فالعذاب الذي يُعذَّب به الميتُ في قبرِه من جنس الآلام التي تحصُلُ له في الدنيا، وقد يكون غيرَ ذلك، ولهذا رُوي عن النبي ﷺ في الحديث الذي في السنن (^١) أنه قال لنسوة في جنازةٍ: "ارْجِعْنَ مأزوراتٍ غيرَ مأجوراتٍ، فإنكن تَفتِنَّ الحيَّ وتُؤْذِينَ الميتَ". ولهذا في سنن أبي داود (^٢) أن النبي ﷺ نهى أن تُتبعَ الجنازةُ بصوتٍ أو نارٍ. وضربَ عمرُ بن الخطاب نائحةً، فقيل له: قد بَدا شَعرُها، فقال: إنه لا حُرمةَ لها، إنها تَنهَى عن الصبرِ وقد أمر الله به، وتأمرُ بالجزع وقد نهى الله عنه، وتَفتَنُ الحيَّ وتُؤذي الميتَ، وتبيعُ عَبرتَها وتبكي بشجو غيرها، إنها لا تبكي على ميتكم، ولكن تبكي على أخذِ دراهمِكم.
وهذا الألم والعذاب الذي يحصل للميت بالنياحة موجودٌ كما دلت عليه أحاديث، مثل حديث عبد الله بن رواحة الذي رواه البخاري في صحيحه (^٣) عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: أُغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلتْ أختُه تبكي وا جَبَلاهُ وا كذا! تُعدِّد عليه، فقال حين أفاق: ما قُلتِ لي شيئًا إلا قيل لي: "أنت كذاك"؟ فلما مات لم تَبكِ عليه.
ومثلُ هذا عُرِف عن غير عبد الله بن رواحة، فإنه يُوجَدُ الميتُ يَشتكي من تألُّمِه ببكاء الحيّ عليه، ويُكشَف في المنام وغيرِه في ذلك للمؤمن أمور متعددة. وقد يحصلُ التأذي والألم للميت، وقد يتعذب الحيُّ بما يسمعه ويراه ويشمُّه من أحول غيرِه. فهذا أمرٌ موجود في الدنيا