إن مظاهر الحياة وحدودها عند الغربيين اليوم لواضحة جلية، ولا ظل يصل طرفي البياض والسواد في حالهم الاجتماعية، لا غسق يصل ليلهم بنهارهم ولا طريق تجمع بين عمرانهم ودمارهم. فهذه عندهم منطقة الغناء، وتلك منطقة الفقر والشقاء، هذه سهول العمل والتجارة، وتلك حزون البطالة والقذارة، هنا فريق العلماء والحكماء، وهناك جموع خيم عليهم الجهل والتعصب والبلاء. فالفقير عندهم هو الفقر مجسدا، والغني هو الغناء موحدا. والغريب في أمر فقرهم وغنائهم هو أن البقرات العجاف اللاتي تأكلهن البقرات السمان كل يوم يتضاعفن بالنسبة إلى تعدي هؤلاء عليهن.
هذه حال الغربيين النازعين اليوم إلى الاشتراكية وأما حالنا فليلنا لا يعرف من نهارنا، وعمراننا لا ينفصل عن دمارنا، إنما نحن ظل الأشياء لا فقر عندنا ولا غناء، ولا علم يذكر ولا جهل، ولا عمال ولا بطالة. غريب أمر الشرقيين، فما هم في حياتهم سوى حرف وصل بين الأضداد. وقد تكون هذه حقيقة الحياة وقد يكون الحق في جانبنا، ولكنا إزاء الغربيين الذين بدءوا يزاحموننا في أرضنا نؤكل لا محال كما توكل عندهم البقرات العجاف كل يوم إذا كنا لا نخرج من ظل الأشياء ونشمر عن ساعد الجد والعناء. •••
إن البلاء لمستقر، في جهاد الإنسان المستمر.
إن رأس الشقاء البشري، في هذا الازدحام الحضري.
أحب في صديقي الإباءة أكثر من المروءة، أحب منه الأنفة وإن كان فيها عنيفا، ولا أحب الصغارة وإن كان فيها لطيفا.
الصديق الأبي الأنوف وإن جمد وجه وداده خير ممن يقبلك متشوقا كل مرة يراك وقلبه كتربة أجداده.
الحر الكريم يظل صديقك وإن عاداك، والخسيس اللئيم هو عدوك وإن والاك.
لا تدقق في درس أخلاق صديقك «وفتلته»، إن كنت تطمع في دوام محبته.
لا تتوقع من صديقك أن ينصرك إذا كنت مخطئا، ولا أن يجد بأمرك إذا كنت فيه بطيئا. •••
الصداقة الحقيقية مثل كل عمل عظيم هي التي يشترك فيها القلب والعقل والضمير. فالشعور - إذ ذاك - يكون غذاءها، والإدراك مصباحها، والعدل ميزان الاثنين. وإن رجحت إحدى كفتي الميزان فمسير الصداقة إلى الامتهان، وتصبح أخيرا كعروس الشعر أو كبنت الخوان، أي: أنها تصير إما خيالية وإما مادية، فتعيش يومها مشوهة إما في الحواس وإما في الأوهام، وفي كلا الحالين لا عدل ولا لذة فيها للصديقين. •••
Неизвестная страница