Resorting to the Book and the Sunnah for Maintaining Security and Protecting Lives
التحاكم إلى الكتاب والسنة في حفظ الأمن وحماية الأرواح
Издатель
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Место издания
المملكة العربية السعودية
Жанры
[تحريم خطف الطائرات]
[التحاكم إلى الكتاب والسنة]
فتاوى في فقه الجهاد
والسياسة الشرعية
التحاكم إلى الكتاب والسنة
في حفظ الأمن وحماية الأرواح
"تحريم خطف الطائرات" فتوى سماحة الشيخ العلامة الإمام عبد الله بن باز ﵀
1 / 1
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فمن المعلوم لدى كل من له أدنى بصيرة أن اختطاف الطائرات، وبني الإنسان من القارات وغيرهما من الجرائم العظيمة العالمية، يترتب عليها من المفاسد العظمية، وإخافة الأبرياء وإيذائهم ما لا يحصيه إلا الله، كما أن المعلوم أن هذه الجرائم لا يخص ضررها وشرها دولة من الدول، ولا طائفة دون طائفة، بل العالم كله.
ولا ريب أن ما كان من الجرائم بهذه المثابة فإن الواجب على الحكومات والمسؤولين من العلماء وغيرهم؛ أن يعنوا به غاية العناية، وأن يبذلوا الجهود الممكنة لحسم شره، والقضاء عليه، وقد أنزل الله كتابه الكريم تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.
1 / 2
وبعث نبيه محمدا ﷺ رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، وأوجب على جميع الثقلين: الحكم بشريعته والتحاكم إليها، ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتابه وسنة رسوله محمد ﷺ كما قال ﷿: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] (النساء: ٦٥) وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] (المائدة: ٥٠) وقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] (النساء: ٥٩)
1 / 3
قد أجمع العلماء ﵏ على أن الرد إلى الله هو الرد إلي كتابه الكريم، وإن الرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته الصحيحة بعد وفاته ﵊ وقال سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٠] فهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب رد ما تنازع في الناس إلى الله -سبحانه-، وإلى الرسول ﵊ وذلك هو الرد على حكم الله ﷿ والحذر مما خالفه في جميع الأمور، ومن أهم ذلك الأمور التي يعم ضررها وشرها كالاختطاف.
[الواجب على الدولة التي يقع في يدها الخاطفون]
فإن الواجب على الدولة التي يقع في يدها الخاطفون، أن تحكم فيهم شرع الله، لما يترتب على جريمتهم الشنيعة من الحقوق لله والحقوق لعباده، والأضرار
1 / 4
الكثيرة، والمفاسد العظيمة، وليس ذلك حل يقطع دابرها، ويحسم شرها إلا الحل الذي وضعه أحكم الحاكمين في كتابه الكريم، وبعث به أنصح الخلق وأفضلهم، وأرحمهم سيد الأولين والآخرين محمدا - عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم- وهو الحل الذي يجب أن يفهمه الخاطفون والمخطوفون، ومن له صلة بهم وغيرهم، وأن تنشرح له صدورهم إن كانوا مؤمنين فقد أمر الله نبيه ﷺ بتحكيم الشرع فيهم، كما في قوله -سبحانه-: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٩] (سورة المائدة آية: ٤٩) وقوله ﷿: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢] (سورة المائدة آية: ٤٢) وبناء على ما ذكرنا فإن الواجب على كل دولة يلجأ إليها الخاطفون؛ تكوين لجنة من علماء الشرع الإسلامي للنظر في القضية ودراستها من جوانبها
1 / 5
والحكم فيها بشرع الله، وعلى هؤلاء أن يحكموا في القضية على ضوء الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأن يستضيئوا في ذلك بما ذكره علماء الشرع عند آية المحاربة في سورة المائدة، وما ذكره العلماء في كل مذهب في باب حكم قطاع الطريق، ثم يصدروا حكمهم معززا بالأدلة الشرعية وعلى الحكومة التي لجأ إليها الخاطفون تنفيذ الحكم الشرعي طاعة لله، وتعظيما لأمره، وتنفيذا لشرعه ورغبة في تحقيق الأمن، ورحمة للمخطوفين وإنصافهم.
[لا يجوز لأهل الإسلام التحاكم إلى القوانين الوضعية]
أما القوانين التي وضعها الناس لذلك من غير استناد إلى كتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ فكلها من وضع البشر، ولا يجوز لأهل الإسلام التحاكم إليها، وليس بعضها أولى بالتحاكم إليها من بعض لأنها كلها من حكم الجاهلية ومن
1 / 6
حكم الطاغوت الذي حذر الله منه، ونسب إلى المنافقين الرغبة في التحاكم إليه، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا - وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء: ٦٠ - ٦١] (سورة النساء آية: ٦٠- ٦١) .
فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتشبهوا بأعداء الله المنافقين بالتحاكم إلى غير الله، والصدود عن حكم الله ورسوله، ولا يجوز أن يحتج فيما وقع فيه أغلب المسلمين اليوم من التحاكم إلى القوانين الوضعية، فإن ذلك لا يبرره، ولا يجعله جائزا، بل هو من أنكر المنكرات، وإن وقع فيه الأكثرون، وليس وقوع الأكثر في أمر من الأمور دليلا على
1 / 7
جوازه كما قال -سبحانه-: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦] (سورة الأنعام آية: ١١٦) .
[كل حكم يخالف شرع الله فهو من حكم الجاهلية]
وكل حكم يخالف شرع الله فهو من حكم الجاهلية قال -سبحانه-: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] (سورة المائدة آية: ٥٠) وأخبر -سبحانه- أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق فقال -سبحانه- في سورة المائدة: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] (٤٤) ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] (٤٥) ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] (٤٧)
1 / 8
وهذه الآيات وما جاء في معناها توجب على المسلمين الحذر من الحكم بغير ما أنزل الله والبراءة منه، والمبادرة إلى حكم الله ورسوله، وانشراح الصدر به والتسليم له وإذا كانت الحادثة يعم ضررها كالخطف، كان وجوب رد الحكم فيها إلى الله ورسوله آكد من غيرها وأعظم في الوجوب؛ لأن الله -سبحانه - هو الحكيم الخبير، وهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح عباده، ويدفع عنهم الضرر ويحسم عنهم الفساد في حاضرهم ومستقبلهم، فوجب أن يردوا الحكم فيما تنازعوا فيه إلى كتاب الله، وسنة نبيه ﷺ لأن فيهما الكفاية والمقنع، والحل لكل مشكل، والقضاء على كل شر لمن تمسك بهما واستقام عليهما، وحكم بهما وتحاكم إليهما كما سبق بيان ذلك في الآيات المحكمات، ولعظم هذه الجريمة
1 / 9
وخطورتها رأيت أن الواجب تحرير هذه الكلمة نصحا للأمة، وبراءة للذمة، وتذكيرا للعموم بهذا الواجب العظيم، وتعاونا مع المسؤولين على البر والتقوى.
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين ويهديهم صراطه المستقيم، ويوفق حكوماتهم للحكم بالشريعة الإسلامية، والتحاكم إليها، والتمسك بها في جميع الأمور إنه جواد كريم وصلى الله على عبده ورسوله ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
المفتي العام للمملكة العربية
ورئيس هيئة كبار العلماء، ﵀.
1 / 10