني قلما طلبت جزءا لأنقل منه إلا وهبه لي ، وقد أعطاني أكثر من عشرة أجزاء من فوائده وفوائد شيوخه وفهارسهم ، وقال لي : أنت أولى بها مني ، فإني شيخ على الوداع ، وأنت في عنفوان عمرك ، ومن حين (4) رأيتك انعرز حبك في قلبي.
Страница 164