Опора призыва шейха Мухаммада ибн Абдуль Ваххаба на Коран и Сунну - Салех Аль-Атром
اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة - صالح الأطرم
Издатель
عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،الرياض
Номер издания
الثانية
Год публикации
١٤١١هـ/١٩٩١م
Место издания
المملكة العربية السعودية
Жанры
اعتماد فقه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة
صالح بن عبد الرحمن الأطرم
مقدمة البحث
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.. وبعد:
أيها الإخوة الحضور - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
معلوم ما اجتمعنا من أجله.. وهو البحث في جوانب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من اعتمادها على الكتاب والسنة، وصلتها بالسلف الصالح وتأثيرها في الفرد والمجتمع، ومهما طال بحثنا فما نرانا نقول إلا معارًا ومعادًا من لفظنا مكرورا؛ لأن دعوة الشيخ ﵀ على حد قول القائل: الجواب ما ترى لا ما تسمع.. فتأثيرها في محيطها وخارجه أكثر مما نقوله، وإنما ما كتبته في اعتماد فقه دعوة الشيخ على الكتاب والسنة ما هو إلا إسهام مني في هذه المناسبة التي أقامتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من جمع مؤلفاته وطبعها ونشرها وتوزيعها.. نفعنا الله بها.
أيها الإخوة الحضور - إن أهداف دعوة الشيخ سامية، نابعة من أهداف النبوة، وحاجة الإنسان إليها ماسة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لقيامها بالغرض الذي خلق من أجله الإنسان، وهو عبادة الله وحده.
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ ١.
وهذه دعوة الرسل من أولهم نوح ﵇ إلى خاتمهم محمد - عليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام. ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٢.
_________
١ سورة الذاريات آية: ٥٦.
٢ سورة الأعراف آية: ٥٩، والمؤمنون: ٢٣.
1 / 245
﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ١، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٢، ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ٣.
وعلى خاتم الأنبياء ينزل تكليف الله له.
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ ٤.
وهذه الآية نزلت تأمره بالعمل بعد الآية الأولى التي نزلت تعلمه، وهو قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ٥ فوضحت الآيتان أن العلم قبل القول والعمل، وأن العلم متبوع بالعمل.
فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فقه في الدين عقيدة وفروعًا؛ لذا نجدها جماعية وليست جمعية، وعمومية وليست حزبية، أمر بمعروف ونهي عن منكر قولا وعملا وجهادا، وليست إصلاحية فردية، وليست سرية بل علنية، يبين الحلال والحرام من المعاملات، والصحيح والفاسد من العبادات، ينكر ما يخل بالعقيدة والأخلاق والمعاملات، يعرض قوله في الأصول والفروع مقرونا بالدليل، يلتمس من يشد عضده لنشر هذه الدعوة وتنفيذها وقمع من يقف ضدها - حتى قيض الله له من نور الله بصيرته.. أمير الدرعية / محمد بن سعود ... فتعاهدا وشرعا في التنفيذ عام ١١٥٧هـ.. هذا يحمل مشعل النور، وهذا يحمل السيف والسنان لمن وقف وعاند في سبيل نشر هذا الفقه.
أيها الإخوة الحضور - إن هذا العمل من الشيخ ﵀ كان قدوته في ذلك محمدًا ﷺ حيث يقف على صناديد كفار قريش ويقول لهم: "قولوا لا إله إلا
_________
١ سورة الأعراف آية: ٦٥، وسورة هود آية: ٥٠.
٢ سورة الأعراف آية: ٧٣، وسورة هود آية ٦١.
٣ سورة العنكبوت آية: ٣٦.
٤ سورة المدثر آية: ١-٢-٣-٤-٥ -٦-٧.
٥ سورة العلق آية: ١-٢-٣-٤-٥.
1 / 246
الله فإن أطعتموني فهذا ما أمرت به، وإلا فبيني وبينكم الله" أو كما قال ﷺ. وقوله لهم هذه المقالة جوابًا لهم لما ساوموه على ترك دعوته.
كما كان رسول الله ﷺ قدوة الشيخ في التماس من ينصره حيث قال:"اللهم انصر الإسلام بأحد العمرين" وهو يعني عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام (أبو جهل) .. فاستجاب الله دعوته بإسلام عمر بن الخطاب، فكان منه النصر والعزة قولا وفعلا، وأصبح غصة في حلوق أعداء الله وأعداء الرسول ﵊.
فمن هذا المنطلق تثبت دعوة الداعي وينتشر فقهه، ويجد له مكانه في القلوب حيث هدفه وغايته هداية الناس إلى معرفة خالقهم ورازقهم وحقه عليهم. ومعلوم أن مثل هذه الدعوة لا بد وأن تجد في طريقها الكثير من العقبات ابتلاء وامتحانًا لأصحابها ودعاتها.. أيصبرون ويمضون، أم يجزعون فيقفون. ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ١.
أيها الأخوة ... بعد هذه المقدمة السريعة أستعرض معكم نقاط بحثي في اعتماد فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة، ثم قراءة مقاطع منه كالمقدمة ... ومقدمة بعض الأبواب.... وإن سنحت الفرصة لأستعرض معكم الكثير، فهذه رغبتي على أن أحظى بملاحظة أستنير بها من حضراتكم.
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا، وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. وصلى الله وسلم على من أنزل عليه هذا الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى
_________
١ سورة العنكبوت آية: ١-٢-٣.
1 / 247
النور على يده، وعلى آله وأصحابه والمهتدين بهديه المستضيئين بنور كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وعلى كل من حذا حذوهم إلى أن تقوم الساعة.
وبعد ... فإن الله منذ خلق البشرية وحكمته قاضية بالصراع بين الحق والباطل ...، فالباطل له إبليس وجنوده من الجن والإنس، حيث أمر بالسجود لآدم فأبى استكبارًا وعنادا، فحكم عليه بالطرد والإبعاد من رحمة الله ...
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ ١ وطلب إبليس الإنظار من ربه إلى يوم القيامة فأعطي مطلبه، وهو يريد بذلك تحقيق مأربه بأن يضل بني آدم ويجعلهم من أتباعه حيث عرف أن النار مثواه في الدار الآخرة.
والنصوص الواردة في القرآن الكريم والحديث الشريف في هذا المعنى كثيرة ومتعددة، ولكن من لطف الله ورحمته بعباده أن هذا العدو المصارع للحق لم يستطع الحكم الكامل بعدم الشكر على بني آدم، بل على أكثرهم.
قال تعالى حكاية عن إبليس:
﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ ٢
ولم يذكر الجهة الفوقية؛ لأن الذي يأتي من الفوق هو النور، والقابلون له هم الشاكرون الذين لا سبيل للشيطان عليهم، وذكره سائر الجهات دليل على أن الشر سفلي.
_________
١ سورة البقرة آية: ٣٤.
٢ سورة الأعراف آية: ١٦-١٧.
1 / 248
وإذا نزل النور من الفوق بدد ظلام الشر وفرقه، وأزهق الباطل، فلم يكن للشيطان على ذلكم الشاكر الذي تلقى النور من ربه عن طريق نبيه سلطان.
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ ١ ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ ٢.
ومن هنا يتضح وجود الحق وثبوته ومصارعة الباطل له، ولكن متى ثبت أهل الحق وعرفوه حق المعرفة دفع الباطل مهما كثر أعوانه وأنصاره.
﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ ٣.
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ ٤.
فالحق ثابت ما دامت البشرية على وجه المعمورة، وإن.. ضعف حينا قوي أحيانًا، وإن خفي في مكان ظهر في مكان آخر - تلك هي:
﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ ٥.
ومتى فقد الحق وأهله قامت الساعة وانتهت الدنيا؛ لإخبار الصادق المصدوق:
_________
١ سورة الحجر آية: ٤٢.
٢ سورة النحل آية: ٩٩-١٠٠.
٣ سورة الإسراء آية: ٨١.
٤ سورة المائدة آية: ٥٦.
٥ سورة غافر آية: ٨٥.
1 / 249
"بأنها لا تقوم وعلى وجه الأرض مؤمن، بل على شرار الناس" ١ ولحديث: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله"، وفي رواية "حتى تقوم الساعة" ٢.
ثم إن الله جل وعلا أثبت هذا الحق بتتابع رسله ووحيه عليهم: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ٣.
ثم ختم هؤلاء الرسل بأشرفهم وإمامهم وسيد البشرية أجمع محمد ﷺ فشملت رسالته الثقلين من عرب وعجم، وعمت أرجاء المعمورة،
ولم يعد في الدنيا كلها مكان إلا ووصلته هذه الدعوة الربانية المحمدية، وخاصة في زمننا الحديث بعد أن عمت أجهزة الإعلام جميع المناطق في العالم، وأنزل على هذا النبي الكريم كتابًا صار إعجاز الفصحاء العرب والعجم، والجن والإنس على أن يأتوا بمثله أو سورة منه، بل ولا آية، وجعله منهجًا خالدًا للناس أجمعين.
والأدلة على إعجاز القرآن وتخليده وشموله لقضايا الحياة في شتى مجالاتها، وأنواع العقائد والعبادات الصحيح منها والفاسد، واضحة جدا وكثيرة لا تحصى.
ثم إن الله جعل رسالة كل نبي إلى قومه خاصة لعلم الله ببعثه خاتم الرسالات، وإنزاله الكتاب المهيمن على جميع الكتب والرسالات السابقة. ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ ٤.
_________
١ أخرجه مسلم راجع جامع الأصول جـ١٠ ص٤٠١.
٢ أخرجه مسلم بهذا اللفظ ٣/١٥٢٣ في كتاب الإمارة، وأخرجه البخاري بمعناه ١/١٦٤.
٣ سورة المؤمنون آية: ٤٤.
٤ سورة المائدة آية: ٤٨.
1 / 250
ولعلم الله بنهاية الرسل وآخرهم محمد ﵊، أيقظ الله من أمته من حفظ القرآن منه، وتلقى سنته، وعلى رأس هؤلاء صحابته العدول ﵃ وأرضاهم-. وهكذا كل من أراد الله هدايته شرح الله صدره للإسلام، فتعلم علومه وعلمها وفهمها؛ لذا جاء في الحديث: "أن العلماء ورثة الأنبياء" ١ والحديث الآخر "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" ٢.
والحديث الآخر "رب مبلغ أوعى من سامع" ٣ ومصداق هده الأحاديث ما دلت على معاني هذه الآيات.
"أولا"
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٤.
فدلت هذه الآية على فضل العلماء من أمة محمد وأنهم الوارثون لسنته، والمتفقهون في دينه؛ إذ جعلهم الله في صف ملائكته وجعلهم أهلا لشهادة ما شهدت به، ولولا ما في صدورهم من العلم بالله وخشيته لما نزلوا هذه المنزلة. ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ ٥.
ولما أوتوه من النور الذي ورثوه عن نبيهم محمد وعدهم الله برفع الدرجات. ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ ٦.
_________
١ مختصر سنن أبي داود جـ٥ ص٢٤٣. وفي السنن ٣/٣١٧ كتاب العلم، والترمذي جـ٥ ص٤٨-٤٩ في كتاب العلم.
٢ فتح الباري جـ١ ص١٤١. ومسلم ٣/١٥٢٤ في كتاب الإمارة.
٣ أخرجه البخاري جـ٣/٥٧٤ كتاب الحج.
٤ سورة آل عمران آية: ١٨.
٥ سورة فاطر آية: ٢٨.
٦ سورة المجادلة آية: ١١.
1 / 251
وفي الأنفال يذكر الله صفات المؤمنين بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ ١.
وفي سورة الزمر ينوه الله جل شأنه عن فضل المتعلمين على الجاهلين ويبين صفة المتذكرين. ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ ٢.
وفي سورة الأنعام يبين الله تعالى أن العلم بالقرآن والسنة هو النور وهو الحياة الحقيقية والأبدية، وأن الجهل بهما هو الموت والظلمة.
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٣.
ويصور الشاعر الجهل ومعناه وأنه الموت العاجل:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... وأجسامهم قبل القبور قبور
وهذا الموضوع واسع وأدلته أكثر من أن تحصر، وإنما المقصود الإشارة بأن شرع محمد ﷺ خالد لوجود ورثته وبيان مكانتهم ومنزلتهم عند الله، وأنهم إذا قاموا على طريقة نبيهم أثروا في الناس وغيروا المجتمعات من السيئ إلى الحسن، وأظهروا الحق وأزهقوا الباطل.
_________
١ سورة الأنفال آية: ٢-٣-٤.
٢ سورة الزمر آية: ٩.
٣ سورة الأنعام آية: ١٢٢.
1 / 252
ومن ورثة محمد ﷺ في القرن الثاني عشر الهجري محمد بن عبد الوهاب.. الذي دعا إلى شرع الله عقيدةً وقولًا وعملًا، وجهادًا لمن وقف ضد هذه الدعوة قامعًا لبدعته، مبطلًا لخرافته بالحجة والبرهان، وهيئ له العضد والساعد ليحمل السيف والسنان محمد بن سعود أمير الدرعية الذي شد أزر محمد بن عبد الوهاب على الحق والبر والتقوى، فهذا ينشر النور والضياء، وهذا يزيل الحجب والغطاء والعراقيل التي توضع دون هذه الخطى بدليل من القرآن وحديث من سنة المصطفى، ومن أجاب داعي الله وهذا النداء فله الجنات نزلًا ومأوى والسعادة في هذه الدنيا والنصر والتأييد من رب الورى.
وحان الشروع فيما قصدناه من اعتماد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الأدلة والهدى من كتاب ربنا وسنة سيدنا ونبينا محمد ﷺ وأقوال صحابته أئمة الهدى، وما فهمه أولي النهي ممن فتح الله عليهم المحبة والرغبة لفهم شرعه، فصاروا سببا لحفظه الذي تكفل الله به: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ١.
فحفظ الله لكتابه وسنة نبيه هو على أيدي ورثة رسوله.. لذا يكون نزع العلم بموت أهله لا بانتزاعه من صدور الرجال، وإذا انتزع العلم تصدى للمسئولية الجهلة، فأفتوا بغير علم، ونفذوا بغير نور، وحينئذ تنقلب السنة بدعة والبدعة سنة.
وفي الحديث: "فإذا أضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" ٢.
وهذا البحث يشتمل على مقدمة وأربعة أبواب:
الباب الأول: نبذة عن حياة الشيخ وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: ترجمة موجزة للشيخ وتتلخص في النقاط التالية: نسبه / ولادته / بيئته / نشأته / طلبه للعلم / بداية دعوته / رحلاته في طلب العلم / مكان بدء نشر دعوته / وفاته.
_________
١ سورة الحجر آية: ٩.
٢ عن أبي هريرة في صحيح البخاري جـ١ ص١٤١/١٤٢ في كتاب العلم، وأحمد في مسنده ٢/٣٦١.
1 / 253
الفصل الثاني: زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
الفصل الثالث: الحالة الاجتماعية في زمن الشيخ.
الفصل الرابع: سبب قيام دعوة الشيخ.
الباب الثاني: ما قيل عن اعتماد فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة. وفيه مقدمة وأحد عشر فصلًا.
الفصل الأول: القواعد الأربع التي قررها الشيخ لدوران الدين عليها.
الفصل الثاني: في كلام الشيخ عن طريقة الأخذ فيما اختلف فيه العلماء وأقوالهم.
الفصل الثالث: في كلام الشيخ على قولهم (اتفاق العلماء حجة واختلافهم رحمة) .
الفصل الرابع: في كلام الشيخ على من قال: (لا يقرأ الكتاب لعدم إمكان فهمه) ودليله على بطلان هذا القول.
الفصل الخامس: في كلام الشيخ على الذين يحاولون طرح أقوال العلماء وبيان مبدئه وموقفه منها.
الفصل السادس: في كلام الشيخ لابن معمر لما هدره.
الفصل السابع: في كلام الشيخ في المدينة لما سئل عن الأصوات عند قبر الرسول ﷺ.
الفصل الثامن: ما قاله أحفاده عن اعتماده على الكتاب والسنة.
الفصل التاسع: ما قاله غير أحفاده وأبنائه مما يدل على اعتماده في دعوته على الكتاب والسنة.
الفصل العاشر: في ثناء العلماء على الشيخ ووجهة نظري في إيراد هذا الثناء.
الفصل الحادي عشر: في الأصول التي دعا إليها الشيخ، وهى أهم دعواته وأجلها مدعومة بالأدلة.
1 / 254
الباب الثالث: الاستدلال على اعتماده في مؤلفات العقائد على الكتاب والسنة.
وفي هذا الباب خمسة عشر فصلا هي:
الفصل الأول: في ثلاث مسائل يجب تعلمها.
الفصل الثاني: في المسألة التي بها نجاة المسلم من الخسارة والهلاك.
الفصل الثالث: في مراتب الدين.
الفصل الرابع: في اعتناء الشيخ بتوحيد العبادة.
الفصل الخامس: القواعد الأربع التي قرر بها توحيد العبادة.
الفصل السادس: ما ورد في مؤلفه كتاب (فضل الإسلام) على اعتماده على الكتاب والسنة.
الفصل السابع: فيما ألفه في أصول الإيمان.
الفصل الثامن: في وجوب اعتقاد حق الرسول ﷺ واستدلاله على ذلك.
الفصل التاسع: في لزوم السنة والتحذير من البدع واستدلاله على ذلك.
الفصل العاشر: في وجوب عداوة أعداء الله واستدلاله على ذلك.
الفصل الحادي عشر: من كتابه "مسائل الجاهلية".
الفصل الثاني عشر: ست موضوعات من السيرة لها صلة قوية بأسس الدعوة.
الفصل الثالث عشر: من مؤلفاته تلقين أصول العقيدة للعامة على طريقة السؤال والجواب.
الفصل الرابع عشر: في معنى الطاغوت.
الفصل الخامس عشر: في كتابه (الكبائر) .
1 / 255
الباب الرابع: في مؤلفات الشيخ فيما عدا العقائد، وفيه تمهيد وعشرون فصلا:
الفصل الأول: في مؤلفات الشيخ في الحديث.
الفصل الثاني: في فضائل الأعمال.
الفصل الثالث: في صلاة التطوع.
الفصل الرابع: في فقه الشيخ في قراءة القرآن.
الفصل الخامس: في الزكاة.
الفصل السادس: في بر الوالدين وصلة الأرحام.
الفصل السابع: في الصيام.
الفصل الثامن: في المناسك (أي في الحج والعمرة) .
الفصل التاسع: في الحج والعمرة.
الفصل العاشر: في الهدي والأضاحي والعقيقة.
الفصل الحادي عشر: في الجهاد.
الفصل الثاني عشر: في البيوع.
الفصل الثالث عشر: في مؤلفات الشيخ مما عدا الحديث.
الفصل الرابع عشر: في رسائل الشيخ الشخصية.
الفصل الخامس عشر: في كتابة الشيخ بالسيرة النبوية.
الفصل السادس عشر: في التفسير.
الفصل السابع عشر: في كتابه مختصر زاد المعاد.
الفصل الثامن عشر: في مختصر الشرح الكبير والإنصاف.
الفصل التاسع عشر: في مؤلفاته المبتدأة
الفصل العشرون: في استنباطات الشيخ وتلخيصاته.
الخاتمة.
1 / 256
الباب الأول: نبذة عن حياة الشيخ
الفصل الأول: ترجمة موجزة وتتلخص في النقاط التالية
...
الفصل الأول: ترجمة موجزة وتتلخص في النقاط التالية:
نسبه، ولادته، بيئته، نشأته، طلبه للعلم، بداية دعوته، رحلاته في طلب العلم، مكان بدء نشر دعوته، وفاته.
أولا: هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن محمد بن مشرف، ثم إن آل مشرف بيت مشتهر، فمنهم من ينسب الشيخ له، ومنهم من نسبه إلى جد بعده، هم الوهبة، ومنهم من ينسبه إلى التميمي، وقد ذكر الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام نسبا متسلسلا إلى عدنان في كتابه "علماء نجد"، وقد أكد ذلك حسب ما اطلع عليه من كتب التراجم والأنساب.
ويقرب من الحقيقة لوجود الصهر بين البسام وجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ أن الشيخ عبد الوهاب أخواله البسام، وهذا المبحث في المجلد الأول من علماء نجد (٢٥) .
ثانيا: ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ١١١٥هـ.
ثالثا: إنه من بيت علم كبير، والده وأجداده وأعمامه، ونهج نهجه أحفاده.
رابعا: نشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب مولعا بحب العلم والمعرفة والاطلاع على العلوم الشرعية.
خامسا: درس على والده عبد الوهاب الفقيه المتنقل من روضة سدير إلى العيينة ثم إلى حريملاء، وتوفي عبد الوهاب فيها.
1 / 257
سادسا: بدأ محمد بن عبد الوهاب في حدود عام ١١٤٠هـ ينشر آثار علمه وثمرات غرس والده من بيان الصحيح والفاسد من عبادات ومعاملات مجتمعه.
سابعا: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب امتد باعه إلى بعض العلماء المعاصرين في المدينة المنورة والبصرة، فرحل إليهم واستفاد من علومهم، ونهل من معينهم.
ثامنا: بدأ بنشر دعوته في حريملاء -البلدة التي توفي فيها والده- ولكن لكثرة صدأ القلوب فيها لم تكن عندها قابلية لدعوته، فآذوه أميرا ومأمورين. فانتقل إلى العيينة أملا منه وغلبة ظن بأن أميرها عثمان بن معمر سيساعده؛ لعلمه أن الحق لا بد له من سلطان وسيف وسنان يقمع به كل مارد وشيطان؛ لأن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن كما قال الخليفة الراشد عثمان بن عفان ﵁.
وفهم ذلك محمد بن عبد الوهاب من سيرة سيد ولد عدنان؛ إذ أقام بمكة يدعو ثلاث عشرة سنة فلم يستجب لدعوته إلا أفراد من الضعفاء والمساكين، وامتنع أهل الأموال والمتغطرسون.
ثم أذن الله له بالهجرة إلى المدينة فقوي الإسلام لكثرة المسلمين، فشرع في صد المعاندين وجهاد الكافرين لما أبوا عن إجابة الداعين إلى رب العالمين، فأذل الله الكفر وأهله وأزهق الباطل وخذله، وبهذا يقول الشاعر:
دعا المصطفى دهرا بمكة لم يجب ... وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف صلت بكفه ... له أسلموا واستسلموا وأنابوا
والقرآن مملوء بالنصوص الآمرة بقتال الكفرة والمشركين؛ كقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ ١.
_________
١ سورة التوبة آية: ٢٩.
1 / 258
وقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ١.
والمقصود أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذهابه إلى العيينة يلتمس نصرة لدعوته وعضدا يشد أزره ذا سلطان، فوعده عثمان بن معمر، ولكنه خذله بتهديد من ابن عريعر أمير الأحساء الذي هو أعلى منه قوة، ثم خرج محمد بن عبد الوهاب مختفيا إلى الدرعية، فشرع يلقي فيها الدروس، فآوى إلى مجلسه أميرها محمد بن سعود، فأنس به وشرح الله صدره لقبول نشر دعوته وحمايتها، وبدأ في ذلك عام ١١٥٨هـ.
واستمر على ذلك حتى محا الله على يديهما كل بدعة وخرافة، وكل شرك وضلال في الجزيرة العربية، واستمر أحفادهما على هذا الوعد والعهد حتى وقتنا الحاضر.
نسأل الله لنا ولهم الثبات في الحياة والممات.
تاسعا: توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ١٢٠٦هـ في بلدة الدرعية بعد أن استقرت وانتشرت دعوته.
وما أحسن ما أوجزه ابن بدران في كتابه "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" صفحتي ٢٢٩، ٢٣٠، فلقد وصف الإمام محمد بن عبد الوهاب وصفا موجزا مفيدا متضمنا لبدء دعوته وفقهه ومصدر علمه.. وهذا مما جعلنى أستحسن نقله، وقد كتبه ابن بدران بمناسبة الكلام على مختصر الإنصاف والشرح الكبير حينما تكلم عن كتب الحنابلة.. قال ابن بدران:
"مختصر الشرح الكبير والإنصاف"
"تأليف العالم الأثري والإمام الكبير محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي، يتصل نسبه بعبد مناة بن تميم التميمي، ولد سنة خمس عشرة ومائة وألف، وقد رحل إلى البصرة
_________
١ سورة التوبة آية: ٥.
1 / 259
والحجاز لطلب العلم، وأخذ عن الشيخ على أفندي الداغستاني وعن المحدث الشيخ إسماعيل العجلوني وغيرهما من العلماء، وأجازه محدثو العصر بكتب الحديث وغيرها على اصطلاح أهل الحديث من المتأخرين، ولما امتلأ وطابه من الآثار وعلم السنة وبرع في مذهب أحمد أخذ ينصر الحق ويحارب البدع ويقاوم ما أدخله الجاهلون في هذا الدين الحنيفي والشريعة السمحاء، وأعانه قوم أخلصوا العبادة لله وحده على طريقته التي هي إقامة التوحيد الخالص، والدعاية إليه، وإخلاص الوحدانية والعبادة كلها بسائر أنواعها لخالق الخلق وحده، فحبا إلى معارضته أقوام ألفوا الجمود على ما كان عليه الآباء وتدرعوا الكسل على طلب الحق، وهم لا يزالون إلى اليوم يضربون على ذلك الوتر، وجنود الحق تكافحهم فلا تبقي منهم ولا تزر، وما أحقهم بقول القائل:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ولم يزل مثابرا على الدعوة إلى دين الله تعالى حتى توفاه الله تعالى سنة ست ومائتين وألف هجرية.
ولقد شهدت الأقطار بعلمية محمد بن عبد الوهاب، وتناقلها المسلمون على مر السنين، وحتى كتاب عصرنا تحدثوا عنه وعن فقهه وعزمه في كتاباتهم سواء أرادوا الكلام عن مواطن حركات الإصلاح أو المصلحين..
ومنها ما قاله الدكتور محمد عمارة في بحثه الذي نشر بجريدة "الخليج" عدد ١١١٠ يوم ٢٨ /٦ /١٤٠٢هـ الموافق ٢٢/٤ /١٩٨٢م.. حيث قال: "في بيئة بدوية بسيطة، هي "نجد" بشبه الجزيرة العربية، ولد ونشأ محمد بن عبد الوهاب (١١١٥- ١٢٠٦هـ) .. وكانت السيادة الاسمية والرسمية على موطنه لخلفاء آل عثمان.
وكان ابن عبد الوهاب سليل أسرة من الفقهاء، أخذ عنهم علوم الدين، كما درس على علماء الحرمين؛ مكة، والمدينة، وظهر نزوعه منذ فجر حياته إلى النهج السلفي الرافض لما طرأ على عقائد الإسلام وعباداته من بدع وخرافات وإضافات.
لقد نظر ابن عبد الوهاب، فوجد عامة الناس يتخذون الوسائل والوسائط شفعاء إلى الله، بل ويتوجهون إليهم بالطلب والدعاء والاستغاثة في الملمات.. كما وجد العبادات قد أصابتها البدع بالنقص والزيادة.. فشابت الشوائب كلا من العقائد والعبادات.
1 / 260
بدأ ابن عبد الوهاب يدعو إلى إسلام السلف، ويبشر بفكر ابن حنبل، وابن تيمية، وابن القيم، ويركز على إصلاح العقائد، وتصحيح العبادات.. فحكم بالشرك الظاهر والجلي على المتوسلين إلى الله بالأولياء والمشاهد والرموز، بل رأى شركهم أعظم من شرك الجاهلية الأولى "فلقد كان ابن عبد الوهاب أكثر من "شيخ" وأعظم من "فقيه" ومن ثم فإنه لم يشأ أن يقف بدعوته عند رسائل يؤلفها أو مواعظ يلقيها، أو حتى حلقة من الأتباع والمريدين.. لقد أراد أن تكون لدعوته "دولة" تضمن لها الانتشار والاستمرار.. فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
وهكذا عاشت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عقول الناس وأفئدتهم وعبرت به كلماتهم وكتاباتهم جيلا بعد جيل؛ لاعتماده على شريعة الدين والدنيا فقها في العقيدة وفي شتى مجالات الحياة.
1 / 261
الفصل الثاني: زمن الشيخ من ١١١٥هـ - ١٢٠٦هـ
ويشمل النقاط التالية:
أمضى الشيخ رحمه الله تعالى عمره كله فيما يلي:
أولا: في التعليم، ثم نشر العلم.
ثانيا: حفظ القرآن لعشر سنين، ثم بدأ بعلومه من تفسير وفقه على والده، ومن هنا يتبين لنا أنه شعلة ضياء من صغره، وبعد أن تكامل بلوغه رغب في الاطلاع على العلوم الشرعية متنقلا بين المدينة والبصرة.
ثالثا: بعد أن نهل من العلم واستبانت له الحقيقة الموصلة إلى الله، لم يهدأ له بال إلا أن يعلم ما تعلمه من شرع الله، فبدأ شعاع نوره بالبصرة يبين ما عليه الناس من خطأ في العقيدة والفروع، ولكن لاستحكام الجهل فيهم ورسوخ البدع حدث منهم رد فعل لدعوته بالبصرة، فضيقوا عليه حتى خرج منها عائدا إلى بلده.
رابعا: استمر يدرس على والده وعلى المشايخ الموجودين بالعيينة وحريملاء، ثم انتقل مع والده إلى حريملاء بعد أن ضاقت بهم العيينة زرعا، واستمر معلنا للحق، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر حتى توفي والده في حريملاء سنة ١١٥٣هـ.
خامسا: أعلن دعوته في حريملاء وتعليمه التوحيد، ولكنهم لم يتقبلوا منه وضايقوه، فرجع إلى العيينة، واستقبله أميرها عثمان بن معمر وساعده على هدم القبة التي بنيت على قبر زيد بن الخطاب، ورجم المرأة الزانية، ولفشو الجهل استنكروا ذلك حتى وشي بعثمان بن معمر عند ابن عريعر فاضطر إلى إبعاد الشيخ ابن عبد الوهاب عن بلده.
1 / 262
سادسا: بعد خروج الشيخ من العيينة اختار الله له الدرعية لتكون مقرا لدعوته، فنزل على أفراد منها كانوا قد اتصلوا به في العيينة، ثم بلغ خبره محمد بن سعود أمير الدرعية فبايعه على الجهاد والنصرة، فاستمر زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نشر دين الغفور التواب.
والمقصود أن زمن حياة الشيخ كلها تعليم وتعلم وهداية إلى الصراط المستقيم.
1 / 263
الفصل الثالث: الحالة الاجتماعية في زمن الشيخ
وتتلخص فيما يأتي:
أولا: تردي السلطة الإسلامية بعد القرن الثامن الهجري علما وعملا وتنفيذا وخاصة في قلب الجزيرة.
ثانيا: بسبب هذا التردي لا يلوي أحد على أحد، ولا يقبل أحد من أحد، بل كل ركب رأسه، فتحكم فيهم الجهل، وتشتتت بهم السبل، فكانوا في أمر مريج -أي مضطرب مختلف- لذا تفشت فيهم كل رذيلة وكل مرض ووباء، نمثل بشيء منها:
١. خلو المساجد من المصلين إلا ما شاء الله.
٢. انتشار الخرافات والصوفية الزائفة.
٣. ادعاء الجهلاء ما ليس لهم، وما ليس لهم به علم.
٤. حمل التمائم في رقابهم والتي لا تغني من الله شيئا.
٥. ترغيب في الحج إلى قبور الأولياء ورجاء الشفاعة منهم.
وهذه الأمور تنافي ما أمر به محمد ﷺ.
٦. تغييب فضائل القرآن عن الناس مما جعلهم لا يعرفون عنها شيئا.
٧. لهذا انتهكوا حرماته -أي القرآن- فصاروا إلى ما يلي:
أ- يشربون المسكرات ويتناولون الأفيون، فانتشرت الرذائل.
ب. هتك ستر الحرمات.
ج. أن ذلك كله بلا خشية ولا استحياء، ومن لم يستح فليصنع ما يشاء.
٨. أن مكة والمدينة في زمن الشيخ دب إليهما ما في المجتمعات الأخرى من الوباء والأمراض الشهوانية والشبهية.
1 / 264