Ответ на письмо Хасана Аз-Даля’и
الرد على حسن الضالعي - ضمن «آثار المعلمي»
Исследователь
عدنان بن صفا خان البخاري
Издатель
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣٤ هـ
Жанры
الرسالة السادسة
الردّ على حسن الضَّالعي
6 / 179
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[ص ٣] (^١) [الحمد لله الذي لم يتَّخذ ولدًا، ولم يكن] له شريكٌ في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذُّلِّ وكبِّره تكبيرًا، [وصلَّى الله على نبينا محمِّد،] الذي أنزلت عليه: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي [مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ] وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٠]، وعلى آله وأصحابه، [ومن تبعهم بإحسان، وسلَّم] تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعد.
فإنِّي عند وجودي بعَدَن، أواخر سنة ١٣٤١ هـ[بلغني عن رجلٍ يُدعَى] السيِّد حسن باهارون كان مقيمًا بالضَّالع ثم بيافع، يدعو الناس [إلى بعض العقائد الباطنية الحلوليَّة]، سيأتي ذكر شيءٍ منها إن شاء الله. وإنَّه قد اتَّبعه خَلْقٌ كثيرٌ، وألَّف جماعةٌ من العلماء في الإنكار [على أقواله وضلاله].
[ومنهم] شيخنا، إمام الشريعة والحقيقة في وقته، الشيخ العلَّامة سالم بن عبد الرحمن باصهي، ثم السَّيِّد [...]، ثمَّ السيِّد [... (^٢)].
وسألني بعض الإخوان أن أحذو حذوهم، بكتابة رسالةٍ في هذه القضيَّة، فاعتذرت بقصوري، ثمَّ تذكَّرتُ قول صاحب الهمزيَّة (^٣):
_________
(^١) الترقيم من أصل مصوَّرة الرسالة في مكتبة الحرم المكِّي الشريف، وما حصل من تقديم وتأخير في أوراقها عند إعدادها للطبع والتحقيق من تصرُّفي حسب ما يقتضيه ترتيبها الصحيح.
(^٢) بيَّض المؤلف له وللذي قبله في الأصل.
(^٣) هو البوصيري، والبيت في "ديوانه" (ص ٢٧)، والهمزيَّة قصيدة مَدَح بها النَّبي ﷺ.
6 / 181
وائْتِ بالمُسْتَطاعِ مِن عَمَلِ الْبِرْ ... ـرِ فقد تُسقِطُ الثِّمارَ الإتاءُ
مع أنِّي تصفَّحتُ بعض تلك الرسائل، فرأيتها منسوجةً بالحِدَّة والغضب، وذلك وإن كان محمودًا في الشَّرع لكن الأَولى في خطاب الجُهَّال الرِّفق واللِّين، والسَّعي في إيضاح الحقائق باللُّطف والحِكمة، لأنَّ الجهل داءٌ عَيَاءٌ، لا يتيسَّر له دواءٌ إلَّا إذا وُجِد طبيبٌ حاذقٌ.
وليس القصد من التَّأليف في هذه القضيَّة مجرَّد إقامة الحُجَّة والخروج من عهدة السُّكوت، بل القصد مع ذلك إنقاذ هؤلاء المساكين من تخبُّطات الشياطين.
وقد عزمتُ ــ مستعينًا بالله تعالى ــ على كتابة أوراق في هذا الصَّدد، تنحصر في مقدِّمة وفصول.
المقدِّمة: فيما بلغني عن هذا الرجل وأصحابه، بأسانيدها.
[ص ٥] الفصل الأوَّل: في وحدة الوجود التي يلهج بها المتصوِّفة، وبيان عقائد أئمَّة الصوفيَّة.
الفصل الثاني: في معنى الوحدة عند المتطرِّفين، وما يشبه ذلك من مقالات الفرق، والأدلَّة المناقضة لذلك من العقل والنقل.
الفصل الثالث: في حكم من دعا إلى ذلك، أو اعتقد، أو شكَّ، أو سكت.
الخاتمة ــ ختم الله لنا بخير الدنيا والآخرة ــ: في أحاديث واردة في التَّحذير من الدَّجاجلة، أعاذنا الله والمسلمين من شرِّهم.
6 / 182
المقدِّمة
سمعتُ شيخنا إمام الحقِّ والحقيقة، السيِّد محمد بن علي بن إدريس قدَّس الله سِرَّه مرارًا يخبر عن هذا الرجل المدعو السَّيِّد حسن الضَّالعي أنَّه كان في صَبْيَا يتظاهر بالحلول والاتِّحاد، بحيث يرى الشيء كالرجل والبقرة والشاة والدَّابة، فيشير إليه قائلًا: "هذا الله"!
وقال شيخنا ــ قُدِّس سرُّه ـ: وألَّف شيخنا الإمام سالم بن عبد الرحمن باصهي ﵀ رسالةً في الردِّ عليه سمَّاها "كشف الغطا".
وقد ذكر سيِّدنا ــ قُدِّس سرُّه ــ هذا الرجل في مؤلَّفٍ له، وحكى عنه نحو ما مرَّ، إلى أن قال: "والعجب أنَّ هذا الرجل كان يظنُّ أنَّ شيخنا ــ قُدِّس سرُّه ــ لا يعرف شيئًا من علوم القوم، ولم يَدْرِ أنَّه إمام التوحيد الخاص في زمانه.
وفي أوائل ١٣٣٨ هـ وصل إلى جِيزان سيِّدٌ من أهل الضَّالع، قافلًا من الحج، وأخبرني عن هذا الرجل بمثل ما مرَّ سابقًا، وأنَّه يتَّخذ له تلاميذ ويسوسهم، حتى إذا وثق بأحدهم أخذ عليه المواثيق المغلَّظة، ثم يقول له: اعبد نفسك". وحكى عنه غير ذلك.
وأخبرت شيخنا ــ قُدِّس سِرُّه ــ حينئذٍ، فذكر لي مثل ما مرَّ سابقًا، وزاد أنَّه وصل إليه كتابٌ من الرجل المذكور قائلًا: "إنَّ والدكم هو شيخ فتحي، يريد والد شيخنا الإمام علي بن محمد بن أحمد بن إدريس ﵃". وأنكر شيخنا ــ قُدِّس سِرُّه ــ ذلك.
6 / 183
[ص ٨] وأخبرني السَّيِّد العلَّامة محمد بن حيدر النُّعمي (^١)، والشيخ الفاضل محمد إبراهيم صديق [...] وغيرهما أنَّ الرجل المذكور عند وجوده بصَبْيَا كان يشير إلى أي شيءٍ يراه قائلًا: "هذا الله"!
وههنا في عَدَن وقفتُ على كرَّاسةٍ منسوبةٍ إلى رجلٍ يُدعَى صالح الطيَّار، ذكر فيها سنده عن هذا الرجل عن الشيخ حسَّان عن الفاسي، إلى آخر ما ذكر.
فذكرت ما مرَّ من كتابته إلى شيخنا ــ قُدِّس سِرُّه ــ أنَّ والده هو شيخُ فتْحِهِ، وما بينه وبين هذا من التنافي، فكأنَّه اعتمد قول عمران بن حِطَّان (^٢):
يومًا يمانٍ إذا لاقَيْتُ ذا يمَنٍ ... وإن لقِيتُ معدِّيًّا فعَدْناني
كأنَّه عندما كتب إلى شيخنا ــ قُدِّس سِرُّه ــ أراد التقرُّب إليه بمشيخة والده، ولمَّا كان بهذه الجهة القريبة من جهة الشيخ حسَّان المعتقدَة فيه= تقرَّبَ إليهم بذلك.
وقد لقيتُ هنا بعدن بعض المعتقدين فيه وأخبر أنه يذكر أنَّ شيخنا الإمام ــ قُدِّس سِرُّه ــ من تلامذته، وهذا عجيب؛ فإنِّي بحمد الله تعالى
_________
(^١) في "الأعلام" للزركلي (٦/ ١١٢): "محمَّد بن حيدر النُّعمي التِّهامي الحسني، مؤرِّخ، من قضاة الزَّيديَّة باليمن، ولي القضاء بالحُدَيدة في عهد محمد بن علي الإدريسي، ثم ولَّاه الإمام يحيى حميد الدين قضاء اللحية. ونشبت فتنة في جازان وما جاورها، فاتُّهِم بالاشتراك فيها، فقُتِل في مدينة صَبْيَا".
(^٢) البيت منسوبٌ إليه مع غيره في: "الكامل" للمبرّد (٣/ ١٠٨٦)، وغيره. ويُنظَر: "شعر الخوارج" لإحسان عباس (ص ١٦٢).
6 / 184
لازمت شيخنا نحو ست سنين لا يكاد يخلو قومٌ منها [أن أذاكره] في العلوم النافعة، وهو ينكر هذا [...].
ومع هذا فقد ذكر لي بعض الإخوان أنَّ هذا السَّند الذي حكاه الطيَّار لا يطابق سند الشيخ حسَّان. وقد تصفَّحتُ الكرَّاسة المذكورة فوجدتُه بناها على تأويل بعض آيات وأحاديث، يشوِّه وجوهها ويغيِّر ألفاظها!
منها قوله: "وقال ﷺ لسيِّدنا جبريل ﵇: "يا أخي جبريل، أتدري كم لك في العمر"؟ قال: لا أعلم، ولكن يا سيِّدي إنِّي أشوف نجم غرار، كان يظهر بعد كلِّ سبعين ألف سنة مرَّةً واحدةً، وقد شُفْتُهُ سبعين ألف مرَّةٍ. قال له ﷺ: "أنا ذلك النجم الغرار". قال: صدقت، وبالحق نطقت" (^١)!
فأنت ترى هذا الحديث ــ على علَّاته ــ كيف مسَخَه وشوَّهه.
وقال: "وقال ﷺ: "علماء أمَّتي كأنبياء بني إسرائيل" (^٢). قال: إذْ اسْمُ النبوَّة ممنوعٌ بعده ﷺ. ويُفهم من هذا أنَّه لم يمنع إلَّا الاسم فقط!
وقال: "وكذلك أهل السلسلة المباركة اتَّصلوا بسِرِّه، من شيخ في شيخ،
_________
(^١) لم أقف عليه، وهو مشهور في كتب متأخري الصوفية، ويوردونه تتمَّة لحديث النور المحمدي، وهو: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر"!
وقد حكم عبد الله بن الصِّدِّيق الغُمَاري في كتابه "مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر" عليها بالوضع، وقال إنَّها موجودة في بعض كتب المولد، وقال: "هذا كذبٌ قبيح، قبَّح الله من وضعه وافتراه".
(^٢) نقل السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص ٤٥٩) عن ابن حجر والدّميري والزَّركشي أنَّه لا أصل له، ثم قال: "وزاد بعضهم: ولا يُعرَف في كتابٍ معتبرٍ". ويُنظَر: "الضعيفة" للألباني (٤٦٦).
6 / 185
إلى عصرنا هذا، في معرفة العلوم الإلهيَّة، الذي قال فيها ﷺ: "كلُّكم هلكى إلَّا أنا، أنا وما هؤلاء عليه" (^١). يعني: كبار الصحابة.
وقال ﷺ[ص ٧]: "ما فضلكم أبو بكرٍ بكثرة الصلاة والعبادة، وإنَّما لشيءٍ وضعه الله في صدره" (^٢). وهي المعرفة الحقيقيَّة بالله الواحد الأحد، حتى عرف نفسه أنَّه هو عين الحقِّ المبين؛ لصِحَّة الحديث عن النَّبي ﷺ: "مَن عرف نفسَه عرف ربَّه" (^٣).
أي: معرفة النفس بانتفاء البشريَّة وظهور الأحديَّة تُعْدِمُنا الأسماء والصفات و.. و.. و..؛ لأنَّ الأحديَّة جمع، وجمع الجمع، ولا تقبل أسماء ولا صفات.
أو هي ذات [صرفة] مجرَّدة، ما تقبل إلَّا اسم الله، وإلَّا فحكمها حكم العموم، وعموم العموم، ولا تقبل كم، ولا كيف، ولا أين، ولا متى، ولا تقبل ضرب المثل، ولا المساحة، ولا تقبل الماضي، ولا المستقبل، ولا
_________
(^١) لم أقف عليه!
(^٢) لا أصل له مرفوعًا كما قال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (١/ ٢٣)، وعنه السَّخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص ٥٨٤)، ونسبه إلى بكر بن عبد الله المزني من كلامه ممَّا أسنده إليه الحكيم الترمذي، وهو في "نوادر الأصول" (١/ ٩٠).
ونسبه ابن القيم في "المنار المنيف" (ص ١٠٩) إلى أبي بكر بن عيَّاش.
(^٣) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (١٦/ ٣٤٩): "ليس هذا من كلام النبيِّ ﷺ ولا هو في شيءٍ من كتب الحديث، ولا يعرف له إسناد، ولكن يُروَى في بعض الكتب المتقدِّمة إن صح: يا إنسان اعرف نفسك تعرف ربك .. ".
ويُنظَر أيضًا: "مدارج السَّالكين" لابن القيِّم (١/ ٤٢٧)، و"المصنوع" لملَّا علي القاري (ص ١٨٩).
6 / 186
الحال، بل كل الشؤون والمظاهر، و.. و.. ".
وذكر الصفات وأنواع الوجود في الحيوانات والجمادات ثم قال: "فكلُّ هؤلاء داخل تحت حيطة الأحديَّة، وهي العارف الكامل، الواصل الشَّاهد، لذاته بذاته، الله ولا شيء معه".
إلى أن قال: "قُلْ ما شئتَ في هذا المقام فأنت مكانك أحديٌّ، وبعضهم لمَّا عرف نفسه بنفسه ــ ﷾ ــ نظر إلى الفوق والتحت، والأمام والوراء، واليمين والشمال، فلم يجد محلًّا يستند إليه، ولا مكان يأويه، ولا شيء يسند إليه، [فأمير] نفسه، فعرف نفسه بنفسه ﷾"، وقال:
رأيتُ ربِّي بعين ربِّي ... فقال: من أنت؟ فقلتُ: أنتَ (^١)
فهو ﷾ الشَّاهد والمشهود، الشَّاهد في مقام الأحديَّة التي أنت أنت، هي هي أنت، فاعرف! في هذا الكلام العجيب، الذي لا يفهمه إلَّا [.. و..] ولا [تخطئ في ذاتك]، وإن [تلوت] خذ الكتاب بقوَّة، وأْمُر أهلك يأخذوا بأحسنها، فيصفو لنا حسنها، ونتعطَّر بعطر أهلها، حتى إنَّ المحبَّ يصل بالمحبوب، و[...] المحبُّ المحبوب، وأنت الحي القيُّوم:
ولا تلتفت في السَّيْر غير فكلُّ ما ... سوى اللهِ غيرٌ فاتخذْ ذِكْرَهُ حِصْنَا
وقُلْ ليسَ لي في غير ذاتيَ مَطْلَبٌ ... فلا صورةٌ تُجْلَى ولا طُرْفةٌ تُجْنَى (^٢)
إلخ.
_________
(^١) البيت للحلّاج في "ديوانه" (ص ٣١)، وفيه: "بعين قلبي".
(^٢) البيتان في قصيدة لأبي الحسن الششتري، كما في "ديوانه" (ص ٧٣)، وعنده في البيت الأول: "في السير غيرًا".
6 / 187
أقول: لستُ الآن في صدد الرَّدِّ، وإنَّما الحديث الذي ساقه: "ما فضلكم أبو بكر .. الخ" على علَّاته من الواضح أنَّ المراد به غير ما ذكر، وإنَّما الشيء الذي وَقَر في صدره هو معرفة نفسه بالعجز والضعف، [ص ١٠] كما رُوِيَ عنه ﷺ في الدُّعاء: "اللَّهم لا تَكِلْني إلى نفسي، فإنَّك إن تَكِلْني إلى نفسي تَكِلْني إلى ضعفٍ وعَورةٍ وذَنْب". أو كما قال (^١).
فلمَّا عرف سيِّدنا أبو بكر نفسه حق المعرفة بالضَّعف والعجز ونحوهما من الأوصاف انتقل من ذلك إلى حقيقة الإيمان بالله تعالى، صفات الجلال والجمال والكمال؛ فإنَّ الإنسان إذا عرف نفسه بالعبودية فقد عرف ربَّه بالربوبيَّة، وكلما ازدادت معرفته لنفسه بحقيقتها، من الضعف والعبودية والعجز في الصورة= ازدادت معرفته وإيمانه بربوبية الله تعالى وقوَّته وقدرته وجلاله.
وهذا معنى الحديث الآخر الذي ذكره، أعني: "مَن عرف نفسه فقد عرف ربَّه" كما هو واضح.
إلى أن قال بعد كلام طويل: "وتحتاج هذه إلى الكتم والخمول حتى يريد الله بالظهور". وهذا يدلُّ على أنَّ قصد هؤلاء القوم بثُّ دعوتهم، ثم إظهارها وإثارة فتنة، عكس مقاصد أهل الله، الذين إنَّما قصدهم إصلاح
_________
(^١) أخرجه أحمد (٥/ ١٩١)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٦٩٧)، وغيرهما، من حديث زيد بن ثابت ﵁ بنحوه. قال الحاكم عقبه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ١١٣): "رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وُثِّقوا، وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف".
6 / 188
القلوب ما تيسَّر.
إلى أن قال: "ولقد اغترُّوا كثيرًا، وتكبَّروا على المشايخ، وأُوقِعُوا في الجحيم، كمثل الفقهاء الزَّنادقة الوهَّابيَّة، الذين يتكبَّرون على أهل الباطن"!
إلى أن قال: "ولقد رأينا أناسًا في النَّار كثيرًا، وأكثرهم الفقهاء، والعلماء، وأهل الرأي، وأهل الرِّئاسة في الدُّنيا"!
إلى أن قال: "وأمَّا الألوهيَّة فهي تقبُّل الأحكام، و..، و..، ومنها السَّعادة والشقاوة، و..، و..، وإقامة نظام العالَم، مِن عابد ومعبود، ورازق ومرزوق، وتفاضل الأعلى على الأدنى".
إلى أن قال: "لأن برزخها أوسع البرازخ ومن أسماء كثيرة يُسمَّى العرش، وأمَّا الكتاب، والوجود المطلق، والذات الساذج، والزلال الأبيض، و..، و..، فسبحان من تفضَّل على ذاته بذاته .. الخ"!
إلى أن قال: "فصلٌ: اعْلَمْ أنَّ الله واجب الوجود، فوجوده مطلقٌ، ووجود ثان له مقيَّد مطلق، من عند الأسماء مقيَّد ومن عند الذَّات مطلق.
والصفات متعدِّدة، والذات واحدة، والكُلُّ مربوط بالكُلِّ، كما قال بعض المشايخ: الكلُّ بالكل مربوط، فليس له عنه انفكاك، خذوا ما قلته عنِّي، [لأنَّ] أصل الشيء كُلّه البرنامج، ولا شيء معه، ولا ذكر للشيء، ولا غير، ولا ذكر للغير، وأنت البرنامج، علمتَ أم لم تعلم، ولكن أنت من العارفين، وغيرك محجوبون (^١) بك، ولم يعلموا، ولكن الغطا والغين الذي
_________
(^١) في الأصل: "محجوبين".
6 / 189
[ص ١١] على العين، والران الذي على القلب، قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (^١)﴾ [المطففين: ١٤]، أَلَا ترى إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: ١٠]، وهي يد رسول الله، ورسول الله هو البرنامج الكامل، والأنموذج الشامل، و[...] الواصل الموصل.
ولهذا حقِّق توحيد ذاتك بذاتك في ذاتك لذاتك، في قوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١] أي: هو أنفسكم أفلا تبصرون!
وقوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧]، والرامي هو رسول الله يوم بدر.
فافهم المعنى فقد دان المنى، وادخل الدار واقصد نحونا، واستمع لما يوحى إليك من قولنا، الذي قولك لك، المنزل على قلب نبيك: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ [النجم: ١ - ٣]، وأدنى؛ لكلام ابن عباس: "إنَّ محمدًا رأى ربَّه بعين الرأس" (^٢).
_________
(^١) في الأصل: (.. على قلوبهم فهم لا يفقهون)!
(^٢) تُنظَر الروايات المنقولة عن ابن عباس ﵁ وغيره في هذا الشأن في "الدر المنثور" للسيوطي (١٤/ ١٩ - ٢٤).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في "درء التعارض" (٨/ ٤٢): "وأمَّا تقييد الرُّؤية بالعين فلم يثبت لا عن ابن عباس ولا عن أحمد".
وقال الإمام ابن القيِّم ﵀ في "زاد المعاد" (٣/ ٣٦ - ٣٨): "صحَّ عن ابن عباس أنَّه رأى ربَّه، وصحَّ عنه أنَّه قال: رآه بفؤاده. وصحَّ عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك .. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتِّفاق الصحابة على أنَّه لم يره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه: وليس قول ابن عباس: "إنَّه رآه" مناقضًا لهذا، ولا قوله: "رآه بفؤاده"، وقد صحَّ عنه أنه قال: "رأيت ربي ﵎"، ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لمَّا احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه ﵎ تلك اللَّيلة في منامه .. وأما قول ابن عباس إنَّه رآه بفؤاده مرتين فإن كان استناده إلى قوله تعالى: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [النجم: ١١]، ثم قال: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [النجم: ١٣]. والظاهر أنَّه مستنده؛ فقد صحَّ عنه ﷺ أنَّ هذا المرئيَّ جبريل، رآه مرتين في صورته التي خلق عليها".
6 / 190
إلى أن قال: "وأمَّا حضرة الأحديَّة وهي الحضرة المباركة، وهي حضرة الطمس وبحر الغمس، وبرزخ جمع الجمع".
إلى أن قال يخاطب صاحب هذا المقام: "فتارة يكون ظاهرك خَلَقًا هاويًا، وباطنك حقًّا، وتارة يكون ظاهرك حقًّا وباطنك خَلَقًا".
إلى أن قال: "حتى تنظر إلى [...] صاحب هذا المقام: "يسمَّى بخطِّ الاستواء، ولا أظنُّ أحدًا يقدر يقف عليه [...] الكمال".
قال: "وهذا المقام من المحال؛ لأنَّه ما وقع لسيِّد المرسلين؛ لصحَّة قوله: "إنَّه لَيُغَان على قلبي، فأستغفر الله في اليوم واللَّيلة سبعين مرَّة" (^١)؛ لأنَّ اجتماع الحضور والغيبة، والصِّحَّة والسقم في بدن واحد محالٌ، واجتماع الموت والحياة في هيكل واحد محالٌ، ولا جَمَعَ هذا الشيء إلَّا ذو الجلال
_________
(^١) لم أره بهذا السِّياق، لكن أخرجه مسلم (٢٧٠٢) وغيره، من حديث الأغر المزني ﵁، وفيه: "مائة مرة". والمشهور في تتمَّته ما أخرجه البخاري (٦٣٠٧) وغيره من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: "والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرَّة".
6 / 191
والإكرام، فهو الفرد الجامع .. " الخ.
إلى أن قال: "وقد قال في الكرامة: إنَّ العارفين لا [كرامة ...] النظر إلى وجه الله الكريم في كل صورة، وفي كل سورة، وفي كل أخضر ويابس، وفي كل حال ومقال، وخصام وجدال، وجلال وجمال، وفعل واعتقاد".
إلى أن قال بعد كلام طويل في التَّحريض على كثرة الذِّكر: "فلا أحد بَلَغَ مبلغ عالي (^١) يسقط عنه التَّكليف، فسقوط التَّكليف يوجب عليه التكليف، ولا يسعه إلَّا الاتِّباع لسيِّد البشر، سيدنا محمد ﷺ ".
[ص ١٤] إلى أن قال: " [في دعاء: أن يبارك بغير تعب، ... في كل شيء به له ...]، لكن تفضل على ذاتك بذاتك .. إلخ".
انتهى ما أردنا حكايته من تلك الكرَّاسة، وهي كبيرة، وهي من جنس ما حكيناه، وأستغفر الله العظيم أولًا وآخرًا.
وقال السَّيِّد العلَّامة علوي ما نصُّه: "وهذا هو رجل اسمه حسن بن إبراهيم، ويدَّعي أنه من آل با [معروف] آل باعلوي، وحاشاهم أن يكون هذا الدَّجَّال منهم، وقد كتب كتبًا متعدِّدة إلى السادة العلويين، ففتشوا فلم يجدوا له حسبًا ولا نسبًا.
ومن أخلاق هذا الرجل أنَّه يتفاخر ويتظاهر أنَّه أخذ عن شيوخٍ في مصر والشام والعراق والحجاز والمغرب واليمن، وأنَّه وقع على العلم المكنون".
إلى أن قال: "وقد سار داعي من دعاته إلى الحبشة، واسمه السَّيِّد صالح ــ بزعمه ــ وحاشا لله أنَّه سيِّد، بل هو السيئ الطالح، القرمطي، فعلَّم أناسًا
_________
(^١) كذا في الأصل.
6 / 192
منهم أن يكونوا مثل فرعون إذ قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]. و[رتَّب] عليهم أورادًا من قولهم: أنا الله! ".
إلى أن قال بعد ذكر بعض [من] (^١) تبعه هذا الرجل: "عقيدتهم أنَّ الذوات كلّها متساوية؛ لأنَّها الله بذاته، (تعالى الله)، فذات أعظم نبيٍّ أو وليٍّ هي وذات الخنزير سواء؛ لأنَّ النبيَّ اللهُ، وقع نبيًّا وذهب يطلب مركزه، والخنزير كذلك [...] (^٢).
ويقولون: إنَّ فرعون أعرف من موسى؛ لأنَّه قال: "أنا ربُّكم"، وموسى جاهلٌ، وهكذا محمد ﷺ وأبو جهل لعنه الله بمنزلةٍ واحدةٍ.
وهذه العقائد من أسرارهم التي لا تُفشَى، ولا يعلِّمونها إلَّا من خرج من مزالق التوحيد، وهم خصوص الخصوص. وهم في الحقيقة الذين بلغوا الرتبة الفرعونيَّة.
وهذا الضَّالعي يقول: إنَّ الحياة هي نفس الوجود، وإنَّ الوجود هو جميع المخلوقات، وينكر علم الغيب لله، ويجعل جميع التطوُّرات في الوجود اللهَ بذاته، يتطوَّر ويطلب مركزه، وعنده أنّ قول الله [...] (^٣) كلام باطل، كما سنحكي ألفاظه إن شاء الله تعالى.
ومذهبهم أنَّ قول القائل: "لعنك الله" مثل قولك: "رحمك الله"، ولا يتحاشون عن جماع الحائض، يتسارُّون بهذا الأمر بينهم.
_________
(^١) زيادة يقتضيها السياق.
(^٢) طمس في الأصل.
(^٣) طمس في الأصل.
6 / 193
[ص ١٣] إلى أن قال: "وينكرون حقيقة الأرواح، ويقولون: هي تطوُّرات الذَّات الإلهيَّة، تطلب مركزها لا غير".
ولهم خزعبلات كثيرة تشابه ما تقدَّم، نتحاشى عن حكايتها، مثل قولهم في المجامعة والغائط. نعوذ بالله.
فعندهم أنَّ الرجل والمرأة ليسا مخلوقين من مخلوقات الله، بل هما الله، ويقولون في المجامعة كلمات كفريَّة تقشعرُّ منها الجلود ــ والعياذ بالله ــ لا نقدر على حكايتها.
إلى أن قال: "وحسن الضَّالعي هذا قد اجتمع بالشيخ الصالح العلَّامة سالم بن عبد الرحمن بن عوض باصهي، فلمَّا رآه الشيخ المذكور ضالًّا في اعتقاده ألَّف رسالةً سمَّاها "كشف الغطا عمَّا يحصل لبعض السَّالكين من الخَطَا"، يظنُّ أنَّه سيرجع بها.
وحيث إنَّ ضلاله بسبب عدم فهمه كلام الصوفية، ولم يعلم أنَّه ليس من الصوفيَّة، بل هو ملحدٌ أصليٌّ، متمكِّنٌ من إلحاده، وإنَّما يتظاهر بحكاية كلام الصوفيَّة ليستجلب الناس؛ لعِلمه أنَّ الناس يعتقدون [في (^١)] المتصوِّفة والمتنسِّكة.
فلمَّا ظهر بدعوته الخبيثة إلى دينه الجديد الخبيث المخبث في جبل يافع ألَّف الشيخ المذكور رسالةً أخرى [تذييلًا] (^٢) لتلك الرسالة، قال فيها ما نصُّه: "وبعد، فقد بلغني أنَّه ظهر رجلٌ في جبل يافع يسمَّى السَّيِّد حسن
_________
(^١) زيادة يقتضيها السياق.
(^٢) في الأصل: "تذييل".
6 / 194
الضَّالعي، يدعو الناس إلى وحدة الوجود، وهي: اعتقاد أنَّ هذه الموجودات كلَّها عين الحقِّ، وأن لا خَلْقَ أصلًا، فتعجَّبتُ لذلك غاية العجب؛ حيث إنَّ هذا الرجل المسمَّى السيِّد حسن الضَّالعي قد اتَّفقت به منذ سبع سنوات في صَبْيَا، قرية من قرى اليمن، مشهورة، وأخبرني أنَّه طاف البلاد، ولا مصر إلَّا ودخله، واتفق بعلمائه وصلحائه، واجتمعنا في صَبْيَا نحو ثلاثة أشهر.
وفي تلك المدَّة كلِّها ونحن نتذاكر العلوم، حتى بيَّن لنا طريقته التي هو عليها كتب الشيخ محيي الدِّين بن عربي، وكتب عبد الكريم الكيلاني، مؤلِّف كتاب "الإنسان الكامل" (^١).
وأنَّه معتقدٌ معتقداتهم، في أنَّ هذا الوجود وما فيه من المخلوقات كلّها عين الحقِّ متنوّع بزعمه، وأن لا خلق أصلًا، وأنَّ هذه المخلوقات كلَّها عين الحق تنوّع ذاته، فتارة يجعلها جبالًا، وتارةً يجعلها ريحًا، وتارةً يجعلها بحارًا، وهكذا، فما هناك خلقٌ أصلًا".
فانْبَهَرتُ من هذا الاعتقاد الخبيث، فقلت: يا سيِّد حسن، هذه وحدة الوجود، التي أجمعت الأمَّة كلُّها على كفر أهلها ومنتحليها [ص ١٦] ومعتقديها.
بل معتقد ذلك كافرٌ بالقرآن من أوَّله إلى آخره؛ لأنَّ القرآن مصرِّحٌ بأنَّ العالَم وما فيه خَلْقُ الله، قال الله جلَّ ذكرُه: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: ٦٢]، وقال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الأنعام: ١]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ
_________
(^١) يقصد كتاب "الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل" لعبد الكريم الجيلي.
6 / 195
خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [الأعراف: ١١]، وقال تعالى: ﴿الَّذِي (^١) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الفرقان: ٥٩]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ الآية [المؤمنون: ١٢]، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]. إلى آخر ما قال الله من أول القرآن إلى آخره، في أنَّ العالَم وما فيه خلق الله، هو الذي خلقهم.
وأنت تقول: إنَّهم عينُ الله، لا خلقُ الله، وتنكر الخلق رأسًا، والقرآن أثبت الخلق صريحًا، فكلامك هذا إنكار لما في القرآن صريحًا، وتكذيب (^٢) لنصوص القرآن كله من أوله إلى آخره.
فعند ذلك توقَّف، وبقي يُغالط بكلام القوم الدقيق، وشطحاتهم، وسائر ألفاظهم التي توهم هذا القول، وأنا أقول له: لم يريدوا بهذا الكلام ما تعتقده أصلًا، وحاشاهم من ذلك.
وطالت المراجعة فيما بيني وبينه في ذلك، حتى قال لي: صوِّر لي ما عرفته من كلامهم، وما مرادهم بتلك الألفاظ، فجعلنا له نبذةً، وسمَّيناها "كشف الغطا عمَّا يحصل لبعض السَّالكين من الخطا عند مقدمات حال الفنا والفتح والمواهب والعطا"، وبيَّنَّا في ذلك الصواب من الخطا؛ لأنَّ الغلط يدخل على الإنسان في الطريق من محلَّين:
الأول: من مطالعة كتب القوم الدقيقة المعقَّدة، خصوصًا كتب محيي
_________
(^١) في الأصل: "وهو الذي".
(^٢) في الأصل: "وتكذيبًا".
6 / 196
الدين والكيلاني عبد الكريم، وما جرى مجرى ذلك؛ فيفهم المطالع من ذلك غير المراد لدقَّة الكلام (^١). ولهذا المعنى حرَّموا قراءة كتب هذين الشيخين، وما جرى مجراها.
والمحلُّ الثاني الذي يحصل الغلط على السَّالك فيه: عند مقدِّمات الفتح، وقد بيَّنَّا هذا كلَّه في النُّبذة المذكورة غاية البيان والإيضاح، وميَّزنا فيها بمعونة الله الخطأ من الصواب.
فلمَّا أُوقِف على تلك النُّبذة سكت وانقبض، وأخذ نحو شهرٍ كالمضطرب في أمره.
ثمَّ إن الله تكرَّم عليه، فرأى رؤيا بعد مُضِيِّ هذه المدَّة، فجاء إليَّ وقال: إنِّي رأيت سيِّدنا أبا بكر الصِّديق في المنام، فقلتُ له: مرادي أن تريني رسول الله ﷺ، فقال: قُم، وأخذ بيدي، [فلم يزل] يمشي معي حتى وصلنا مسجدكم هذا، فوجدناك في المسجد وحدك [ص ٩]، فقال لي أبو بكر: هذا النبيُّ، يعنيكَ.
فقلتُ له: هذا صاحبي فلان! قال: هذا النبيُّ.
قال: فعرفتُ عند ذلك أنَّك على الحقِّ، وعلى الهدي المحمَّدي، وكل
_________
(^١) هذه من الاعتذارات التي حملها بعض المدافعين عنهما وأمثالهما.
وقد قال الذهبي في "السِّيَر" (٢٣/ ٤٨) عن محيي الدين ابن عربي: "ومن أردأ تواليفه كتاب "الفُصُوص"، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفرٌ".
وقال الشوكاني في "الصوارم الحداد" (ص ٤١): "الإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي اتِّحادٌ محْضٌ"، وقال (ص ٥٧): "لا تجد في كتب القوم مثله في التصريح بالاتحاد والإلحاد".
6 / 197
ما قلتَه حقٌّ وصِدقٌ.
حكى لي هذه الرؤيا بالمجمع من الخلق، [وظننتُ] (^١) أنَّه قد رجع عن هذه النِّحلة؛ لأنَّها ظهرت لي منه أشاير القبول، ولم يذكر لي شيئًا مخالفًا ذلك، وغلب على ظنِّي أنَّه رجع عن ذلك الاعتقاد الخبيث، وبقي عندنا بعد ذلك نحو شهر، وسار وهو على حاله المحمود.
واتَّفقت به مرَّةً في عَدَن، بعد سنةٍ أو نحوها، وحصل بيني وبينه من البِشْر والفرح والمحبَّة، حتى قال لي: أشهدُ بالله أنَّك واصلٌ، وأنا أعلم أنِّي لستُ بهذه المثابة. إنَّما فرحت منه واستدلَّيت (^٢) بذلك الكلام".
[ص ١٥] وقال أخوه السيِّد عبد الله بن طاهر في جوابٍ كتبه إلى الشيخ عبد الله بن علي [الفوري] بعد ذكر الرجل المسمَّى بالسيِّد صالح ما لفظه: "فاعْلم أيَّها الوالد ــ نفعنا الله بصالح دعواتك ــ أنَّا اطَّلَعْنا وتحقَّقنا من الرجل المذكور تحقُّقًا كان عندنا كالشمس في الظُّهور، أنَّه ليس من أهل النُّور، بل من أهل الكذب والزُّور، بل لنا على ما بلغنا عنه من سوء الاعتقاد، وأنَّه من أهل الكفر والإلحاد، ينتحل مذهب القائلين ــ والعياذ بالله ــ بالحلول والاتحاد".
إلى أن قال: "ولعلَّه لا يخفى عليكم ما حاصلٌ في جبل يافِع من دجَّال الضَّالع، الكاذب المفتون، الذي سمَّى نفسه أبا هارون، والسادةُ الكرام آل باهارون ــ بل جميع أهل البيت الطَّاهر ــ منه بريئون، قال ﷺ: "من
_________
(^١) في الأصل بالضاد.
(^٢) كذا في الأصل.
6 / 198
انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا" (^١).
وأنساب آل با هارون وشجرتهم محفوظة ومضبوطة، وسيرهم محمودة ومغبوطة، ما فيهم كذَّابٌ ولا دجَّالٌ، ولا داعٍ إلى ضلال، ولا يعرف لهذا الفاجر بهم انتساب ولا اتِّصال .. الخ".
وقال با [شيخ] في أوائل رسالته: "قد وصل إلينا سؤالٌ من محبٍّ صادق، وخِلٍّ موافق، وهو الشيخ الفاضل محسن بن قاسم بن حسين الجهوري اليافعي محتدًا، والموسط بلدًا، قد ملأ الله قلبه بالإيمان، فأنكر الباطل وعزم على إزالته بلسانه ويده والجنان، وفَّقنا الله وإيَّاه لمرضاته، وسلك بنا وبه سبيل نجاته، آمين.
مضمونه بعد البسملة والحمدلة: ما قول ساداتي العلماء الأعلام ــ نفع الله بهم الخاص والعام ــ في هذا الرجل الذي خرج إلى جبل يافع، بلاد برية، وأرض بادية، يُقال له: حسن بن هارون أظهر أمورًا بطَّالة، كفرٌ صريحٌ في الشريعة الغراء، وقد قرأنا عنده، وقال: إنَّ العقيدة التي تؤخذ عليها العهد والمواثيق من الطالب، ونأمره بكتمها هي علم التوحيد، وهو علم الباطن، ويقول: إنَّ الوجود والموجودات كلها الله، الظاهرة والباطنة، وكل رطب ويابس، وطاهر ونجس، وكافر ومسلم، وحق وباطل، وحلال وحرام= كل ذلك الله لا غير، تعالى الله عمَّا يقول هذا الجاحد الكافر علوًّا كبيرًا.
وقال برفع التكاليف عن الناس، لا صلاة، ولا صيام، ولا زكاة عليهم،
_________
(^١) أخرجه مسلم (١٣٧٠) بنحو هذا السياق، من حديث عليٍّ ﵁.
6 / 199