Возвращение духа и пробуждение веры
عودة الروح ويقظة الإيمان
Издатель
دار السراج
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
Жанры
طلب منهم إحضار ما تبقى عندهم من ماء، ثم وضع فيه أصابعه الشريفة، فنبع من بينها الماء ليشرب الجميع ويتوضأ (١).
فهنا استنفد ﷺ الأسباب الموجودة، وشكَّل الماءُ القليل «الستار» الذي تنزّل من خلاله المدد الإلهي.
فعلينا- إذن- أن نجتهد في الأخذ بالأسباب المتاحة أمامنا، مع يقيننا بأنها لا تفعل شيئًا بذاتها، فالفاعل هو الله، وإنما نأخذ بها لأننا مأمورون بذلك.
التوكل وإنجاح الأسباب:
ويؤكد على هذا المعني محمد عبد الله دراز- ﵀ في تعليقه على اتخاذه ﷺ الزاد وهو ذاهب للتعبد في غار حراء فيقول: وفي هذا بيان للسنة النبوية في اتخاذ الزاد والعمل بالأسباب، وأن التوكل على الله ليس في ترك الأسباب التي وضعها الله، بل التوكل هو تفويض الأمر إلى الله في إنجاح هذه الأسباب، لأنها لا نُجح لها من طبيعتها، وإنما نجحها بتوفيقه وتيسيره، لا رب غيره (٢).
فالمؤمن يجمع بين الأمرين -كما يقول ابن القيم- يجرد عزمه للقيام بالأسباب حرصًا واجتهادًا، وَيُفرِّغ قلبه من الاعتماد عليها، والركون إليها، تجريدًا للتوكل، واعتمادًا على الله وحده، وقد جمع النبي ﷺ بين هذين الأصلين في الحديث الصحيح حيث يقول: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تَعْجَزْ» فأمر ﷺ المؤمن بالحرص على الأسباب، والاستعانة بالمسبب، ونهاه عن العجز، وهو نوعان: تقصير في الأسباب، وعدم الحرص عليها، وتقصير في الاستعانة بالله، وترك تجريدها (٣).
وخلاصة القول أن الذي يدير الكون ويتعاهده ويتابعه هو الله وحده لا شريك له، وأنه سبحانه هو الذي أمرنا باتخاذ الأسباب دون الركون إليها أو التعلق بها.
الإمداد على قدر الاستعداد
الله ﷿ هو رب كل شيء ومليكه، ومدبر أمره .. هذه هي الحقيقة التي يقوم عليها الوجود كله.
أما الإنسان- أي إنسان- فهو مخلوق من مخلوقات الله، حياته كلها متعلقة بإمدادات ربه إليه، ولو تركه لحظة واحدة لتوقف فيه كل شيء.
والإنسان إذ يعيش في الحياة بفضل إمدادات ربه؛ فإنه- يقينا- لا يقدر على فعل أي شيء- مهما صغر- إلا إذا أذن له الله بفعله، وفتح له خزائنه.
لذلك كان من الضروري أن نُقَدِّم المشيئة الإلهية عند العزم على فعل أي شيء.
نُقَدِّمها ونحن على يقين بأن الأمر كله لله ﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤].
ولئن كان الله ﷿ قد خاطب رسوله محمد ﷺ وهو سيد البشر- قائلًا: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨]، فماذا عن بقية البشر؟؟
هل يمكن أن يكون لأحد منهم صلاحية أو قوة ذاتية في هذا الكون؟! ﴿يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ للهِ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
فالله ﷿ هو خالق كل شيء، وهو ربه يمده بما يحتاجه، وما الإنسان إلا مخلوق صغير ضئيل في هذا الكون الرحيب، لا يمكنه- بمفرده- أن يُنفذ إرادته، فإرادته لا تنفذ إلا من خلال موافقة الله على إنفاذها، ومن ثمّ إمداده بما يظهرها .. من هنا ندرك بعضا من معاني قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ﴾ [الإنسان: ٣٠].
وقوله: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ﴾ [المدثر: ٥٦].
_________
(١) حديث نبع الماء من بين أصابعه ﷺ رواه البخاري وغيره.
(٢) كنوز مختارة من السنة ص ١٦ لمحمد عبد الله دراز، دار القلم- الكويت.
(٣) تهذيب مدارج السالكين ص ٦٤٠.
1 / 10