تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
Издатель
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
Жанры
فحينما اتجه المحدثون بعد ذلك إلى تأليف المسانيد كان الغرض لديهم هو العناية بوصل الأسانيد أولًا مع الاقتصار على المرفوع منها إلى رسول الله ﷺ لأنه المراد عند الاحتجاج، وقد نستطرد هنا إلى القول بأن هذا الاتجاه تطور في النهاية، مُسْفرا عن اختيار مصطلح "السنن" عنوانا جديدا للكتب التي ليس فيها شيء من الموقوف (١)، وهي ما سنرجئ الكلام عليه إلى حين.
هذا الوضع الذي كانت عليه المصنفات الحديثية كان يوازيه في الناحية الفكرية للمجتمع الإسلامي وضع مضطرب جدا، حسبما وضَّح الدكتور فاروق حمادة، فقال: "أطلت الأفكار من كل جانب، وأرادت كلُّ فكرة فرض نفسها بقوة متذرعة بكل الحجج، ولم تبق فكرة من الأفكار التي راجت آنئذ إلا وحاولت النيل من الحركة الحديثية (المعتزلة - الباطنية - إخوان الصفا - التشيع - التصوف - القدرية - الجهمية القائلون بخلق القرآن - المجسمة - الراوندية ... وغيرهم) (٢) .
لقد كان المبتدعة من المعتزلة وغيرهم يشوشون على أهل الحديث بالقول بعدم حجية خبر الآحاد بدعوى اختلاط السنة بالمكذوب والمختلق، وكان المحدثون خصوما لهم، يحاجونهم ويعملون على دحض مزاعمهم، كما كانوا في الوقت نفسه خصومًا لبعض أهل الفقه الذين اشترطوا للعمل بخبر الآحاد شروطا زائدة عما تطلبه علماء الحديث، وذلك كأن يكون المتن سالما من المعارضة للقرآن أو للسنة المشهورة، وألا يكون مما تعم به البلوى، وألا يكون
_________
(١) انظر تعريف " السنن " في الرسالة المستطرفة ص ٢٥.
(٢) تطور دراسات السنة النبوية ونهضتها المعاصرة وآفاقها ص ١٨.
1 / 25