الناس تصرخ: «أعطونا فحما، أعطونا فحما» وأصحاب المعادن وشركات الاحتكار يصدرون أوامرهم بتوقيف البيع إلى أن يعود المعدنون إلى المعادن. وهكذا يحارب أرباب المال رجال العمل، هكذا تقتل شركات الاحتكار الأولاد والأطفال تعزيزا لأوامرها وتنفيذا لمآربها، هكذا يضايق القوي الضعيف في كل مكان. أفلا يجدر بالفقراء في هذا الشتاء التمثل بالشاعر العربي إذ قال:
أيا رب إن البرد أصبح كالحا
وأنت بحالي يا إلهي أعلم
فإن كنت يوما في جهنم مدخلي
ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
وأي جحيم أشد شقاء وأكبر بلاء من الجحيم الذي يعده المتمول للشعب، متواطئا مع الشرع الجليل، ومستخدما قوة الحكومة لتنفيذ أغراضه وتحقيق مطامعه.
وأما في هذه الجمهورية الحرة المستقلة التي يقال إن العدل والمساواة فيها سائدان فكم فيها من رجل يشمخ بأنفه على الشعب، ويحتقر ممثليه، ويستخف بالصحافة، ويزدري السياسيين، ويضحك في وجه رئيس الأمة ضحكة الخداع والاحتقار، كم فيها من رجال لا يهمهم برد الفقراء أو دفئوا، ماتوا أو عاشوا، فإذا نفد الفحم من العالم يحرقون من مالهم بعض القراطيس ويظل الواحد منهم دافئا غنيا، نعم إن الواحد من هؤلاء المتمولين يستطيع أن يرفع بيده اليمنى سعر قنطار الفحم إلى الخمسة وعشرين دولارا ويوزع باليسرى مائة ألف قنطار مجانا على الفقراء وكل ذلك بجرة قلم فقط. أهذي هي الحكومة الديمقراطية التي أسست لتعميم المساواة بين الناس؟ أية شرائع مكنت هؤلاء الرجال من عملهم وساعدتهم على احتكار ضروريات الحياة والاستبداد بالعباد.
فمن المقرر أن أصحاب العزم والحزم من الرجال لا يبلغون ثلث ما يتوخونه إذا عاكستهم الحكومة، والشريعة التي تساعدهم على جمع الثروة وحصر ضروريات الحياة ترمي في آن واحد ملايين من الفقراء في حالة تحزن الصدور وتثير الهموم، الحكومة التي تساعد هؤلاء المتمولين العظام تصبح أخيرا عاجزة عن كبح جماحهم، «إن الحية التي تربيها تنفث عليك السم من فيها.»
نعم إن الحرية تساعد - في هذه البلاد - أعداءها على بنيها، نعم إن الجمهورية الآن تساعد المتمول ليظلم بماله كما كانت الملكية تساعد المتوظف ليظلم بنفوذه، وقد قال أحد الفرنسيس الحكماء ما معناه: قد تسقط الملكيات من فقر شعبها وقد تسقط الجمهوريات من غنى أفرادها، ولا تظن أنك راتع في هذه البلاد بظل الحرية والاستقلال وأنك عائش تحت سماء العدل والمساواة، لا، فهذه كلها اليوم اسم بلا مسمى، هذه أمور لا تشعر بعدم وجودها إلا متى طلبتها مضطرا، اطلبها إذا وأنا الكفيل بأنك لا تجدها، فأسرج سريعا وألجم إن الشتاء كالح والليل دامس، والطريق وعرة والمسافة بعيدة.
والدهر بالناس قلب
Неизвестная страница