Опровержение тем, кто разрешает подстригать бороду
الرد على من أجاز تهذيب اللحية
Издатель
مكتبة المعارف
Место издания
الرياض - المملكة العربية السعودية
Жанры
الرد على من أجاز تهذيب اللحية
تأليف
الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
مكتبة المعارف
Неизвестная страница
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد رأيت مقالًا لبعض ذوي الجهل والجراءة نشرته جريدة السياسة الكويتية في عددها ٥٦٣٦ الصادر في يوم الثلاثاء ١٦ رجب سنة ١٤٠٤ هـ الموافق ١٧/ ٤/ ١٩٨٤ م تحت عنوان «مبايعة الموظفين»، وقد ملأ الكاتب مقاله بالأباطيل والتقول على رسول الله ﷺ.
فمن ذلك قوله: إن اللحية رمز عربي وليست من الإسلام في شيء.
والجواب أن يقال: هذا زعم باطل مردود؛ لأن إعفاء اللحية سنة ثابتة عن النبي ﷺ من قوله وفعله. وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة.
منها ما في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر ﵄ قال:
1 / 3
قال رسول الله ﷺ: «أنهكوا الشوارب، واعفوا اللحى» هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: «أحفوا الشوارب، واعفوا اللحى»، وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: «خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب»، وروى مالك في الموطأ، ومسلم، وأبو داود، والترمذي عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ «أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس»، ورواه الإمام أحمد مختصرًا ولفظه: «قصوا الشوارب وأعفوا اللحى»، ورواه البخاري في التاريخ الكبير ولفظه أن النبي ﷺ قال: «كانت المجوس تعفي شواربها، وتحفي لحاها، فخالفوهم فجزوا شواربكم، وأعفوا لحاكم»، وروى البزار عن أنس ﵁ أن النبي ﷺ قال: «خالفوا المجوس، جزوا الشوارب، وأوفروا اللحى»، وروى البيهقي عن ابن عمر ﵄ قال ذكر رسول الله ﷺ المجوس فقال: «إنهم يوفون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم» - السبال: هو الشارب -.
والأحاديث في الأمر بإعفاء اللحى، وإحفاء الشوارب كثيرة جدًا، وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن عن عائشة رضي الله
1 / 4
عنها أن رسول الله ﷺ قال: «عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية» الحديث.
قال الخطابي: فسر أكثر العلماء الفطرة في هذا الحديث بالسنة، وتأويله أن هذه الخصال من سنن الأنبياء الذين أمرنا أن نقتدي بهم لقوله سبحانه: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾، وفي سنن النسائي عن طلق بن حبيب قال: «عشر من السنة»، وذكر منها قص الشارب، وتوفير اللحية، وروى ابن إسحاق، وابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلين من المجوس دخلا على رسول الله ﷺ وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما، فكره النظرة إليهما، وقال: «ويلكما، من أمركما بهذا؟» قال: أمرنا ربنا - يعنيان كسرى - فقال رسول الله ﷺ: «لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي، وقص شاربي».
وقد جاء في أحاديث كثيرة أن رسول الله ﷺ «كان كثّ اللحية»، وفي بعضها أنه «كان ضخم اللحية»، وفي بعضها أنه «كان عظيم اللحية»، وفي بعضها «أن لحيته قد ملأت نحره». وفي هذه الأحاديث، وما تقدم قبلها من الأحاديث الصحيحة أبلغ رد على من زعم أن اللحية رمز عربي وليست من الإسلام في شيء. وقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ
1 / 5
كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وإذا علم إن إعفاء اللحية ثابت عن النبي ﷺ من قوله وفعله وأنه من هديه الذي هو خير الهدي، فليعلم أيضًا أن إعفاءها من سنن الأنبياء والمرسلين وهديهم، وقد قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾، والأمر في هذه الآية الكريمة عام لجميع الأمة؛ لأنهم تبع لنبيهم محمد ﷺ. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «أنا أشبه ولد إبراهيم به» متفق عليه من حديث أبي هريرة ﵁، وفي الصحيحين، وغيرهما عن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: «أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم»، وفي رواية لأحمد: «نظرت إلى إبراهيم، فلم أنظر إلى أرب منه إلا نظرت إليه مني، حتى كأنه صاحبكم»، وهذا يدل على أن إبراهيم ﵊ كان ذا لحية عظيمة تشبه لحية رسول الله ﷺ، وقد قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ
1 / 6
عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾، وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن من رغب عن إعفاء اللحية ففيه من سفه النفس بقدر ما رغب عنه من ملة إبراهيم.
وقد روى البيهقي في «دلائل النبوة» عن هشام بن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام - فذكر القصة بطولها وفيها أن هرقل أراهم صور الأنبياء في خرق من حرير، فذكر في صفة نوح ﵊ أنه كان حسن اللحية. وفي صفة إبراهيم ﵊ أنه كان أبيض اللحية. وفي صفحة إسحاق ﵊ أنه كان خفيف العارضين. وفي صفة يعقوب ﵊ أنه كان يشبه أباه إسحاق، وفي صفة عيسى ﵊ أنه كان شديد سواد اللحية، قال ابن كثير: إسناده لا بأس به. وقد رواه أبو نعيم الأصبهاني في «دلائل النبوة» من طريق أخرى، وقال في صفة موسى ﵊: إنه كث اللحية. وقال في صفة هارون ﵊: إنه كان يشبه موسى. وقد جاء في بعض الروايات في حديث الإسراء أن رسول الله ﷺ رأى هارون في السماء الخامسة، وقال في نعته: نصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من
1 / 7
طولها، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما والبيهقي في «دلائل النبوة» من حديث أبي سعيد الخدري ﵁. وقد أخبر الله تعالى عن هارون أنه قال لأخيه موسى: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ فدلت الآية الكريمة على أنه كان ذا لحية طويلة يتمكن موسى من الأخذ بها. وفي هذه الآية الكريمة وما ذكر قبلها من صفات الأنبياء المتقدمين أبلغ رد على من زعم أن اللحية رمز عربي وليست من الإسلام في شيء. والأنبياء كلهم على دين الإسلام وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم.
وقد كان أهل الكتابين في زمن الجاهلية يعفون لحاهم متابعة لما كان عليه الأنبياء المتقدمون، وكذلك كان العرب في زمن الجاهلية، فإنهم كانوا يعفون لحاهم، وذلك مما تمسكوا به من ملة إبراهيم ﵊ مع أشياء تمسكوا بها من أفعال الحج وغيره، ولم يكن حلق اللحى معروفًا في زمن الجاهلية إلا عن المجوس، وقد أمر النبي ﷺ أمته بمخالفتهم، ونهاهم عن التشبه بهم والتزيي بزيهم.
والمقصود هنا بيان أن إعفاء اللحية ليس رمزًا عربيًا كما زعم ذلك صاحب المقال الباطل، وإنما هو سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، وصفة من صفات المتمسكين بالسنة من المسلمين، وأما حلق اللحية وقصها فهو رمز للمجوس ولمن يتشبه بهم من المسلمين
1 / 8
وغير المسلمين، ولا يضر المسلمين كون الهندوس وغيرهم من الكفار يبالغون في إعفاء اللحى، فإن ذلك معدود من تشبههم بالمسلمين إما قصدًا وإما اتفاقًا، وهم في هذه الحالة أحسن من المجوس الذين يحلقون اللحى ويمثلون بها ويخالفون هدي الأنبياء المرسلين.
1 / 9
فصل: فيما حكاه ابن حزم من الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض
وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، وفيما حكاه من الإجماع أبلغ رد على من زعم أن اللحية ليست من الإسلام في شيء، وقد قال أبو عمر بن عبد البر، وشيخ الإسلام ابن تيمية: يحرم حلق اللحية، قال ابن عبد البر ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال انتهى، والمخنثون هم المتشبهون بالنساء، وقد روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة ﵁ قال: «لعن رسول الله ﷺ مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال» وروى الإمام أحمد أيضًا عن عبد الله بن عمرو ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال» والأحاديث في لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال كثيرة.
1 / 10
فصل: إدعاء صاحب المقال الباطل أن النبي ﷺ لم يطلق لحيته بعد الإسلام
قال صاحب المقال الباطل: وكان للنبي ﷺ لحية، ولم يطلقها بعد الإسلام.
والجواب أن يقال: إن النبي ﷺ قد وفرّ لحيته، وكانت كثة ضخمة عظيمة كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها ما رواه الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ كثّ اللحية»، وقال ابن منظور في لسان العرب: لحية كثة وكثاء كثرت أصولها وشعرها، وأنها ليست بدقيقة ولا طويلة وفيها كثافة، وقال ابن دريد لحية كثة كثيرة النبات انتهى.
وروى الإمام أحمد أيضًا والحاكم في مستدركه عن علي ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ ضخم الرأس، واللحية» قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، قال الجوهري، وابن منظور في لسان العرب: الضخم الغليظ من كل شيء. وكذا قال صاحب القاموس، والمراد بضخامة اللحية عظمها لما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند بأسانيد جيدة عن علي ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ عظيم اللحية»، وروى الإمام أحمد، ومسلم عن جابر بن سمرة ﵄ قال:
1 / 11
«كان رسول الله ﷺ كثير شعر اللحية»، وروى النسائي عن البراء ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ كثّ اللحية»، وروى الترمذي في الشمائل، والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، والآجري في كتاب الشريعة عن هند بن أبي هالة ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ كثّ اللحية»، وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني عن عبد الله بن مسعود ﵁ أنه نعت رسول الله ﷺ فذكر من صفته أنه كان كثّ اللحية، وروى الحاكم في مستدركه وصححه، والبيهقي، والآجري أن أم معبد الخزاعية قالت في نعت رسول الله ﷺ: وفي لحيته كثاثة.
وفي هذه الأحاديث أبلغ رد على من افترى على رسول الله ﷺ وزعم أنه لم يطلق لحيته بعد الإسلام.
1 / 12
فصل: إدعاء صاحب المقال الباطل أن اللحية لا تعني في الإسلام شيئًا مميزًا
وزعم صاحب المقال الباطل أن اللحية لا تعني في الإسلام شيئًا مميزًا للمسلم.
والجواب أن يقال: بل إن في إعفاء اللحية تمييزًا بين المسلم المطيع لأمر الرسول ﷺ بإعفاء اللحية، وبين العصاة المخالفين لأمر النبي ﷺ بإعفاء اللحى، ومخالفة المجوس الذين يحلقون لحاهم، وقد قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
1 / 13
فصل: ادعاء صاحب المقال أن أمر النبي بحف الشوارب وإعفاء اللحى وإكرامها كان لمجرد أنه ﷺ يتضايق منها
وقال صاحب المقال الباطل: كل ما في الأمر أن النبي ﷺ كان يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها فقال: «حفوا الشوارب وأكرموا اللحى» أكرموها بمعنى هذبوها رتبوها امشطوها، وليست بمعنى أطلقوها لأنها مطلقة أصلًا.
والجواب أن يقال: أما قوله: إن النبي ﷺ كان يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها، فهو من الافتراء على النبي ﷺ، وقد تواتر عنه ﷺ أنه قال: «من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، وقد كان النبي ﷺ يأمر بإعفاء اللحية وتوفيرها، وينهى عن التشبه بالمجوس الذين كانوا يحلقون لحاهم، وكان ﷺ كثّ اللحية ضخمها عظيمها قد ملأت نحره، وروي عنه ﷺ أنه كره النظر إلى المجوسين اللذين دخلا عليه وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما وأنه أنكر عليهما، فهل يقول عاقل بعد هذا إن النبي ﷺ كان يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها، كلا لا يقول ذلك من له أدنى مسكة من عقل. وما كان النبي ﷺ يأمر بإعفاء اللحية وتوفيرها، وهو مع ذلك يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها، وما كان يعفى لحيته حتى كانت كثة
1 / 14
ضخمة عظيمة، وهو مع ذلك يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها. وما كان ينهى عن التشبه بالمجوس الذين يحلقون لحاهم ويكره النظر إليهم وهو مع ذلك يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها. وعلى هذا فمن زعم أن النبي ﷺ كان يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها فقد نسبه إلى التناقض الذي يتنزه عنه آحاد العقلاء، فكيف بالنبي ﷺ الذي هو أعقل بني آدم على الإطلاق، فهو أحق بالتنزيه عن التناقض وعن كل ما لا يليق بالعقلاء. ومن ظن به شيئًا من التناقض فقد ظن به ظن السوء، وذلك من قواطع الإسلام.
وقد تقدم في القصة التي رواها أبو نعيم في «دلائل النبوة» أن موسى ﵊ كان كث اللحية وأن هارون كان يشبهه، وجاء في بعض أحاديث الإسراء أن رسول الله ﷺ رأى هارون في السماء الخامسة وقال في نعته: «نصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها» رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم في تفسيريهما، والبيهقي في «دلائل النبوة» من حديث أبي سعيد الخدري ﵁، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله ﷺ لما مر على هارون وهو في السماء الخامسة سلم عليه فرد ﵇ وقال: مرحبًا بالأخ
1 / 15
الصالح والنبي الصالح، ثم لما مر على موسى وهو في السماء السادسة سلم عليه فرد ﵇ وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم لما رجع من عند ربه وقد فرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال له موسى: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فلم يزل يتردد بين ربه وبين موسى حتى جعلها الله تعالى خمس صلوات. ولم يذكر عنه ﷺ أنه تضايق من النظر إلى لحية موسى الكثة، ولا إلى لحية هارون الكثة الطويلة جدًا، ولا أنه كره النظر إليهما.
وأما قوله: إن النبي ﷺ قال: «أكرموا اللحى».
فجوابه أن يقال: هذا من التقول على النبي ﷺ فإنه لم يرو عنه أنه قال ذلك. وإنما الثابت عنه أنه قال: «اعفوا اللحى». وفي رواية: «وفروا اللحى»، وفي رواية: «أرخوا اللحى»، وفي رواية: «أوفوا اللحى».
وأما قوله: إن معنى أكرموا اللحى هذبوها ورتبوها وليس بمعنى أطلقوها؛ لأنها مطلقة أصلًا فجوابه أن يقال: لو كان قوله أكرموا اللحى ثابتًا عن النبي ﷺ لما كان معناه هذبوها ورتبوها وإنما معناه أعفوها ووفروها كما جاء ذلك في الأحاديث الثابتة عن
1 / 16
النبي ﷺ. فإكرام اللحية لا يكون بالأخذ منها كما زعم ذلك الكاتب، وإنما يكون بإعفائها وتوفيرها وعدم التعرض لها بالحلق أو القص أو النتف.
وأما قوله: وليست بمعنى أطلقوها؛ لأنها مطلقة أصلًا.
فجوابه أن يقال: إنما تكون اللحية مطلقة إذا أعفيت ووفرت، ولم يتعرض لها بالحلق، ولا بالقص، ولا بالنتف، ولا بالتهذيب والترتيب، ومن زعم أنها تكون مطلقة مع التهذيب والترتيب، أو مع الحلق أو القص، أو النتف، فقد جمع بين النقيضين وهذا هو ما وقع في كلام الكاتب.
1 / 17
فصل: ادعاء صاحب المقال الباطل أن النبي ﷺ كان يرتاح للوجوه المهذبة، ويكره شكل الإنسان المشوه أو كث اللحية
قال صاحب المقال الباطل: وكان ﷺ يرتاح للوجوه النضرة واللحية المهذبة ويرعبه شكل الإنسان المشوه، ولا أبلغ من قول الله ﷾ لنبيه الكريم في سورة الكهف حينما بعث الله أهل الكف، وكان شكلهم مرعبًا لطول أظفارهم وكثافة لحاهم قال تعالى: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ شكلهم المخيف بسبب لحاهم التي غطت وجوههم وأظفارهم التي وصلت إلى الأرض، وليس لسبب آخر فهم بشر وطولهم متوسط، لذا بقيت صورة الرعب هذه في ذهن النبي ﷺ فكان كلما رأى من هو كث اللحية تذكر شكل أهل الكهف، ولم يستطع ﷺ صبرًا على ذلك، وقال ذلك الحديث المشهور الذي اعتقد جهلة الناس أن كثافة اللحية تعني الإسلام فقط، وتعني السلف الصالح، وتعني المسلمين الأوائل، وتعني أن من لا لحية له مارق زنديق، ولكي تثبت إسلامك عليك بإطلاق لحيتك. وهذا قشر واهٍ يتمسك به جهلة المفسرين.
والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال: إن صاحب المقال الباطل قد خبط في هذه الجملة غاية التخبيط وأتى فيها
1 / 18
بخمسة أشياء من كبائر الإثم. أحدها: الافتراء على النبي ﷺ حيث زعم أنه كان يرتاح للوجوه النضرة، واللحية المهذبة، ويرعبه شكل الإنسان المشوه، وكذلك زعمه أن صورة الرعب من أهل الكهف بقيت في ذهن النبي ﷺ، فكان كلما رأى من هو كثّ اللحية تذكر شكل أهل الكهف. وكذلك زعمه أن النبي ﷺ لم يستطع صبرًا على ذلك - أي على رؤية من هو كث اللحية - فهذا كله من الافتراء على النبي ﷺ، وقد تواتر عنه ﷺ أنه قال: «من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».
الشيء الثاني: تنقصه للنبي ﷺ حيث وصفه بصفة الجبناء وضعاف العقول والقلوب، وذلك في زعمه أن صورة الرعب من أهل الكهف بقيت في ذهنه ﷺ، وأنه كلما رأى من هو كث اللحية تذكر شكل أهل الكف ولم يستطع صبرًا على ذلك، ويلزم على هذا القول الباطل أن يكون كل واحد من أفراد القراء أقوى قلبًا من النبي ﷺ؛ لأنهم يقرءون قول الله تعالى مخبرًا عن أهل الكهف: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾، وتتكرر منهم قراءة هذه الآية كلما قرءوا سورة الكهف فلا يصيبهم الرعب من أهل الكهف، فضلًا عن أن تبقى صورة الرعب منهم في أذهانهم. فهل يقول الكاتب الجاهل: إن
1 / 19
القراء من هذه الأمة كانوا أقوى قلوبًا من النبي ﷺ؛ لأنهم لم يصابوا بالرعب من أهل الكهف. أم ماذا يجيب به عن كلامه السيئ الذي لم يتثبت فيه، ولم ينظر إلى ما يلزم عليه من اللوازم السيئة التي تفضي بقائلها إلى الكفر ووجوب القتل. فقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على كفر من تنقص النبي ﷺ أو عابه وعلى وجوب قتله. ذكر ذلك عنهم القاضي عياض في كتابه «الشفاء»، وشيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في كتابه «الصارم المسلول، على شاتم الرسول»، وابن حجر المكي في كتابه «الزواجر عن اقتراف الكبائر»، وذكره غيرهم من أكابر العلماء.
وإذا علم هذا فلا يشك مسلم له عقل ودين أن النبي ﷺ كان أقوى البشر قلبًا، وأرجهم عقلًا، وأبعدهم عن كل ما فيه نقص وعيب، فلم يلحقه الرعب من أهل الكهف لما أخبره الله عنهم فضلًا عن أن تبقى صورة الرعب منهم في ذهنه. فهذا لا يتصوره من له أدنى مسكة من عقل ودين.
وبالجملة فإنه يجب تنزيه النبي ﷺ عن النقائص التي ألصقها به الكاتب الجاهل، وعن كل ما فيه نقص وعيب، ولو بطريق التضمن واللزوم.
1 / 20
والشيء الثالث: قوله في القرآن بغير علم حيث زعم أن قول الله تعالى مخبرًا عن أهل الكهف: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ أن ذلك لشكلهم المخيف بسبب لحاهم التي غطت وجوههم وأظفارهم التي وصلت إلى الأرض، هكذا قال صاحب المقال الباطل إن لحى أهل الكهف غطت وجوههم، وأن أظفارهم وصلت إلى الأرض، وليس على هذا القول دليل من كتاب ولا سنة، ولم يذكر ذلك عن أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا أئمة العلم والهدى من بعدهم، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن جرير، والبغوي من حديث ابن عباس ﵄، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي رواية له: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» قال الترمذي: هذا حديث حسن. قال: وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم انتهى.
وقد قال ابن جرير في تفسير قول الله تعالى: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا﴾ يقول: لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم لأدبرت عنهم هاربًا منهم فارًّا،
1 / 21