إذا كنت ذا رأي فكن فيه مقدما
فإن فساد الرأي أن تترددا
ومن وجه آخر أود لو راعيت خواطر أعضاء الجمعية التي أنا عضو منها وأجبت سؤلهم، فإن تكلمت استاءوا وإن لم أتكلم استاءت الحقيقة، وهذه هي الورطة التي وقع بها ذاك الخطيب المفوه إسكندر أفندي العازار لما تكلم عن «الجرائد وجرائدنا» في مدينة بيروت فأخذ في البدء يسرد تاريخ الجرائد مبتدئا بالصين ومنتهيا في أوربا، ووقف يتبصر لما اتصل به البحث إلى جرائدنا وحالتنا في تلك المدينة، والموقف يستوجب كثرة التبصر إذ كانت تلكم القاعة غاصة برجال الحكومة وأصحاب الجرائد ونخبة الجواسيس، وكلهم كانوا واقفين للخطيب بالمرصاد يتوقعون منه كلمة واحدة ضد الجرائد أو المكتوبجي ليشوا به ويسعوا بتوقيفه وحبسه فبعد أن تبصر قليلا قال: جرائدنا ... أحسن صبغة للشعر عند عيد عون ... جرائدنا ... أحسن دواء لوجع الرأس عند أبي نحول، جرائدنا ... جرائدنا ... فنهض أحد أصحاب الجرائد في ذاك الثغر وقال له «ما معناك لم لا تتكلم ؟» فأسكته الخطيب إذ قال: «الله يضيق على من يضيق.»
أما نحن فلسنا في بيروت الآن ولسنا محاطين بالوالي والمكتوبجي والجواسيس، ولا توجد فوق رءوسنا أيدي رجال حكومة ظالمة جائرة مستبدة من شأنها الضغط على العقول وتوقيف كل من نطق بالحقيقة وصرح عن أفكاره بحرية وإخلاص. نحن في بلاد طرحت فنمت في ربوعها بزور الحرية منذ نشأتها نحن في جمهورية عظيمة يحق لكل من وطئ أراضيها المباركة أن يتكلم بحرية تامة بشرط أن لا يمس حرية غيره، وهذه الحكومة العادلة قد كفلت لشعبها الحرية بأنواعها كافة: كحرية الأديان وحرية الصحافة وحرية الخطابة وحرية التعليم وحرية العمل. ولعمر الحق هذا أكبر باعث لتقدمها السريع ونشأتها الغريبة، فما لنا إذا ومراعاة الخواطر عند البحث عما يعود بأكبر الفوائد على السوريين في بلادهم وفي المهاجر ... موضوعي التساهل الديني أتريدون أن أتكلم (فجاء الجواب من الجمهور اخطب! تكلم!) - أأتكلم؟ - تكلم، تكلم تكلم! - سأتكلم إذا - وعلى الله الاتكال.
موضوعي في هذه الليلة الحافلة متشعب، الأطراف جليل الشأن جزيل الفوائد ذو أهمية تأثيرها في المجتمع الإنساني لا يقاس ولا يحد، هو الموضوع الذي انقسمت عليه الرجال في الأعصار الغابرة فالمتوسطة حين كان يدافع عنه كل المدافعة العلماء والفلاسفة والأحرار ومحبو البشر الأبرار ويعارضهم - كل المعارضة - الرؤساء والأمراء والملوك وكل من فضل قطعة معدن تدعى خطاء تاجا على ذلك الشيء الخفي السري الإلهي الذي يسمى ضميرا.
تعريف التساهل
التساهل هو التسامح بوجود ما لا يستصوب بتمامه
43
وهذا تحديد كلي، أما الجزئي فهو إجازة العقائد الدينية والطقوس الطائفية التي تخالف الطقوس والعقائد المختصة بالدولة، وهذا تحديد لا يطابق حالتنا ولا يوافق الظروف الحاضرة، فإليكم إذا تحديدا يأتي بالمراد: التساهل الديني هو الاعتبار والاحترام الواجب علينا إظهارهما نحن المذاهب المتمسك بها أبناء جنسنا ولو كانت هذه المذاهب مناقضة لمذاهبنا وتقاليدنا وطقوسنا على خط مستقيم.
يجب علينا أن لا نمكن ما لا يستصوب بتمامه من أن يفرق بيننا ويشتت شملنا ويقسمنا على أنفسنا.
Неизвестная страница