Рифака Тахтави: Лидер интеллектуального возрождения эпохи Мухаммеда Али
رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي
Жанры
وبعد هذه التقدمة انطلق رفاعة يصف دور الكتب ومعاهد العلم في باريس، فهو يلاحظ أن «لكل إنسان من العلماء أو الطلبة أو الأغنياء خزانة كتب على قدر حاله، ويندر وجود إنسان بباريس من غير أن يكون تحت ملكه شيء من الكتب؛ لما أن سائر الناس تعرف القراءة والكتابة ... إلخ ... إلخ.» وهو يعرض بعد هذا وصفا مسهبا لمعاهد العلم المختلفة، وكلها غريب عن مصر في ذلك الوقت، والمسميات غريبة عن اللغة العربية؛ لهذا بدأ رفاعة محاولاته لترجمة هذه المسميات، فهو يعرب بعضها تارة، وهو يرسم البعض الآخر كما هو تارة أخرى. فالدور التي نحفظ فيها النماذج والآثار، سميناها في القرن الماضي أسماء كثيرة، فكنا نطلق عليها دور العاديات أو دور الآثار ثم انتهينا إلى تسميتها بالمتاحف. أما رفاعة فقد سماها: «خزائن المستغربات»، وفسر اللفظ ليدل مواطنيه على معناه، فقال: «ويوجد بها ما تتشوق إليه نفوس الفضلاء، ليستعينوا به على الغرض في الطبيعيات، كالمعادن، والأحجار، والحيوانات البرية والبحرية المحفوظة الجثة ، وسائر المواليد من الأحجار والنباتات وسائر الأشياء التي فيها آثار القدماء ... إلخ.»
وانتقل من هذا إلى وصف «بستان النباتات السلطاني» وما به من أنواع النبات والحيوان المختلفة، و«الرصد السلطاني» وما به من آلات لرصد الكواكب؛ و«الكنسروتوار ... ومعناه المخزن أو المحفظ ... وفيه جميع الآلات ... خصوصا الآلات الهندسية كآلات الحيل وتحويل الأثقال.»
وذكر رفاعة بعد ذلك أن في باريس المدارس الكثيرة لدراسة العلوم والفنون، ومنها «ما يسمى أكدمة، ومنها ما يسمى مجمعا أو مجلسا، والأنسطيوت عندهم اسم عام يشتمل على جميع اجتماع الأكدمات، أي المجالس الخمسة، وهي: أكدمية اللغة الفرنساوية، وأكدمية العلوم الأدبية ومعرفة الأخبار والآثار، وأكدمية العلوم الطبيعية والهندسية، وأكدمية الصنائع الظريفة، وأكدمية الفلسفة ...» وبعد أن وصف كل «أكدمية» من هذه «الأكدميات» وصفا مسهبا، ذكر أن في باريس أيضا «مدارس سلطانية تسمى الكوليچ، وهي مدارس يتعلم فيها الإنسان العلوم المهمة التي تكون وسائل في الأمور المقصودة منها، وهي خمسة كوليچات ... إلخ.»
كان طبيعيا أن تحظى الحياة العلمية في باريس بهذه اللفتات من رفاعة وهو خريج الأزهر والمبعوث إلى باريس لإتمام علومه، ولكننا نلاحظ أنه لم يغمض عينيه عن مظاهر الحياة الأخرى، بل لقد كانت له نظرات ولفتات إلى مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا. والسمة الواضحة لهذه اللفتات جميعا هي الظاهرة التي سجلناها قبلا، أي المقارنة والأمل، فهو إذا وصف نهر السين تذكر نهر النيل فقال: «... وشتان بين هذا وبين النيل والروضة والمقياس، فإن نزهة الإنسان في الروضة والمقياس لا تضاهى؛ لأن الخليج يعبر مصر، والسين يعبر باريس، إلا أن نهر السين بتمامه يشق باريز، وتجري به السفن العظيمة الوسق، وبه الأرصفة الجيدة، والنظافة على حوافيه، ومع ذلك فنزهته غير سارة. وشتان أيضا بين ماء النيل والسين من جهة الطعم وغيره؛ فإن ماء النيل لو كانت العادة جرت بترويقه قبل استعماله كما هي العادة في ماء نهر السين لكان من أعظم الأدواء. وأقول أيضا إنه فرق بعيد بين طعم ماء نهر السين وماء العيون والقطوع والسواقي ببلاد صعيد مصر ...» وينتقل بعد هذا إلى المقارنة بين الجو في مصر وفي فرنسا، فيصف شدة البرد في باريس إلى أن يقول: «وأما مصر فإنها سليمة من مكاره برد باريس، كما أنها خالية أيضا عن الأمور المحتاج إليها في وقت الحر، مثل الاستعانة على تطرية الزمن. فإن أهل باريس مثلا سهل عندهم رش ميدان متسع من الأرض وقت الحر، فإنهم يصنعون دنا عظيما ذا عجلات، ويمشون العجلة بالخيل؛ ولهذا الدن عدة بزابيز مصنوعة بالهندسة تدفع الماء بقوة عظيمة وعزم سريع، فلا تزال ماشية والبزابيز مفتوحة حتى ترش قطعة عظيمة في نحو ربع ساعة لا يمكن رشها بجملة رجال في أبلغ من ساعة. ولهم غير ذلك من الحيل، فمصرنا أولى بهذا لغلبة حرها ... ومن الأمور المستحسنة أيضا أنهم يصنعون مجاري تحت الأرض توصل ماء النهر إلى حمامات أخرى وسط المدينة أو إلى صهاريج بهندسة مكملة، فانظر أين سهولة هذا مع صهاريج مصر بحمل الجمال، فإن ذلك أهون مصرفا وأيسر في كل زمن ... وفي هذه المدينة (أي باريس) عدة فسحات عظيمة تسمى المواضع يعني الميادين، كفسحة الرميلة بالقاهرة، في مجرد الاتساع لا في الوساخة، وعددها خمسة وسبعون ميدانا ... إلخ.»
هذه صورة قد تبدو عادية للقارئ المصري الحديث، ولكنها كانت غريبة الغرابة كلها لرفاعة وزملائه؛ فقد كانت الحياة في مصر في أوائل القرن الماضي تختلف عن مثيلتها في باريس اختلافا بينا، وهذه الصور لا تعدو أن تكون نماذج لما أثار انتباه رفاعة. أما الرحلة فمليئة بعشرات من الصور الأخرى، وكلها طريف يستحق القراءة والدراسة.
دور التحصيل في باريس
في يوم الخميس السادس من شهر رمضان سنة 1241ه/14 أبريل 1826م أبحرت السفينة من الإسكندرية تحمل رفاعة وزملاءه. وفي التاسع من شهر شوال وصلت بهم إلى «مارسيليا»، ومذ وطئت قدما رفاعة أرض هذه المدينة بدأ يتعلم اللغة الفرنسية. يقول في رحلته: «وتعلمنا في نحو ثلاثين يوما التهجي.»
وفي باريس قضى تلاميذ البعثة جميعا نحو سنة وهم يقيمون معا في بيت واحد، ويشتركون معا في دراسة مواد واحدة. يقول رفاعة : «كنا نقرأ في الصباح كتاب تاريخ ساعتين، ثم بعد الظهر درس رسم، ثم درس نحو فرنساوي، وفي كل جمعة ثلاثة دروس من علمي الحساب والهندسة.»
وكانت هذه الخطة ترمي إلى عزل تلاميذ البعثة حتى لا يفسدهم الاختلاط أو الحياة في باريس، وحتى يستطيعوا التوفر على دراستهم ليحصلوا العلوم التي يريدون على أحسن وجه وفي أسرع وقت، ولكن هذه العلوم التي أوفدوا لدراستها مودعة في بطون المؤلفات الفرنسية، ولا سبيل إليها إلا إتقان هذه اللغة حديثا وقراءة وفهما. ولا سبيل إلى هذا الإتقان إلا أن يختلط هؤلاء الشبان بأندادهم من الفرنسيين حتى تستقيم ألسنتهم.
أحس هذا النقص المشرفون على البعثة، كما أحس به أعضاء البعثة أنفسهم. يقول رفاعة: «مكثنا جميعا في بيت واحد دون سنة نقرأ معا في اللغة الفرنسية وفي هذه الفنون المتقدمة، ولكن لم يحصل لنا عظيم مزية إلا مجرد تعلم النحو الفرنساوي؛ لهذا صدرت الأوامر بتوزيع هؤلاء المبعوثين، فتفرقوا «في مكاتب متعددة، كل اثنين أو ثلاثة أو واحد في مكتب مع أولاد الفرنساوية، أو في بيت مخصوص، عند معلم مخصوص، بقدر معلوم من الدراهم في نظير الأكل والشرب والسكنى والتعليم ...» وفي هذه المكاتب، أو «البانسيونات» كان التلاميذ المصريون يقضون ليلهم ونهارهم في التحصيل، ولم يكن يسمح لهم بالخروج إلا في يوم الأحد أو بعد ظهر الخميس أو في الأعياد الفرنسية. وكان يحدث أحيانا أن يخرج بعضهم بعد العشاء إن لم يكن يشغله درس أو واجب.»
Неизвестная страница