Религии и доктрины - Университет Медины
الأديان والمذاهب - جامعة المدينة
Издатель
جامعة المدينة العالمية
Жанры
-[الأديان والمذاهب]-
كود المادة: GUSU٥٠٥٣
المرحلة: ماجستير
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Неизвестная страница
الدرس: ١ علم الأديان نشأته وأهميته وتعريفه
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
(علم الأد يان نشأته وأهميته وتعريفه)
مقدمة عن تاريخ علم الأديان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فنحن مع مادة الأديان والمذاهب، والتي تدور في فلك أهمية دراسة علم الأديان، ومعنى الدين، ونظرات حول الرسالات السماوية، والأديان الوضعية هكذا على الجملة، ودرسنا الأول يدور حول عنصرين أساسيين أهمية دراسة الأديان وعرض سريع لتاريخ الأديان فنقول وبالله التوفيق:
أهمية دراسة الأديان:
تتأتَّى أهمية دراسة الأديان كمنهج إسلامي في الدعوة إلى الله تعالى؛ إذ يرتكز هذا المنهج في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام على الجدال بالتي هي أحسن كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (العنكبوت: ٤٦) ولا يستطيع الداعية الناجح أن يدعو غير المسلمين بالتي هي أحسن إلا إذا درس ما عندهم من ديانات، ووقف على الملل والنحل التي يدين بها غير المسلمين حتى يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فإذا علم ذلك استطاع أن يدفع الباطل، ويردَّه عن دعوته، وأن يناصر الحق والصواب على المنهج القويم الذي رسمه الله تعالى للدُّعاة إليه في قوله ﷾: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: ١٠٨).
1 / 9
وتتأتَّى أيضًا أهمية هذه الدراسة على أنها واجب علمي تقتضيه الضرورة الملقاة على عاتق الدعاة إلى الله؛ إذ بهذه الدراسة يستطيع الداعية أن يُزيح الستار عن الرسالات التي تنزلت من قِبَل الحق ﵎، خاصة التي أسدل عليها الباطل ستاره حتى ذهب بها، وجاء الناس لأنفسهم بعقائد وتشريعات جديدة تبتعد كل البعد عن دين الله وشرعه.
لذا فيجب على طالب العلم أن يكون على علم بتاريخ الأديان والمذاهب المنتشرة حوله، حتى يستطيع أن يُقارع غيره ممن يخالفونه في الدين الحجة بالحق، والبينة بالبينة، والدليل بالدليل، ويستطيع أن يؤمِّن الأجيال الحاضرة والمقبلة من خطر المنصرين، وأن يأمن على دينه مما يحيط به من أخطار وأهوال.
إذن ترتكز هذه الأهمية في أن المسلم يحافظ على دينه، ويكون على بصيرة وبينة من الأمر بمعرفة الحق من الباطل، ويحصن نفسه من خطر المنصرين.
وأما بالنسبة للداعية خاصة حتى يستطيع أن يدعو إلى الله ﷿ على بصيرة وعلم، وأن يجادل غير المسلمين بالتي هي أحسن.
عرض سريع لتاريخ علم الأديان:
حيث يدور في فلك بدايته مع العصر الفرعوني، وإلى نهاياته حيث النهضة الأوروبية، فنقول وبالله التوفيق: كلمة تاريخ الأديان كلمة معربة عن لغة الفرنجة، والتسمية بهذا الاسم مستحدثة لم تعرفها أوربا إلا عند فجر القرن التاسع عشر، على أن الحديث عن العقائد البشرية هو في جوهره شأن قديم، ومعاصر لاختلاف الناس في مللهم ونحلهم، تتسع مادته حينًا، وتضيق حينًا بمقدار تعارف أهل الأديان فيما بينهم، ووقوف
1 / 10
بعضهم على مذاهب بعض، كما يختلف طابعهم ووجهتهم مسايرة لتشعب نزعات الباحثين وأهدافهم.
ولو أننا تتبعنا سلسلة الحديث عن الأديان من عهد الفراعنة، واليونان، والرومان، والمسيحية، والإسلام؛ فالنهضة الحديثة لاستطعنا أن نتبين اختلاف صوره فيما بين العصر والعصر، بل ربما بين الفترة والفترة، فمثلًا العصر الفرعوني لم يصل إلى أيدينا سجل جامع دوَّن فيه قدماء المصريين دياناتهم وأديان غيرهم، ولكن البحوث الأخيرة أثبتت إثباتًا لا يخالطه وهم أن المصريين منذ ألوف السنين قبل ميلاد المسيح ﵇ بدءوا يسجلون عقائدهم وعوائدهم ووقائعهم، وألوان حياتهم: أقوالًا متفرقة مسطورة في قراطيس البردي، أو منقوشة على جدران المقابر والمعابد، وأنهم تركوا إلى جانب ذلك مجموعات عظيمة من التماثيل المنحوتة، والأجساد المحنطة لملوكهم ورؤسائهم، ومقدساتهم من الطير، والحيوان، والأناسي وغيرها، وكذا صنعوا في شأن الأقاليم التي فتحوها كبلاد النوبة، وسوريا، والعراق وغيرها.
وعلى قدر سعة فتوحهم اتسعت صدورهم لمختلف العقائد، فتركوا لكل إقليم حريته في تقديس ما يشاء، واتخاذ ما يشاء من الرموز الموضعية.
أما العصر الإغريقي:
فلم يبقَ الآن مجال للشك في أن القدامى من علماء اليونان وفلاسفتهم تخرجوا في مدرسة الحضارات الشرقية، والحضارة المصرية بوجه أخص، وليس معنى هذا أن الإغريق كانوا بمثابة أوعية مصمتة نقلت علوم الشرق ومعارفه نقلًا حرفيًّا، فذلك
1 / 11
ما لا يستسيغه عقل، ولم يقم عليه دليل من صحيح النقل، ولكن المعنى أنهم لم ينشئوا هذه العلوم إنشاء على غير مثال سابق، كما ظنه بعضهم، بل وجدوا مادتها في الشرق فاقتبسوا منها وأفادوا كثيرًا.
وإن قدماء اليونان أنفسهم يذهبون إلى الاعتراف بهذه التلمذة إلى القول بأن عظماءهم أمثال فيثاغورس وأفلاطون مدينون بأرقى نظرياتهم إلى المدرسة المصرية، والناقدون المحدثون -وإن استبعدوا حصول نقل حرفي لهذه النظريات- لم يسعهم إلا التسليم بتبعية هؤلاء الفلاسفة في الدين والأخلاق للنظريات المصرية.
وفي حديثهم عن آثارهم ومعاركهم، وأخبارهم كانوا يتحدثون عن أسماء آلهتهم وآلهة خصومهم، ووصف القربات، والضحايا، والتوسلات التي يتوجه بها كل مظلوم أو مكروب إلى إلهه، وذكر ما يجري في زعمهم بين آلهة السماء؛ حيث تتشاور فيما بينها وحين تتنازع، وتنقسم آراؤها في الانتصار لهذا الفريق أو ذاك إلى غير ذلك.
ثم تطورت هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر حيوية في تسجيل المعالم الدينية، ولكنها كانت تتسم رواياتهم بالطابع الأسطوري والتمثيلي الذي يستمدُّه الكاتب من خياله، وأسلوب تفكيره في تعليل الحوادث والنوازل، ثم يلي هذا دور الرحلات للمؤرخين الوصافين، وهذا الدور وإن كان كسابقه لم يفرد فيها للأديان تأليف مستقل؛ حيث كان الحديث عنها يمزج بالأوصاف الإقليمية وغيرها، إلا أن الاعتماد فيه كان على المشاهدات لا على التخيلات، كما أن نطاق البحث فيه كان أوسع، فقد شمل ديانات آسيا الصغرى، ومصر، وبابل، وفارس، وما يتاخمها، وامتاز أيضًا بطابع المقارنة بين معبودات
1 / 12
الإغريق، ومعبودات غيرهم مقارنة تميل إلى تفضيل وجهة نظر المصريين، وإلى نقد الأخطاء التي كان يقع فيها عامتهم بسبب الاشتراك اللفظي حين يكون الاسم الواحد علمًا على إله أزلي، وعلى بطل من أبطال الشر.
ولقد كانت فتوح الإسكندر المقدوني سببًا في انفساح مجال المعرفة لأديان أخرى، حيث وصلت جيوش الإسكندر إلى الهند، وإلى جانب هذه الدراسات الوصفية لمختلف الأديان المعروفة؛ إذ ذاك، قامت دراسات نقدية فلسفية تهدف إلى تمحيص حقيقة الدين بوجه عام في ثنايا البحث عن حقائق الأشياء.
العصر الروماني:
في القرن الثاني قبل الميلاد أخضع الرومان الدولة اليونانية سياسيًّا، فأصبحت ولاية تابعة لهم بعد أن كانوا هم تبعًا لها، والعجب أنه لم يستفد الرومان من الحضارة اليونانية شيئًا يُذكر في محيط الأوساط العلمية والأدبية، لكن كان الفتح الروماني لبلاد الإغريق سببًا في اجتلاب بعض آرائهم الشائعة في العصر، كان هذا الفتح للبلاد الأسيوية والأفريقية سببًا في نقل بعض مذاهبهما الدينية إلى روما، فاشتهرت فيها بعض أسماء المعبودات مثل مترا، وبعل، وإيزيس وغيرهم.
وكان وصف هذه الديانات الواغلة مضافة إلى الأديان المحلية مجالًا لأقلام الكاتبين الرومان في القرن الأول قبل الميلاد، فكتب سيسرون عن الآراء الفلسفية في طبيعة الألوهية، وكتب فارون عن الشعائر، والعبادات الرومانية، لا بأسلوب النقد والموازنة والترجيح، بل بأسلوب التأويل والتوفيق، أو التلفيق بين الآراء المختلفة.
1 / 13
أسلوب ينم عن التردد والحيرة، وعدم العناية بالبحث الجدي أكثر مما يعبر عن روح التسامح الديني، الذي ينسب إلى ذلك العهد، فالتعبير بالتسامح هنا تعبير غير محرم، واستنباط غير موفق من عادة اعتادها بعضهم إذ ذاك، وهي أنهم كانوا لا يلتزمون شعائر دين معين، بل يشتركون في عبادات متنوعة من ديانات شتَّى باعتبارها كلها رموز الحقيقة الواحدة، فهذا المسلك لا يدل على احترام كل متدين لديانة غيره، وهو معنى التسامح والإرضاء، بل يدل على الانحلال، وعدم الركون إلى دين ما.
العصر المسيحي:
وفي منتصف القرن الأول بعد الميلاد دخلت الدعوة المسيحية إلى أوربا في صورة دين سماوي جديد، يأبى أن ينتظم في سلك مع الأديان الوثنية السابقة، ويحاول أن يظهر عليها ويحل محلها، وكان ما كان من احتكاك وصراع، وتفاعل وامتزاج بينه وبين تلك الديانات المحلية، ثم بينه وبين المذاهب المستحدثة في عهده مثل: الديانة المانوية التي ظهرت في القرن الثالث بعد الميلاد، والفلسفة الأفلاطونية الحديثة في القرن الثالث أيضًا.
وكان ما كان من اضطهادات، ومقاومات عنيفة شنَّها أباطرة الرومان على دُعاته وأتباعه، حتى جاء الإمبراطور قسطنطين أول القرن الرابع فدعا في أول الأمر إلى المهادنة الدينية العامة، ثم أعلن المسيحية دينًا رسميًّا للدولة على الصورة التي وضعها المجمع المنعقد بأمره في نيقية سنة ثلاثمائة وخمس وعشرين ميلادية، وقد كان ألمع اسم في قائمة المدافعين عن المسيحية المعارضين للنحل الجديدة المنافسة لها، هو اسم القديس أوغسطين، وهو أسقف كان قد اعتنق المانوية قبل أن
1 / 14
يعتنق المسيحية، وهو له مؤلفاته أشهرها كتاب (المدينة الإلهية) وهو أهمها، وكتاب (الاعترافات)، وكتاب (اللطف).
واستمر هذا الطابع الجدلي للعقائد هجومًا ودفاعًا، هدمًا وبناءً لا بين المسيحية وغيرها فحسب، بل بين المذاهب المسيحية أنفسها، فلم يكن هم الكاتبين تصوير العقائد المختلفة كما هي، بل كان هدف كل كاتب التماس موطن من مواطن الضعف في عقيدة خصمه لإبطالها، وإبراز ناحية من نواحي القوة في عقيدته لنصرها ونشرها.
العصر الإسلامي:
ثم ظهر الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي، وما هو إلا أن تمكنت دعوته في سنة ستمائة واثنين وعشرين من الميلاد، من استنشاق نسيم الحرية خارج مكة، حتى انتشرت بسرعة البرق شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا، ولم يمض قرن واحد حتى سرت في أقطار أوربا الغربية، أسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا حاملة معها علوم الإسلام وآدابه، وتشريعاته، مضافة إلى علوم اليونان، وفلسفتهم، مضافًا إليها ما اكتشفه العرب والمسلمون في رحلاتهم من علوم الشرق وآدابه، وما أفادوه من تجارب جديدة، ولم يكن بدعًا من الأمر أن يكون الغرب عالة على العرب في علوم الشرق، وإنما البديع والعجب العجاب أن يكون عالة عليهم في علوم أوربا نفسها، وأن يبقى كذلك حقبة مديدة من التاريخ، ولئن كان قد مضى الفتح الروماني دون أن يستفيد من الأدب اليوناني، ومضى العصر المسيحي في شغل بالجدل الديني؛ فإنه لم يفتح الغربيون عيونهم على تلك الكنوز العقلية إلا وهي في أيدي العرب والمسلمين الذين
1 / 15
جاءوهم من وراء البحار في أوائل القرن الثامن، فاتحين فتوح علم وسلم، وعدالة وسماحة، لا فتوح علو وعتو، وإشباع للغرائز الجامحة، واستنزاف للدماء والثروات.
هناك هرع الناس إليهم من كل صوب ينهلون من معارفهم، وكان اليهود أول الناس انتفاعًا بهذه التلمذة، فأخذوا ينقلون هذه العلوم من العربية إلى العبرية، ثم إلى اللاتينية؛ إنما أفاده الغربيون من معارف العرب أنفسهم في الأدب والشعر، والتشريع والطب، والفلك، والتاريخ، والطبيعة والكيمياء، والجبر والتقويم، والترقيم، ومختلف الفنون والصناعات، فهو أوسع من أن نلمَّ ببعضه، ولكن الذي يعنينا هنا إنما هو أثر العرب والمسلمين في علم الأديان الذي نحن بصدده، وإنه لأثر جليل يمتاز بطابعين جديدين لم يسبق إليهم أحد فيما نعلم.
أما أحدهما: فهو أن الحديث عن الأديان بعد أن كان في العصور السابقة إما مغمورًا في لُجَّة الأحاديث عن شئون الحياة، وإما مدفوعًا في تيار البحوث النفسية أو الفلسفية أو الجدلية، أو على الأقل محدودًا بحدود العقائد الموضوعية وما يشارفها، أصبح في كتب العرب دراسة وصفية واقعية، ومنعزلة عن سائر العلوم والفنون، شاملة لكافة الأديان المعروفة في عهدهم، فكان لهم بذلك فضل السبق في تدوينه علمًا مستقلًّا قبل أن تعرفه أوربا الحديثة بعشرة قرون.
وأما الآخر فهو ليس أقل نفاسة من سابقه، فهو أنهم في وصفهم الأديان المختلفة لم يعتمدوا على الأخيلة والظنون، ولا على الأخبار المحتملة للصدق والكذب، ولا على العوائد والخزعبلات الشائعة في الطبقات الجاهلة، والتي قد تنحرف قليلًا أو كثيرًا عن حقيقة أديانها، ولكنهم كانوا يستمدون أوصافهم لكل ديانة من
1 / 16
مصادرها الموثوق بها، ويستقونها من منابعها الأولى، وهكذا بعد أن اختطوه علمًا مستقلًّا، اتخذوا له منهجًا علميًّا سليمًا.
ونحن ذاكرون هنا بعض أسماء المؤلفات العربية المشهورة في هذه المادة على ترتيبها التاريخي:
١ - كتاب (جمل المقالات) لأبي الحسن الأشعري المتوفى سنة ثلاثمائة وثلاثين من الهجرة في القرن العاشر الميلادي.
٢ - كتاب (المقالات في أصول الديانات) للمسعودي المتوفى سنة ثلاثمائة وست وأربعين للهجرة في القرن العاشر أيضًا.
٣ - كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل) لابن حزم الظاهري المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة هجرية في القرن الحادي عشر الميلادي.
٤ - كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني المتوفى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من الهجرة في القرن الحادي عشر.
٥ - كتاب (اعتقادات المسلمين والمشركين) للفخر الرازي المتوفى سنة ستمائة وست من الهجرة في القرن الثاني عشر الميلادي.
٦ - كتاب (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) للبيروني.
وهكذا، هذا بخلاف الكتب الكثيرة التي وضعت في الرد على النصارى واليهود مثالها ما كتبه القرطبي (الإعلام بما في دين النصارى من أوهام)، وما كتبه ابن تيمية في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)، وما كتبه ابن القيم (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى)، وكتاب الشيخ رحمة الله الهندي (إظهار الحق)، ورسالة لأبي عبيد الخزرجي إلى القس حنا مقار العيسوي.
1 / 17
وهكذا، ثم توالت الكتب تترى حتى هذا العصر الحديث في كتب فاقت الحصر والعد، رسائل، وأبحاث ومسلسلات، أو سلاسل علمية كالتي كتبها الدكتور أحمد شلبي، والدكتور رءوف شلبي، والدكتور أحمد غلوش، والدكتور عبد الله سمك، والدكتور عبد الله بركات، والدكتور عمر بن عبد العزيز، مع رسائل علمية متخصصة تناولت دقائق هذا العلم وجوانبه من كل زواياه، أَفَتَرَى من الإنصاف بعد هذا أن يقال عن الإسلام: إنه لم يصنع شيئًا في تاريخ الأديان المقارنة.
ثم نأتي إلى نهضة أوربا الحديثة: بدأت أوربا الغربية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، تستيقظ رويدًا رويدًا، وتتلفت بأنظارها إلى الشرق الذي كان مبعث نورها، فجعلت تبعث إليه البعوث من رجال الدين الفرنسيسكان، والدومينيكان، حتى بلغوا في رحلاتهم بلاد الهند، والصين، واطلعوا على دياناتها، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وهما أول العصر المسمى بعصر البعث، أو النهضة انبعثت همتها للاطلاع بنفسها على علوم اليونان وآدابهم، وفنونهم، القديمة باللغة اليونانية، وكانت باكورة نشاطها في هذا الشأن تنقيبها عن الآثار الأسطورية، وتفسير ما ترمز إليه من عقائد أو حوادث تاريخية، ولم تلبث أن ظهرت حركة الإصلاح المسيحي البروتستانتية في منتصف القرن السادس عشر، فكانت مكملة لجانب من هذه النهضة العلمية في أوربا بما مهدت له من دراسات في اللغة العبرية، واللغات السامية الأخرى؛ بغية التفهم لنصوص التوراة والإنجيل، التي كان رجال الإصلاح يتمسكون بحرفيتها.
1 / 18
ولكنها من جانب آخر أغرقت أوربا في حمأة المنازعات والحروب الدينية التي عوقت حركة اكتشاف الأقاليم، ونشر المسيحية فيها، ولذلك بقي البروتستانت قرنين من الزمان لا يساهمون في هذه البعوث، وكان الكاثوليك من أسبان، وبرتغال، وفرنسيين، وهم القائمين إذ ذاك وحدهم بأعبائها، ثم تتابع الرحالون من الفريقين، وازدادت عنايتهم بالأقطار الجديدة في آسيا، والأيفانوسية، وأمريكا، ومجاهل أفريقيا حتى كان آخر القرن الثامن عشر، وهو الوقت الذي نشطت فيه حركة التأليف في وصف عقائد هؤلاء الأقوام، وعوائدهم، فهناك اشرأبت العقول إلى السؤال عما كانت عليه ديانة الإنسان الأول، وبذلت محاولات لتحديدها في ضوء المقايسة على ديانات هؤلاء البدائيين، كما بذلت محاولات لاستنباط الطريق الذي سارت فيه الديانات منذ نشأة الإنسان إلى اليوم، ومعرفة أسلوب تطورها، أو تولد بعضها عن بعض، ومنذ ذلك اليوم أصبح علم الأديان ذا شعبتين اثنتين: شعبة جديدة مبتكرة، وشعبة قديمة نالها شيء من التجديد.
أما الشعبة القديمة المجددة فهي تلك الدراسات الوصفية التحليلية الخاصة بملة ملة، وهي التي يمكن أن تعرفنا نشأة ديانة ما، وحياة مؤسسها، ومقومات عقائدها وعباداتها، وأسباب انتشارها، وألوان تطورها إلى غير ذلك من المعاني التي ما فتئت مجالًا لحديث الناس منذ اختلفت مذاهبهم، وهذه الشعبة هي المشهورة باسم تاريخ الأديان، ولو أنصفت التسمية لكانت تواريخ الأديان.
والتجديد الذي لحقها في العصور الحديثة يمكن تلخيصه: أنها توسعت في مادتها ووسائلها جميعًا، فهي بعد أن كانت منحصرة فيما بين البحرين الأبيض والأحمر، أعني: ملتقى القارات الثلاث، اتسعت الآن بقعتها حتى انتظمت
1 / 19
القارات الخمس، وهي كذلك، بعد أن كانت محصورة أو تكاد في نطاق الأمم المتمدنة، تناولت الشعوب الهمجية، والأمم البائدة؛ بل تطاولت إلى التنقيب عما وراء التاريخ المعروف.
وأما الشعبة الجديدة المبتكرة فهي ضرب من الدراسات النظرية، والاستنباطات الكلية التي تهدف إلى إشباع نهمة العقل في التطلع إلى أصول الأشياء، ومبادئها العامة حين تتشعب عليه جزيئاتها، وتفصيلاتها.
تعريف الدين
أبدأ الكلام حول معنى الدين لغة واصطلاحًا، فأقول وبالله التوفيق:
معنى الدين في اللغة: له معانٍ كثيرة، توهم الناظر إليها لأول مرة أنها متناقضة، وليس الأمر كذلك، بل عند التحقيق تجدها في غاية الانسجام فيما بينها. فقد وردت الكلمة بمعنى الملك وهو الخدمة، وبمعنى الذل أي: القهر والسلطان، أو التذلل والخضوع، وبمعنى الطاعة والاستسلام، والاعتقاد والتعبد، والمحاسبة والجزاء، والحكم والقضاء، والقهر والتدبير، والحساب والمكافأة، وكذا اسم لكل ما نعتقده، أو لكل ما يُتعبد الله ﷿ به إلى آخر هذه الكلمات التي وردت في معاجم اللغة.
والواقع أننا إذا نظرنا في اشتقاق هذه الكلمة، ووجوه تصريفها نرى من وراء هذا الاختلاف الظاهر تقاربًا شديدًا، بل صلة تامة في جوهر المعنى؛ إذ نجد أن هذه المعاني الكثيرة تعود في نهاية الأمر إلى ثلاثة معانٍ تكاد تكون متلازمة، وبيانه: أن كلمة الدين تؤخذ تارة من فعل متعدٍّ بنفسه دانه يدينه، فتكون بمعنى ملكه
1 / 20
وحكمه وساسه، ودبره وقهره وحاسبه، وقضى في شأنه، وجزاه وكافأه، فيدور معنى الدين هنا على معنى الملك والتصرف، والذي منه الآية الكريمة ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة: ٤).
وكذا اسم الله تعالى الدَّيَّان أي: الحكم والقاضي، ومنه الحديث: «الكيس من دان نفسه» أي: حكمها وضبطها، وتارة تكون من فعل متعدٍّ باللام دان له، فتكون بمعنى أطاعه، وخضع له؛ فالدين هنا هو الخضوع والطاعة، وكذا العبادة والورع، وكلمة الدين لله يصح أن يُفهم منها كلا المعنيين الحكم لله أو الخضوع لله، وواضح أن هذا المعنى الثاني ملازم للأول، ومطاوع له، دانه فدان له، أي: قهره على الطاعة فخضع وأطاع.
وتارة تأتي من فعل متعدٍّ للباء دان به، فيكون معناه: أنه اتخذه دينًا ومذهبًا أي: اعتقده أو اعتاده، أو تخلق به، فالدين على هذا المعنى هو المذهب والطريقة التي يسير عليها المرء نظريًّا أو عمليًّا، فالمذهب العملي لكل امرئ هو عادته وسيرته، كما يقال: هذا ديني، وديدني، والمذهب النظري عنده هو عقيدته ورأيه الذي يعتنقه، ومن ذلك قولهم دينت الرجل أي: وكلته إلى دينه، ولم أعترض عليه فيما يراه سائغًا في اعتقاده.
ولا يخفى أن هذا الاستعمال الثالث تابع أيضًا للاستعمالين قبله؛ لأن العادة أو العقيدة التي يُدان بها لها من السلطان على صاحبها ما يجعله ينقاد لها، ويلتزم اتباعها، وجملة القول في هذه المعاني اللغوية أن كلمة الدين عند العرب تُشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له، فإذا وُصف بها الطرف الأول كانت خضوعًا وانقيادًا، وإذا وصف بها الطرف الثاني كانت أمرًا وسلطانًا،
1 / 21
وحكمًا وإلزامًا، وإذا نظرنا بها إلى الرباط الجامع بين الطرفين؛ كانت هي الدستور المنظم، والحكم الذي يرسم تلك العلاقة، أو المظهر المعبر عنها، فالكلمة تدور على معنى لزوم الانقياد، فالأول: ملزم بالانقياد، والثاني: ملتزم بالانقياد، والثالث: المبدأ الذي يلتزم بالانقياد له.
وكذا ينبغي التفرقة بين الدَّين بالفتح، والدِّين بالكسر، فالأول يتضمن في الأصل إلزامًا ماليًّا، والثاني يقتضي إلزامًا أدبيًّا. وهكذا يظهر لنا جليًّا أن هذه المادة بكل معانيها أصيلة في اللغة العربية، وما ظنه البعض من تناقضها، أو ما ظنه بعض المستشرقين من أنها دخيلة على اللغة العربية، أو معربة عن العبرية أو الفارسية فهو بعيد كل البعد، ولعلها نزعة شعوبية أُريد بها تجريد العرب من كل فضيلة حتى فضيلة البيان، التي هي أعز مفاخرهم، وبذا اتضح المقصود حول الكلمة اللغوية.
معنى الدين اصطلاحًا:
بعد بيان المعنى اللغوي لكلمة الدين نشرع في بيان معنى الدين من ناحية الاصطلاح، أو المعنى الشرعي، ولا شك أنه سيختلف معنى الدين في معناه الاصطلاحي، عند الذين يريدون وضع تعريف له، وذلك لأنه بادئ ذي بدء ستختلف وجهاتهم من حيث النظر إلى الدين، وقد تباين الناس فيه ما بين محق ومبطل، أو متبع لدين الحق وآخر باطل، ودين سماوي وآخر أرضي.
1 / 22
ولذلك جاءت تعريفات الدين متباينة سيما بين المسلمين الغربيين، فالمسلمون يعرفون الدين بأنه وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل، ولخصه بعضهم بقوله: "الدين وضع إلهي يشير إلى الحق في الاعتقادات، وإلى الخير في السلوك والمعاملات"، وهذا التعريف لا شك أنه ينطبق على الدين الحق، ولا يمكن تعديه إلى جنس الدين، وقد عُلم أن منه حسب الواقع والاستقراء الحق والباطل، وما انتشر من باطله أكثر بكثير مما عليه أهل الحق منهم قال تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (الكافرون: ٦)، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: ١١٦)، وكذا ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ (يوسف: ١٠٦)، وكذلك ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (يوسف: ١٠٣) إلى آخر الآيات التي في هذا المعنى.
وأما الغربيون فلهم في تعريف الدين تعبيرات شتَّى نذكر نماذج منها يقول سيسرون: "الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان بالله"، ويقول كانت: "الدين هو الشعور بواجباتنا من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية"، ويقول شليلماخر: "قوام حقيقة الدين شعورنا بالحاجة والتبعية المطلقة"، ويقول الأب شاتل: "الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق، وواجبات الإنسان نحو الله، ونحو الجماعة، ونحو نفسه"، ويقول روبرت سبنسر: "هو الإيمان بقوة لا يمكن تصور نهايتها الزمانية والمكانية، هذا العنصر الرئيسي في الدين"، يقول تايلور: "الدين هو الإيمان
1 / 23
بكائنات روحية"، يقول ماكسملر: "الدين هو محاولة تصور ما لا يمكن تصوره، والتعبير عما لا يمكن التعبير عنه، فهو التطلع إلى اللانهائي، وهو حب الله"، ويقول إميل برنوف: "الدين هو العبادة، والعبادة هي عمل مزدوج، فهي عمل عقلي به يعترف الإنسان بقوة سامية، وعمل قلبي، أو انعطاف محبة، يتوجه به إلى رحمة تلك القوة"، ويقول ريفيل: "الدين هو توجيه الإنسان سلوكه وفقًا لشعوره بصلة بين روحه، وروح خفية، يعترف لها بالسلطان عليه، وعلى سائر العالم، ويطيب له أن يشعر باتصاله بها".
ويقول جويوه: "الديانة هي تصور المجموعة العالمية بصورة الجماعة الإنسانية، والشعور الديني هو الشعور بتبعيتنا لمشيئات أخرى، يركزها الإنسان البدائي في الكون"، ويقول ميشيل مايير: "الدين هو جملة العقائد والوصايا التي يجب أن توجهنا في سلوكنا مع الله ومع الناس، وفي حق أنفسنا"، ويقول سلفان بريسيه: "الدين هو الجانب المثالي في الحياة الإنسانية" ويقول سلمون ريناك: "الدين هو مجموعة التورعات التي تقف حاجزًا أمام الحرية المطلقة لتصرفاتنا"، ويقول إميل دور كايم: "الدين مجموعة متساندة من الاعتقادات والأعمال المتعلقة بالأشياء المقدسة أي: المعزولة المحرمة، اعتقادات أعمال تضم أتباعها في وحدة معنوية تسمى الملة".
وبعدُ: فمن هذا العرض لتعريف الدين عند العلماء الغربيين يتبين أنهم ما أرادوا حقيقة الدين، ولكن فكرة الدين أو الاعتقاد بإطلاق، أو فكرة الخضوع والاتباع من حيث هي بغضِّ النظر عن مصدرها ومنهجها، ومدى صحتها، ومما لا شك فيه أن كثيرًا من الديانات الخرافية التي هي وليدة الخيالات والأوهام كانت تنطبق عليها هذه التعاريف، ولا تخرج عن مقتضاها.
1 / 24
فكل ديانة تقوم على عبادة التماثيل، أو عبادة الحيوان، أو النبات، أو الكواكب، أو الجن، أو الملائكة، أو الأنبياء إلى آخره، فإنها تكون دينًا بمعناه اللغوي، وإن لم يمت إلى الدين الحق بصلة، ولم لا والقرآن قد سماها كذلك حيث يقول: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: ٨٥)، ويقول: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (الكافرون: ٦).
والشيء الذي لا شك فيه أن هذه التعريفات عند الغربيين متباينة، كما أنها ليست جامعة مانعة، ذلك أن منهم من جعل الدين فكرة فلسفية في أرقى صورها؛ مخالفًا بذلك بقية صوره التي عرفها عوام المتدينين، كما أنها لا تنطبق على عقيدة المشبهين ولا المجسمين، كما لم تخلُ من طرفي النقيض ما بين مضيق وموسع، ومن نظر إلى الروحانية فقط دون المادية، ومن عكس لنا القضية، ومن ذهب إلى النظرية الاعتقادية وقد أغفل الواقع، ومن عاش في الواقع وتمرغ في أوحاله دون أن يرتقي إلى النظرية أو المثالية في شيء، كما أنه لا يجوز لبعض هذه التعريفات أن تحذف مبدأ الألوهية من تعريف الدين.
ذلك، لأن قضية الألوهية هي قوام حقيقة الدين، ولا يكون الإنسان متدينًا إلا مع شعوره بالحاجة والتبعية المطلقة لقوة قاهرة أيًّا كانت، وأيًّا كان لون الخضوع لها، فهذا يسمى دينًا بغض النظر عن حقيقته وبطلانه، ولذلك كان يجب على من يتعرض لتعريف الدين أن ينظر إلى العناصر الرئيسة في العقيدة الدينية، والتي ملخصها في هذا التعريف الجامع لمعنى الدين بإطلاق، الدين: هو الاعتقاد بوجود ذات أو ذوات غيبية علوية، لها إرادة واختيار، ولها تصرف وتدبير للشئون التي تعني الإنسان؛ اعتقادًا من شأنه أن يبعث على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة، وفي خضوع وتمجيد.
1 / 25
وبعبارة موجزة: هو الإيمان بالذات الإلهية، جديرة بالطاعة والعبادة، فهذا الدين من حيث هو حالة نفسية بمعنى التدين، أما إذا نظرنا إليه من حيث هو حقيقة خارجة فنقول: هو جملة النواميس النظرية التي تُحدد صفات تلك القوة الإلهية، وجملة القواعد العملية التي ترسم طريق عبادتها.
وبعد تعريف الدين لغةً واصطلاحًا عند علماء المسلمين، وعند علماء الغربيين، نذكر عناصر الدين، عناصر الدين أربعة، من أجل أن يكون الدين حقًا أو إلهيًّا لا بد وأن يشتمل على أربعة عناصر:
الأول: المصدر، وهو الله -جل شأنه- يقول الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا﴾ (الكهف: ١).
الثاني: الوحي الذي يكون وساطة بين الله وعباده كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ (النساء: ١٦٣)، كما قال تعالى مخاطبًا نبيه ﵊: ﴿حم عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (الشورى: ١: ٣).
الثالث: الموحى به، وهو المنهج، أو الدين يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ (يونس: ١٠٩)، ويقول أيضًا: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ (الشورى: ٧).
الرابع: الموحى إليه، وهم الأنبياء والرسل على النبيين -وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام- يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًّا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ
1 / 26
نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ (الشورى:٥١: ٥٣).
فكل دين ليس له، أو فيه مصدر الألوهية، فليس من الجيد أن يُسمى دينًا صحيحًا، فإذا أخذ الدين عن طريق الفكر الفلسفي المحض، أو له مزيج من الدين الذي لا يمكن أن يجد له نصًّا معصومًا، وإذا فقد الدين الوحي أو النبوة مثل نحلة المسيحية، فليست دينًا صحيحًا؛ لأن قولهم إن عيسى ابن الله ينفي عنه النبوة، وبانتفاء النبوة ينتفي عنصر من عناصر الدين الصحيح، فلا تبقى المسيحية متصفة بأنها دين من عند الله تعالى، وهكذا، فكل دين لا يشتمل على العناصر الأربعة المذكورة فقد انخرم فيه خرم، ينفي عنه صفة الدين الحق الذي هو من عند الله تعالى.
هذا، وإن كان القرآن قد استعمل لفظ الدين بمعناه الشامل الذي تندرج فيه نحل ومعتقدات المشركين، كما في قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (الكافرون: ٦) فإن القرآن قرر في أمر الدين أصولًا جعلت للدين معنى شرعًا خاصًّا، فالدين لا يكون إلا وحيًّا من الله إلى أنبيائه الذين يختارهم من عباده، ويرسلهم أئمة يهدون بأمر الله، فالدين الإلهي نظام كامل شامل يشمل الفرد والأسرة، والمجتمع، والدولة، وليس فقط طقوسًا دينية، ولا كهنوتية وجدانية، بل هو نظم كاملة للروح والجسد، والدنيا والآخرة معًا، ومن فسر الدين بغير هذا فهو ليس دين الإسلام، ولكنه دينه هو، وبذلك تفترق صفات الدين الحق الذي هو دين الله عن صفات دين الشرك والأصنام والأهواء، ونحن قد رضينا بالله تعالى ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًّا ورسولًا.
1 / 27