Религиозный хаос и многоженство - В рамках «Работы Аль-Муаллими»
الفوضى الدينية وتعدد الزوجات - ضمن «آثار المعلمي»
Исследователь
محمد عزير شمس
Издатель
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣٤ هـ
Жанры
الرسالة الخامسة والثلاثون
الفوضى الدينية وتعدُّد الزوجات
18 / 535
كثر هذه الأيام تحكُّكُ المتفرنجين بالمسائل الدينية وتوثُّبُهم عليها، والذي يسوء الحق إنما هو أن يتصدى الإنسان للتحكُّم في فنٍّ هو فيه أمّي أو تلميذ صغير. إن العاقل الذي لا حظَّ له من الطب إلا مطالعة بعض الكتب، لَيحجزه عقلُه عن التطبب، وهكذا عامةُ الفنون يمتنع العاقل أن يتحكم في فنٍّ منها ليس فنَّه. ولكن الدين شذَّ عن هذه الكلية، فلا تكاد تجد أحدًا يعترف أو يعرف أنه ليس ممن يحقُّ لهم الكلامُ فيه.
يقولون: إنها حرية الفكر! حبَّذا حرية الفكر، ولكن أَمِن حرية الفكر أن يصمد الإنسان لقضيةٍ لم يُتقِن أصولَها، ولا أسبابها وعللها، ولا غوامضها ودقائقَها، فيعبّر فيها على ما خيلت؟ إن حقًّا على العاقل إذا أحبَّ أن يكون حرَّ الفكر أن يختار له موضوعًا ينفذ فكرُه إلى أعماقه، ويتغلغل في دقائقه.
افرِضْ أنك طبيب، وأنه اعترضك بدويٌّ يناقشك في أصول الطب، أو أنك عارف بعلم الفلك الحديث، وعرضَ لك عاميٌّ ينازعك فيه، وكلاهما ــ البدوي والعامي ــ لا يُصغِي إليك حتى توضح له الحجج، أو لا يستطيع في حاله الراهنة أن يفهمها، لأنه لم يتعلم مقدمات ذلك الفن، ولكنه مع ذلك يجزم بما ظهر له، ويرميك بالجهل والغفلة، فهل تعدُّه حرَّ الفكر؟
لقد بلغ بالناس حبُّ الاشتهار بحرية الفكر إلى أن أغفلوا النظر في صواب الفكر وخطائه، وأصبحت حرية الفكر مرادفةً للخروج عما كان عليه الآباء والأجداد. ولقد يعلم أحدهم أن ما كان عليه آباؤه وأجداده هو الصواب، ولكن شغفه بأن يقال حرَّ الفكر يضطرُّه إلى مخالفته. فهل يستحق مثل هذا أن يقال له حرَّ الفكر؟
18 / 537
وكثير منهم يدع تقليد أسلافه ويقلِّد بعض الملحدين، فهل خرج هذا من الرقِّ إلى الحرّية؟ كلَّا، بل خرج من رقٍّ إلى رقٍّ.
حرُّ الفكر هو الذي يُطلِق فكره حيث يستطيع الانطلاق ويكفُّه حيث يحبّ الانكفاف.
حرُّ الفكر هو الذي يحرِصُ على الحق أينما كان، فإذا ظهر أن الحق هو ما كان عليه أسلافه لزِمَه، ولم يُبالِ بأن يقال: جامد مقلِّد.
حرُّ الفكر هو الذي يحرِص على الثبات على المبدأ الذي كان عليه أسلافه، حتى تقهره الحجة الواضحة.
أمامنا من تلك المسائل مسألة تعدد الزوجات، مسألة معلومة من دين الإسلام بالضرورة، بل ومن الفطرة ومن المصلحة، ثم لا يزال بين حينٍ وآخر يخوض فيها عاشق من عشاق الشهرة بحرية الفكر، وهو عبد من عبيد الإفرنجيّات، اللاتي تُؤثِر إحداهن أن يبقى بَعلُها مضطرًّا إلى مخادنة العواهر، حتى يضطر إلى السماح لها بمخادنة الفجار، وترى أنه لو أبيح له تعدد الزوجات قد يستغني عن الزنا، فلا يبقى مانعٌ يمنعه من مراقبتها ومنعها عن الفجور بمقتضى الغيرة الطبيعية. كما أن رجال الإفرنج بعد أن ألِفوا الزنا يُعادون تعددَ الزوجات، لعلمهم أن القانون إذا أباح التعدُّدَ قلَّ أنصار الزنا وكثُر خصومُه، وضعفت الشبهات التي بُني عليها إباحتُه وإباحةُ مقدماته من الرقص والخلوة والاختلاط المريب.
ولقد يكتب الكاتب خلاف تعدد الزوجات، لعداوته للدين أو لعداوته للأمة، فهو لا يحب لها شرفَ الأخلاق، أو ليرخّص بذلك المتبرِّجات من النساء ليكون له نصيبٌ من قلوبهن ثم مِن ...
18 / 538
وأخفُّهم ذنبًا مَن يكون قليل المعرفة بالدين، قاصر النظر في مصالح العباد، ضعيف الباه، فينظر هذا إلى ما في تعدد الزوجات من النقائص، ولا يلتفت إلى ما في منعه من المفاسد.
تعدد الزوجات في الدين:
جواز التعدد معلوم من دين الإسلام بالضرورة، ولكن أثار بعض المتأخرين شبهة، وهي أن الله ﷿ قال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣]، وقال في موضع آخر: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩].
فالآية الأولى ألزمت المسلم إذا خاف عدمَ العدل أن يقتصر على واحدةٍ. وعُلِم بالآية الثانية أن كلَّ مسلم مصدِّقٍ بخبر الله ﷿ يعلم أنه لا يستطيع العدل، فأنَّى يتصور أن لا يخاف عدم العدل؟
والجواب عن ذلك أنه لو فرِض صحةُ دلالة الآيتين على المنع لم يجز العمل بهذه الدلالة، لِما تواتر قطعًا أن أصحاب النبي ﵌ كانوا يجمعون مثنى وثلاث ورباع بعد نزول الآية، مع علمه ﵌ وإقراره، ثم لم يزل العمل على ذلك إلى الآن، وأطبقت عليه الأمة، ولم يخالف في ذلك أحدٌ البتةَ. وهذا المعنى حجة قطعية لا يخدِش فيه ظاهرُ القرآن.
مع أن الصواب أن ظاهر القرآن لا يدل على المنع، بل يدلُّ على الجواز، ودونك البيان:
قال الله ﷿: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
18 / 539
النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣].
في «الصحيحين» (^١) وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة ما حاصله: أن المراد باليتامى في الآية اليتامى من النساء، تكون اليتيمة في حجْرِ الرجل ولها مال، فيتزوجها لأجل مالها، وليس لها من قلبه شيء، فلا يُقسِط لها، فنُهوا عن ذلك، وتقدير الآية هكذا: «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى من النساء اللاتي في حجوركم إذا نكحتموهن، فلا تنكحوهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء ...». والمراد بالطيب أن تكون المرأة محبوبة له لنفسها لا لمالها، فإنه إذا تزوج مَن يحبّها كان أحرى أن يُقسِط لها.
وقوله: (تعدلوا) فعل، والفعل في قوة النكرة كما نصُّوا عليه، فقولك: «لم يعدلْ زيد» في قوة قولك: «لم يقع من زيدٍ عدلٌ»، والنكرة في سياق النفي تعمُّ كما نصُّوا عليه. إذا قلتَ: «ما جاءني اليومَ رجلٌ» كان في قوة قولك: «ما جاءني اليومَ زيد ولا عمرو ولا خالد ولا بكرٌ ...» حتى يستوعب جميع أفراد الرجال.
فقوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ في قوة قولك: «فإن خفتم أن لا يقع منكم ما يصحّ أن يقال له عدلٌ». ولو كان بيد الرجل تمرتان لا فضلَ لإحداهما على الأخرى، فقال لزوجتيه: لتأخذْ كلٌّ منكما واحدةً= لكان هذا عدلًا، فخوف الرجل أن لا يقع منه بين زوجتيه أو زوجاته شيءٌ يُسمَّى عدلًا مما لا يكاد يتحقق.
ومما يؤيد أن المراد هذا المعنى ما تقرر في المعاني أن وضع «إن»
_________
(^١) البخاري (٤٥٧٣، ٤٥٧٤) ومسلم (٣٠١٨).
18 / 540
الشرطية لفرض الممتنع وما قرب منه.
ويؤيده أيضًا أنه لو كان المراد: «وإن خفتم أن لا يقع منكم العدل الكامل» لما بقي لقوله: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ معنًى، لأن العدل الكامل ممتنع كما دلَّ عليه قوله: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ...﴾ الآية، فإن المراد بالعدل فيها العدل الكامل، وهاك تقرير ذلك:
قال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا .... (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٢٨ - ١٢٩].
قوله: ﴿تَعْدِلُوا﴾ فعل في سياق النفي، فهو من هذه الجهة يصدُق بالخفيف والشديد، ولكن هنا أدلة أن المراد: عدلًا كاملًا.
الدليل الأول: الحسّ والمشاهدة، فإننا نعلم أن الرجل يستطيع أن يعدِل أنواعًا من العدل بين ألف زوجة، فضلًا عن ثنتين أو ثلاث أو أربع، وذلك كأن يقسم بينهن تمرًا أو نحوه مرةً واحدةً أو مرتين أو مرارًا. وقد تقرر في الأصول أن النصّ الشرعي إذا كان بظاهره مخالفًا للواقع وجبَ تقدير ما يجعله مطابقًا له.
الدليل الثاني: الأوامر [القاضية] (^١) بالعدل بين الزوجات، ومنها قوله في هذه الآية نفسها: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾
_________
(^١) هنا كلمة مطموسة ولعلها ما أثبتناه.
18 / 541
ولو كان العدل بينهن ممتنعًا قليلُه وكثيره لما كان لتلك الأوامر فائدة.
الدليل الثالث: قوله: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ فإن قوله: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ﴾ يدل أن النشوز والإعراض محتملٌ فقط، لأنه فُرِض الخوف منه فرضًا. و«امرأة» في الآية عام، لأنها نكرة في سياق الشرط، يتناول من كان لها ضرة ومَن لا ضرة لها. وتعقيب هذه الآية بقوله: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا﴾ الآية يدل على تناول «امرأة» لمن كان لها ضرة أو ضرائر، ويدل على ذلك سبب النزول، فقد جاء أنه قصة أم المؤمنين سودة (^١). ولو كان العدل ممتنعًا البتة لكان النشوز والإعراض متحققًا، وقد عُلِم من أول الآية أنه محتمل فقط.
فإن قيل: فقد اعترفت أن العدل الكامل ممتنع، وحينئذٍ فلابد أن يقع نشوزٌ ما أو إعراضٌ ما، فكيف يكون هذا محتملًا فقط؟
قلت: قد يكون النشوز والإعراض خفيًّا بحيث لا يظهر للمرأة، وعليه فيمكن أن لا تخاف نشوزًا ولا إعراضًا.
الدليل الرابع: قوله في الآية السابقة: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا﴾، والعدل فيها عام كما تقدم، وقد فُرِض امتناع الخوف من عدمه فرضَ المحتمل البعيد، وذلك ينفي أن يكون متحققًا حتمًا.
فهذه أربعة أدلة تُقابل الأربع الزوجات، وثَمَّ أدلة أخرى لا حاجة إلى ذكرها.
_________
(^١) أخرجه أبو داود (٢١٣٥) والحاكم في «المستدرك» (٢/ ١٨٦) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٧٤، ٧٥) من حديث عائشة.
18 / 542
فإن لم تطمئن نفسك إلى عموم العدل في الآية الأولى، وزعمتَ أن المراد العدل المعروف لا العدل الكامل ولا نوع من العدل، فلنا أن نسلِّم لك ذلك ثم نقول: قوله: ﴿فَانْكِحُوا﴾ صيغة أمر، وليس للوجوب قطعًا، فيُحمَل على الاستحباب؛ لأنه أقرب المحتملات إلى الحقيقة المتعذرة، وهي الوجوب. وإذا ثبت هذا ثبت مثلُه في قوله: ﴿فَوَاحِدَةً﴾، أي فانكحوا واحدةً. فتوضيح الآية هكذا: المستحب لكم أن تنكحوا اليتامى اللاتي في حجوركم إلّا أن تخافوا أن لا تُقسِطوا إليهن، فالمستحب لكم أن تنكحوا غيرهن من النساء مثنى وثلاث ورباع، إلَّا أن تخافوا أن لا تعدلوا بين الزوجات العدلَ المعروف، فالمستحبّ لكم أن تنكحوا واحدةً فقط.
فغاية ما في الآية أنه عند الخوف لا يستحب نكاحُ أكثر من واحدة، وعدم الاستحباب لا يستلزم عدم الإباحة. فأما غير الإسلام من الأديان فحسبُك أن إبراهيم خليل الله ﵊ كان له عدة زوجات، كما تعترف به التوراة. والله أعلم.
تعدد الزوجات والفطرة:
١ - المقصود الأصلي من الزواج هو التناسل، والمرأة لا تستطيع أن تَحْبَل إلا مرة واحدة في السنة تقريبًا، والرجل يستطيع أن يُحبِل في ليلة واحدة عدة نساء. وقد نُقل عن عمر بن عبيد الله بن معمر أنه جامع في ليلةٍ سبعَ عشرة مرةً، وحُكي أن إفرنجيًّا وحبشيًّا تباريا، فلم يستطيع الإفرنجي إلّا ثلاث مرات بعد الجهد، وأتمَّ الحبشي ثلاثين مرة.
٢ - مصلحة الطفل تقتضي أن لا ترضعه إلَّا أمُّه، وإذا جومعت أو حملت
18 / 543
قبلَ الرضاع أضرَّ ذلك بالطفل، ولاسيما إذا حملت. وأما الرجل فلا شأن له بذلك، أي أن جِماعه لامرأة في حالِ أن امرأة أخرى تُرضِع ولده لا يضرُّ بالطفل.
روى أبو داود (^١) بسند صحيح عن الربيع بن أبي مسلمة عن مولاته عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله ﵌ يقول: «لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فإن الغَيْلَ يُدرِك الفارسَ فيُدَعْثِره».
وهذا الحديث إذا صحَّ فلابدَّ أن يكون متأخرًا عن قوله ﵌ في الغِيْلة: «لو كان ذلك ضارًّا ضرَّ فارسَ والرومَ»، وقوله: «لقد هممتُ أن أنهى عن الغِيْلة، فنظرتُ في الروم وفارس، فإذا هم يُغِيلون أولادهم، فلا يضرُّ أولادهم ذلك شيئًا» رواهما مسلم (^٢).
والدليل على تأخر حديث النهي أن قوله في الحديث الثالث: «لقد هممتُ أن أنهى» صريح في أنه لم يتقدم منه نهيٌ، والحديث الأول نهيٌ صريح.
ودليل آخر، وهو أن الحديثين الأخيرين كانا عن اجتهادٍ وظنٍّ كما هو واضح، وحديث النهي جزمٌ بالضرر ولو بعد حينٍ، وظاهرٌ أن مثله لا يقوله ﵌ إلا عن وحي.
فإذا التزم الرجل والمرأة ترك الغيلة كان حاصل ذلك أن الرجل يجامع مرةً للغرض الأصلي وهو النسل، ثم يبقى نحو ثلاث سنين معطلًا إذا لم
_________
(^١) رقم (٣٨٨١).
(^٢) رقم (١٤٤٢، ١٤٤٣).
18 / 544
يكن له زوجة أخرى.
٣ - كثيرًا ما تَعرِض للنساء الأمراضُ التي تمنع الحمل أو تُورِث الإسقاط، وقلّما يعرِض للرجل العقمُ. والمرأة بعد الخمسين من عمرها تيأس من الحمل، بخلاف الرجل فإنه تبقى له قوة التوليد إلى آخر عمره. وعلى هذا فإما أن يبقى الرجل مع هذه المدة معطَّلًا عن التوليد بتعطُّلها، وإما أن يطلِّقها عندما يشعر بذلك منها، وإما أن يتزوج غيرها، فأيُّ هذه أولى؟
٤ - ومن مقاصد النكاح التعفُّف، والمرأة تحيض وتمرض وتحبل وتلد وترضع، ويرغب عنها الزوج، فماذا يصلح .... ـلم في هذه الأحوال: أيطلِّقها ليتزوج غيرها، أم يزني، أم يتزوج عليها؟ أيُّ هذه [أولى]؟ أما المرأة إذا عرض لزوجها ما جعله قاصرًا عن إعفافها فلا مَخلَصَ لها إلّا بسؤال الطلاق، إذ لا مخلصَ غيره إلّا الزنا أو ما قد يتخيله بعض السفهاء من إباحة أن تجمع بين زوجين، فتختلط الأنساب، وتذهب الشفقة والرحمة، ويضيع الأطفال، إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة.
تعدد الزوجات والمصالح:
١ - من مقاصد النكاح الارتباط بين العائلتين، وقد يحتاج الرجل إلى الارتباط بعائلتين فأكثر، ولا يتم له ذلك إلّا بأن يتزوج امرأةً من هذه العائلة وامرأةً من الأخرى.
٢ - ومن مقاصد النكاح قيام الرجل بنفقة المرأة، ولا تطيب نفسُ الإنسان غالبًا بأن يقوم بنفقة امرأةٍ لا علاقة له بها.
٣ - ومن مقاصده قيام الرجل بحماية المرأة، وقلما يهتم الرجل بحماية غير زوجته أو ذات رحمه.
18 / 545
٤ - ومنها قيام المرأة بتدبير منزل الرجل، وإذا كان الرجل غنيًّا كثير المال لم تكفِ المرأة الواحدة لتدبير منزله، فيضطر على اتخاذ الخدم، والخدم لا يهتمون بمصالحه كما تهتم زوجته.
مفاسد تعدد الزوجات:
أعظم مفاسده أنه معيبٌ عند الإفرنج، وقد كاد ينعقد الإجماع أن من تظاهر من المسلمين بموافقة الإفرنج في قضيةٍ منحه المتعلمون ذلك الوسام المحبوب وسامَ حرية الفكر، وهو في الحقيقة إما منافق ساقط الهمة ضعيف الإرادة خسيس النفس، وإما رِقُّ الفكر في أسفل درجات الرق. لأنه إذا كان يعلم الحقيقة، ولكنه تظاهر بمخالفتها ليقال حرّ الفكر، ورجَّح هذا الغرض الأدنى على الحق الديني الفطري المصلحي، الذي يحقّ أن يفتخر أسلافه وقومه بموافقته= فهو من الضرب الأول. وإن كان يجهل الحق، واغترَّ بعظمة الإفرنج الصورية، وتوهَّم أن ما عابوه يكون معيبًا في نفس الأمر= فهو من الضرب الثاني.
١ - تضرُّر المرأة بمشاركة غيرها لها في نفس زوجها وماله.
٢ - ما يُخشى من تعادي المرأتين الذي ربما جرَّ إلى تعادي عائلتيهما.
٣ - إذا ولد للرجل أولاد من هذه وأولاد من هذه اختصموا بعد موته، ومزَّقوا تركته، [بخلاف ما إذا كانوا] (^١) كلهم أبناء امرأة واحدة، ربما اتفقوا وأبقَوا التركة محفوظة مشتركة.
_________
(^١) مطموس في الأصل.
18 / 546
٤ - إذا كان للرجل عدة زوجات احتاج إلى نفقة كثيرة، وهذا مخلٌّ بالاقتصاد.
٥ - ربما تتبَّع الغني النساء الحسان فيُحرَم منهن من يهواهن ويهوينه، وإذا مُنع من التعدد لم يتمكن من ذلك إلَّا في امرأة واحدة.
٦ - إذا كان للرجل زوجة واحدة حَرَصَتْ على حفظ ماله، لعلمها أنه آئلٌ إلى أولادها، وإذا كان له زوجتان أو أكثر أخذت كلُّ واحدة تُبذِّر في المال، لعلمها أنه آئلٌ إلى أولاد عدوّتها.
٧ - إذا كان للرجل زوجتان فأكثر احتاج إلى معاشرتهن كلهن، فيضرُّ ذلك بصحته.
٨ - إذا كان للرجل زوجة واحدة تأكَّدت المودَّة بينهما، لعلْمِ كلٍّ منهما أنه لصاحبه وصاحبه له، وأما إذا كان له زوجتان فأكثر فإن المودة تضعف.
هذه هي المفاسد التي أتصورها. وأنت إذا قابلتَ بينها وبين فوائد التعدد وجدتَ هذه لا تخدِش في الثلاثة الأوجه الأولى من الأوجه الفطرية، وربما تعارض الرابع، وقد سبق جواب ذلك. ولكنها تُعارض الأوجه المصلحية، والترجيح يختلف باختلاف الأشخاص، فكم من شخص غني مُغرم بالنساء إذا كان عنده زوجة واحدة لا يستغني بها، فإذا مُنِع من التزوج عليها فإما أن يطلِّقها ويتزوج غيرها، وإما أن يقع في الزنا، فإن طلَّقها وتزوَّج غيرها وقعت مفاسد أشدُّ من المفسدة الأولى والثانية والرابعة، وحصلت المفاسد الثالثة والخامسة.
18 / 547
فأما السادسة والثامنة فإنهما حاصلتان قبل الطلاق، لأن المرأة تكون دائمًا على خطر أن يطلِّقها وينكح غيرها. وقد لاحظت بعض القوانين هذا المعنى وحده فحظرت الطلاق، فترتَّب على ذلك مفاسد أعظم، منها: وقوع الرجل في الزنا واستحكام العداوة بينه وبين المرأة، لأنها (غلّ قمل)، فيظلمها ويضطهدها إلى أن يحتاج إلى الوقوع في الزنا أيضًا. ولذلك أصبحت النساء يطالبن بشرْع الطلاق، بل ربما سعت المرأة في قتل زوجها أو سعى في قتلها، ليتمكن كلٌّ منهما من الزواج، وكلٌّ منهما قبل الموت على خطر أن يموت فيذهب الآخر فيتزوج، ولعل بُغْضها يمنع الرجل أن يتزوج بعد موت زوجته. فنشأت عن ذلك مفاسد شديدة. ولتخفيف تلك المفاسد شرع وثنيُّوا الهند أن الزوج إذا مات فعند ما تُحرق جثته يُؤتى بامرأته، فتُحرق معه حتى تموت.
وأما إن عدل الزوج عن الطلاق ووقع في الزنا فإنها تحصل مفاسد أشد من المفاسد الثمان:
أما الأولى فإن المرأة تشعر بأن عددًا غير محصور من البغايا يشاركنها في نفس زوجها وماله بغير حق شرعي.
وأما الثانية فإن الرجل يصير عدوًّا لزوجته، فيجرُّ ذلك إلى تعادي عائلتيهما.
وأما الثالثة فإن الرجل يمزِّق تركته قبل موته في الفجور.
وأما الرابعة فإن ما يحتاجه الرجل لاسترضاء البغايا أكثر مما يحتاجه لنفقة زوجة شرعية.
18 / 548
وأما الخامسة فإن الغني الزاني يتتبع [النساء الجميلات] (^١) فيُفسِدهن وإن كن مزوَّجات.
وأما السادسة فإن المرأة تعلم أن زوجها يبذِّر ماله في [الفجور] (^٢)، فتشرع هي تبذِّر أيضًا، لأنها ترى الحفظ متعذرًا.
وأما السابعة فالضرر الذي يلحق صحةَ الرجل إذا اعتاد الفجور أشد مما يلحقه في تعدد الزوجات.
وأما الثامنة فأنَّى تبقى مودةٌ من المرأة لزوجها الذي يدعها ويذهب إلى الفجور.
ووراء ذلك مفاسد أخبث وأخبث من فساد الأخلاق وخراب الدين وغير ذلك.
_________
(^١) مطموس في الأصل.
(^٢) الكلمة مطموسة.
18 / 549