Ричард Фейнман: его жизнь в науке
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Жанры
ومن نافلة القول أن فاينمان لم يجد أنه من الممكن اشتقاق نظرية كم متماسكة للجاذبية المتفاعلة مع المادة، بدون أي قيم لانهائية بغيضة، بالاكتفاء ببساطة بمعالجة نظرية النسبية العامة مثلما فعل مع الديناميكا الكهربائية الكمية. ولا توجد حتى الآن نظرية حاسمة كهذه، على الرغم من طرح بعض النظريات المرشحة لهذا، ومن بينها نظرية الأوتار. ومع ذلك فإن كل تطور كبير حدث خلال النيف والخمسين عاما التي مضت منذ بدأ فاينمان عمله في هذا الميدان، وشارك فيه مجموعة كبيرة من العلماء بداية من فاينمان حتى واينبرج وستيفن هوكينج ومن جاء بعدهم، بني على أسلوب فاينمان وعلى الأدوات التي ابتكرها طوال مسيرته.
وإليكم بعض الأمثلة على ذلك: (1)
الثقوب السوداء وإشعاع هوكينج:
لعل الثقوب السوداء ظلت تمثل أكبر تحد نظري واجه علماء الفيزياء خلال محاولتهم فهم طبيعة الجاذبية، وقد ظهرت من ورائها أعظم المفاجآت. ومع أن أدلة موحية تراكمت من خلال المشاهدات خلال الأربعين عاما الماضية على وجود أجسام سوداء هائلة أشبه بالثقوب في الكون، تتراوح من كوازارات نشطة وحتى أجرام تصل كتلتها إلى ملايين ومليارات قدر كتلة الشمس في مراكز المجرات، ومن بينها مجرتنا، فإن الطبيعة التفصيلية لعمليات الكم التي تعمل في المراحل النهائية من انهيار الثقب الأسود أحدثت مفاجآت وجدلا محتدما. وجاءت أعظم المفاجآت عام 1972، عندما نقب ستيفن هوكينج عن عمليات ميكانيكا الكم التفصيلية التي قد تحدث بالقرب من أفق حدث الثقب الأسود، فاكتشف أن تلك العمليات ربما هي التي تدفع الثقب الأسود نحو بث طاقة على هيئة جميع أنواع الجسيمات الأولية، ومن بينها الجرافيتونات، كما لو كان الثقب الأسود ساخنا، ودرجة حرارته متناسبة عكسيا مع كتلته. ولا بد أن شكل هذا الإشعاع الحراري متوقف بالضرورة على هوية الشيء الذي انهار أيا ما كان كي يصنع ما يعرف بالثقب الأسود، ولا بد أنه يجعل الثقب الأسود يفقد كتلته وربما يتبخر تماما في نهاية المطاف! جاءت تلك النتيجة، التي بنيت على نمط التقريب الذي استخدمه فاينمان في البداية لاستكشاف ميكانيكا كم الجاذبية - وهو تحديدا، تقريب الفضاء الخارجي واعتباره كأنه ثابت ومسطح تقريبا، واعتبار مجالات الكم، ومن بينها الجرافيتونات، مجالات تنتشر في الفضاء - بمنزلة قنبلة انفجرت في وجه التفكير البديهي التقليدي، لكنها في الوقت ذاته قدمت تحديات كبرى لفهمنا لميكانيكا الكم في وجود الجاذبية. ما مصدر درجة الحرارة المحددة تلك؟ وما الذي يحدث للمعلومات التي تسقط في الثقب الأسود لو أن هذا الثقب في نهاية المطاف ينحل في صورة إشعاعات؟ وماذا عن نقطة التفرد الواقعة في قلب الثقب الأسود، حيث تنهار نظرية مجال الكم التقليدية؟ تلك المشكلات النظرية والرياضية هي التي وجهت أبحاث أعظم العقول النظرية في الفيزياء على مدى الأربعين عاما الماضية. (2)
نظرية الأوتار وما بعدها:
خلال محاولاتهم الحثيثة لترويض القيم اللانهائية التي تظهر في معادلات جاذبية الكم، اكتشف العلماء في الستينيات أنه لو فكر المرء في ميكانيكا كم حلقة مصنوعة من وتر يهتز، فسيكون هناك بصورة طبيعية نوع من الاهتزازات التي تلائم وصف حالة استثارة اللف المغزلي 2 عديم الكتلة. وأدى ذلك - باستخدام نفس النتائج التي شرحها فاينمان من قبل - إلى إدراك أن النسبية العامة لأينشتاين ربما تنشأ بصورة طبيعية في نظرية الكم الأساسية التي ضمت هذه الاستثارات الشبيهة بالوتر. وكان هذا الإدراك يعني بدوره احتمال أن تكون تلك النظرية هي نظرية الكم الحقيقية للجاذبية، التي يمكن فيها ترويض جميع القيم اللانهائية التي كشف عنها فاينمان من قبل خلال تنقيبه في مسألة الجاذبية باعتبارها نظرية لمجال الكم. وفي عام 1984 طرحت العديد من نظريات الوتر على الساحة وفيها جميعا صار من الممكن أن تتلاشى كل تلك القيم اللانهائية، مما يصل بنا إلى أكبر انفجار في عالم الاستثارة النظري شهده علم الفيزياء ربما منذ ظهور ميدان ميكانيكا الكم ذاته.
غير أنه مع كل هذا القدر من الإثارة الذي صنعه ذلك الاحتمال، كان هناك أيضا تعقيد بسيط. فمن أجل السماح بالاحتمالية الرياضية لوجود نظرية كم متسقة ذاتيا للجاذبية، وبدون قيم لانهائية، لا يمكن للاستثارات الأساسية الشبيهة بالوتر أن توجد في أربعة أبعاد فقط. فلا بد أن «تتذبذب» فيما لا يقل عن عشرة أبعاد أو أحد عشر بعدا مختلفا! فكيف يمكن لنظرية مثل تلك أن تتفق مع العالم رباعي الأبعاد الذي نعيش فيه؟ وما الذي يمكن أن يحدث للأبعاد الستة أو السبعة الإضافية؟ وكيف يمكن للمرء ابتكار تقنيات رياضية لمعالجتها بطريقة متسقة في الوقت نفسه الذي يستكشف فيه ظواهر العالم الذي نعيش فيه؟ وكيف يمكن للمرء صياغة آليات فيزيائية تخفي الأبعاد الزائدة؟ وأخيرا، ولعلها أهم نقطة، إذا كانت الجاذبية نشأت بصورة طبيعية وفق تلك النظريات، بمنطق فاينمان، فهل يمكن للجسيمات والقوى الأخرى التي نحس بها أن تنشأ هي الأخرى بصورة طبيعية داخل نفس الإطار؟
صارت تلك القضايا هي القضايا النظرية المحورية التي اكتشفت ودرست خلال الخمس والعشرين عاما الماضية، وكانت النتائج متضاربة في أفضل الأحوال. إن النظريات الرياضية الخلابة التي ابتكرت قدمت أفكارا جديدة مثيرة ومستنيرة نحو فهم نظريات الكم التي تبدو متباينة باعتبارها تعبر عن نفس القوانين الفيزيائية الأساسية - وهو أمر يندرج بالضبط تحت ما وصفه فاينمان باعتباره الهدف المحوري للعلم - والنتائج الرياضية المثيرة التي تم التوصل إليها ربما تقدم رؤى تدلنا على الأسلوب الذي تشع به الثقوب السوداء الحرارة، بما يبدو معه أنها تفقد معلومات، ومع ذلك لا تخرق الأعمدة الرئيسية التي قامت عليها نظرية الكم. وأخيرا، سمحت نظرية الأوتار - التي تقوم على نمط جديد من مخططات فاينمان لحساب العمليات التي تتضمن سلوك الأوتار - لعلماء الفيزياء النظرية باكتشاف طرق جديدة لتصنيف أشكال فاينمان الخاصة بمجالات الكم الطبيعية، وسمحت لعلماء الفيزياء باشتقاق نتائج تحليلية في صيغة مغلقة للعمليات التي لولا ذلك لتضمنت ضرورة تلخيص رقم فلكي من مخططات فاينمان لو كانت الحسابات أجريت بطريقة مباشرة.
لكن الورود لا تأتي بلا أشواك. فمع تطور فهمنا لنظرية الأوتار، صار من الواضح أنها أكثر تعقيدا بكثير مما تخيلنا من قبل، وأن الأوتار نفسها ربما لا تكون هي الأشياء المحورية في النظرية، وإنما هناك أشياء ذات أبعاد أعلى اسمها «الأغشية»، مما يجعل النطاق المحتمل للافتراضات التي يمكن اشتقاقها من النظرية أكثر تعقيدا بكثير. وعلاوة على ذلك، فعلى الرغم من الآمال المبكرة التي علقناها على احتمال التوصل لنظرية أوتار وحيدة أساسية يمكنها أن تخرج بافتراضات فريدة وغير مبهمة لتطوع جميع قوانين الفيزياء الأساسية التي تقاس بالمختبرات في وقتنا الحالي، فإن العكس بالضبط هو ما حدث؛ فالغالبية العظمى من العوالم رباعية الأبعاد، مع أي مجموعة من قوانين الفيزياء، يمكن أن تنشأ في تلك النظريات. فإذا ظل هذا الأمر صحيحا، فإنه بدلا من التوصل إلى «نظريات لكل شيء»، يمكن التوصل إلى «نظريات لأي شيء»، وهو ما يعني في منطق فاينمان عدم التوصل لأي نظريات على الإطلاق.
والحقيقة أن فاينمان عاش عمرا يكفي لكي يشهد خلال حياته ثورة كبرى في نظرية الأوتار خلال عقد الثمانينيات وما صاحبها من ضجة إعلامية. إلا أن تشككه الفطري في المزاعم الضخمة لم يتزحزح قيد أنملة. وعلى حد تعبيره في ذلك الوقت: «كان شعوري - وقد أكون مخطئا - أن هناك أكثر من طريقة. ولا أعتقد أن هناك طريقة واحدة للتخلص من قيم ما لانهاية. ومسألة أن نظرية ما يمكنها التخلص من كافة أشكال القيم اللانهائية لا تعد في نظري مبررا كافيا للاعتقاد في تفردها.» وقد فهم أيضا، حسبما عبر بوضوح في بداية بحثه عام 1963 حول هذا الموضوع، أن أي جهد يبذل في محاولة فهم جاذبية الكم كان يواجه بمعوقات حتى إن أي تكهنات - حتى تلك التي تأتي في إطار نظرية نخرج منها بافتراضات واضحة - ربما تتجاوز بكثير نطاق التجريب. وكان الافتقار إلى القدرة على التنبؤ، جنبا إلى جنب مع الغطرسة الواضحة من جانب علماء نظرية الأوتار، على الرغم من افتقارهم الواضح إلى الأدلة العملية القائمة على التجريب، دافعا كافيا له ليقول بنبرة غاضبة: «علماء نظرية الأوتار لا يتكهنون، إنهم يختلقون المبررات!» وقد عبر عن خيبة أمله في العثور على ذلك العامل الجوهري الآخر الذي كان بالنسبة له يمثل تعريفا محددا لنظرية علمية ناجحة بقوله:
Неизвестная страница