بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم
الْحَمد لله الَّذِي أقسم بالقلم تَفْضِيلًا وتشريفا، واستخدمه من فَوق الطباق السَّبع، فَأَسْمع من أسرى بِهِ إِلَى حَضْرَة الْجمع صريفا، وَعلم الْإِنْسَان مَا لم يعلم، فأحله بذلك محلا شريفا، وَصَرفه فِي كِتَابَة الْوَحْي تصريفا، وَجعله نايب اللِّسَان بَيَانا للأمور الغايبة عَن الْبَيَان وتعريفا، ومقيدا لما يذهب بذهاب الزَّمَان تدوينا وتصنيفا، فلولاه لم ندر شرعا وَلَا تكليفا، وَلَا اجتلينا خَبرا طريفا، وَلَا استطلعنا لعلم تأليفا، سرا غَرِيبا، وَمعنى لطيفا، يحار فِيهِ الْإِدْرَاك، وَإِن لم يكن بليدا كثيفا، ويموج بَحر الِاعْتِبَار، محيطا بذوي الاستبصار مطيفا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي كَيفَ أَسبَاب السَّعَادَة تكييفا، وَهدى بِهِ صراطا قويما، ودينا حَنِيفا، وَجعله أَمينا، كي لَا يستدعى توهم الِاكْتِسَاب لما جَاءَ بِهِ من النُّبُوَّة وَالْكتاب قولا سخيفا، وَمَا أوهم الالتباس بِالْأَمر الشريف كَانَ شريفا. والرضى عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين كتبُوا الْوَحْي بأقلامهم، وجودوا نَقله عَن أعلامهم، لَا يقبل تبديلا، وَلَا تحريفا، وَكفى بذلك، للكتابة وَالْكتاب، فخرا لزيما أليفا، فَأَنِّي، وَمَا أولى أنيتي بالمجاز عِنْد الِاخْتِصَاص بِمَعْرِفَة نَفسِي، والامتياز لما كبح السن عناني، وَعمر التشمير للرحيل عَن الرّبع الْمُحِيل جناني، وَاسْتقر على الزّهْد فِيمَا [يجمع ويؤلف]، ويدون ويصنف شاني، وَإِن عذل العاذل، وَرَغمَ الشاني، بقيت فِي لفتيات الْبَيَان، البديع الْأَثر والعيان، عقايل نظرة، وبقايا هوى لَا يبرح من بعد المشيب عشاق بني عذره،
1 / 17
وغيرة تَدْعُو إِلَى صون مَا مهد لَهُ حجر، وَالْتمس فِي حسن كفَالَته أجر، وتلقى فِي مراودته وصل وهجر، وارتقب لاجتلابه فِي ليل الحبر فَخر. وَإِن كَانَ ذَلِك مِمَّا لَا يحجب، فالغيرة فِيهِ أعجب، وَفِيمَا فَوْقه أوجب، وأنف لرياضة الْأنف أَن يقتطعها الإغفال، ولخزاينه أَن تصدأ فَوق مصاريعها الأقفال، ولجياده الْعتاق، أَن تَلْتَبِس مِنْهَا بالهوادي المشرفة الْأَعْنَاق والأعجاز والأكفال. وعَلى ذَلِك فألفيت عِنْد الافتقاد عقب الرقاد، بدايع الْأَدَب النثر، قد ضَاعَت وتملكتها أَيدي الذهول عَنْهَا، فَوهبت وباعت، بعد مَا أظمأت وأجاعت، وَإِذا فَلم يبْق إِلَّا ثَمَرَات من أوقار عير، وشعرات من جلد بعير، إِذْ كنت قبل الِاعْتِمَاد من الدولة النصرية، بالمشاورة والموازرة، والمعاونة والمظاهرة، والحرص على خدمتها، بوظيفة الأقلام والمثابرة، إِذْ الْعُمر جَدِيد، وظل النشاط مديد، أكل مسوداتها المجتلبة، إِلَى حفظ الكتبة، وأرمى بعقودها البذخة، إِلَى الأنامل المنتسخة، مشتغلا عَن الشَّيْء بِمَا يتلوه، غافلا عَن منحطه بالغرض الَّذِي يعلوه. وَالْولد فِي الْغَالِب المختبر، لَا يقدر قدره إِلَّا مَعَ الْكبر، فَلَمَّا بت بهمه، وتقت إِلَى جمعه وضمه، وتوهمت الثراء بجمه، راعني صفور نَادِيه وَقد عَادَته عواديه، ونضوب واديه، من بعد إمداد غواديه، وانخفاض نَادِيه وصمات مناديه، بعد حذق شاديه، والتقاء حاضره وباديه. فأدميت الأنامل ندما، أَن صَار وجوده عدما، إِلَّا وَرَقَات تشبثت بِمَا أسأرته الْحَادِثَة على الدولة من سقط الْمَتَاع، وشلو مختلس من براثن سِبَاع. سميته عِنْد الِاسْتِقْرَار بِمَدِينَة سلا حرسها الله، وَقد اخترتها موادعا لفرق الدَّهْر، مُتَمَتِّعا بصبابة الْعُمر " كناسَة الدّكان بعد انْتِقَال السكان " وأضفت إِلَيْهِ من بعد مَا خبأته وجادة، أَو ذخرته استجادة،
1 / 18
وَمَا استلحق من بعد الأوبة، وَبعد أَن أظهر الدَّهْر التَّوْبَة، وَلَو سلم جمه، لزخر يمه بِمَا يلْزم حَمده أَو ذمه، وَيتَوَجَّهُ إِلَى الإجادة أَو ضدها مامه، فالإكثار مَظَنَّة السقط، وطرق السَّهْو والغلط، من لَوَازِم اللَّغط، إِذْ كنت قد تعدد عَن الدولة النصرية إملاءي، وَتردد فِي مناضلة أضدادها ومجاملة أولى ودادها، إمراري وإحلاءي مِمَّا تنوء مَفَاتِيح كنوزه، بالعصبة أولى الْقُوَّة، وتضيق منصات محافله عَن مَوَاقِف عقايله المجلوة. فرضيت مِنْهَا بِمَا حضر مُضْطَرّا، وقنعت بِالَّذِي تيَسّر، إِذْ أَصبَحت قانعا معترا، وأثبته فِي الأوراق من بعد الِافْتِرَاق حفيا [برا]، وَإِن لم أكن بِهِ مغترا. وأنى لمثلي من بعد الْبيَاض بأزهار الرياض، وعَلى مُشَاورَة الارتياض، بارتشاف تِلْكَ الْحِيَاض. فقد كَانَ أولى بى الإضراب عَمَّا زوره السراب، والاقتراب إِلَى من تنَال بِقُرْبِهِ الأراب، قبل أَن يستأثر بعده الْجَوَارِح المعارة التُّرَاب، والإطلال على الطية والإشراف، وخلط الِافْتِرَاق بالاعتراف، والسداد بالإسراف، فجَاء مَوْضُوعه ميدان أغراض، وموقف نزاع وتراض، كم تضمن من مثير اعْتِبَار، ومشير إِلَى أَخْبَار، وذم للدهر جَبَّار، وضراعة جَبَّار، وظفر صبار، وَأمر كبار، وآداب تستفز السَّامع، وتشنف دررها المسامع. فَسئلَ الَّذِي حرك بِهِ عذبة اللِّسَان، أَن يتغمد سَيِّئَة بِالْإِحْسَانِ، وَالَّذِي بَث داعيتها فِي الْجنان، المغرى بدلالتها خدمَة الْبَيَان، أَن يكن
1 / 19
على نكيرها بعادة الامتنان، فعلى فَضله تقف الآمال، وبهدايته تستقيم الْأَقْوَال والأعمال [وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي إِلَّا لَهُ الْكَمَال] .
وسميته، لتنوع بساتينه المشوقة، وتعدد أفانينه المعشوقة " رَيْحَانَة الْكتاب ونجعة المنتاب ". وقسمته إِلَى حمدلة ديوَان، وتهنئة إخْوَان، وتعزية فِي حَرْب للدهر عوان، [وأغراض ألوان]، وفتوح يجليها السلوان، ومخاطبات إخْوَان، ومقامات آنق من شعب بوان، وَغير ذَلِك من أغراض ألوان، صنْوَان وَغير صنْوَان. والآن فلنأت بِمَا وعدت، وَنحل عقال مَا اقتعدت، وتتنوع أغراض هَذَا الريحان المنتشق، الذكية العبق، إِلَى تحميد ثَبت فِي [صُدُور] بعض مَا ينْسب إِلَى من المصنفات، وَمَا ألفى من الصَّدقَات والبيعات، ثمَّ إِلَى كتب الفتوحات، ثمَّ إِلَى التهاني بالمكيفات، ثمَّ إِلَى التعازي عَن النايبات، ثمَّ إِلَى كتب الشُّكْر على الْهَدَايَا الواردات، ثمَّ إِلَى الِاسْتِظْهَار على الْعَدو، واستنجاز العدات، ثمَّ إِلَى كتب الرسائل والشفاعات، ثمَّ إِلَى تَقْرِير المودات، ثمَّ إِلَى جُمْهُور الْأَغْرَاض السلطانيات، ثمَّ إِلَى مُخَاطبَة الرعايا والجهات، ثمَّ إِلَى ظهاير الْأُمَرَاء والولاة، ثمَّ إِلَى مخاطبت بِهِ عَن نَفسِي، أَرْبَاب المناصب الرفيعة والهيئات، وَعَن غَيْرِي من الابناء والأذيال والحرمات، ثمَّ إِلَى جُمْهُور الإخوانيات، ثمَّ إِلَى رسايل الفكاهات والدعابات، ثمَّ إِلَى المقامات فِي الإغراض المختلفات، ثمَّ إِلَى بعض من أَوْصَاف النَّاس فِي الْأَغْرَاض والصلات، ثمَّ إِلَى الزواجر والعظات والمذكرات والموقظات.
1 / 20
(التحميدات الَّتِي صدرت بهَا بعض التواليف المصنفات وَهِي بعض من كل ويسير من جلّ)
ثَبت من ذَلِك فِي صدر الْكتاب [المتعدد الْأَسْفَار] الْمُسَمّى ببستان الدول، الَّذِي أذهبت الْحَادِثَة عينه، وشعثت الكاينة زينه: أما بعد حمد الله، الَّذِي قدر تَدْبِير الْوُجُود، بِمُقْتَضى الْغِنَا الْمَحْض والجود، على حسب مَشِيئَته وَمرَاده، وفاضل بَين ضروبه المتشابهة الأشكال، فِي إقطاع حصص الْكَمَال، كل بِحَسب قبُوله واستعداده، فبدت مزية ناطقه على صامته، وَظهر فضل حيه على جماده، وَأتم على نوعٍ الْإِنْسَان جزيل الْإِحْسَان، لما أَهله بِبَيَان اللِّسَان، لقبُول إلهامه وإمداده، وَخَصه بمزبة الإنافة، لما نصب لَهُ كرْسِي الْخلَافَة بَين عباده، وَأحكم سياسة وَضعه عِنْد اختراع صنعه، فَجعل فكره وَزِير عقله، وَلسَانه ترجمان فُؤَاده، وجبله على الافتقار إِلَى أَبنَاء جنسه، وَالْعجز عَن تنَاول مُؤنَة نَفسه، وَتَحْصِيل مَصَالِحه مَعَ استبداده، فَكَانَ مُضْطَرّا إِلَى التآلف والاجتماع، متمدنا بِحَسب الطباع، لَا يقوم أمره مَعَ انْفِرَاده، ثمَّ ضم نشره براع يحوط سوائمه أَن تتناطح وتتردى، ويحفظ عوايده أَن تتجاوز وتتعدى، ويحمله على مصَالح دُنْيَاهُ ومعاده. فسبحان الْحَكِيم الْعَلِيم، مُقَدّر الشَّيْء قبل إيجاده، الَّذِي لَا معقب لحكمه، وَلَا مُقَدّر لعلمه، وَلَا مفلت عَن معاده.
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي فَضله على الْأَنْبِيَاء برفعة شَأْنه، وعلو مَكَانَهُ، على تَأَخّر زَمَانه، وَقرب ميلاده، وَأثْنى على خلقه وَصِفَاته. وَأقسم بِبَلَدِهِ وحياته، إعلاما بشرف ذَاته وكرم بِلَاده، ووقف على
1 / 21
مظهره [دَرَجَات الْكَمَال]، وَأَبَان بِلِسَانِهِ الْعَرَبِيّ أَحْوَال الْحَرَام والحلال، وأقامه لإِقَامَة قسطاس الْحق والاعتدال، وَرفع عماده، ﷺ، وَبَارك وترحم، من صادع بِاللَّه، أَفَادَ روح الْحَيَاة، الساطعة الإفادة لكل حَيّ، وطوي بِسَاط الْعدوان، بسلطانه الْمَنْصُور الأعوان أَي طي، وَقرر فِي مِلَّته رتب السياسة الإلاهية، فَكَانَ يعلم كل شَيْء، وقابل زخرف الدُّنْيَا باقتصاره واقتصاده. والرضى عَن آله وَأَصْحَابه، وخلفائه، أَلْسِنَة جداله، وسيوف جلاده، المستولين من الْكَمَال الْأَقْصَى، والشرف الَّذِي لَا يُحْصى، على نهاياته وآماده، صَلَاة لَا انْقِضَاء لغاياتها، ورضى لَا نِهَايَة لأعداده، مَا أرسل الْبَرْق سفر جياده، وخطب الطير على أعواده. وَهَذَا الْكتاب انْفَرد بترتيب غَرِيب، لاشْتِمَاله على شجرات عشر، أَولهَا شَجَرَة السُّلْطَان، وَآخِرهَا شَجَرَة الرعايا، واستلزام الْكَلَام فِي أَصْنَاف الموجودات. وتعدد إِلَى مَا يُقَارب ثَلَاثِينَ سفرا، ضَاعَت عِنْد الْحَادِثَة، إِلَّا مَالا عِبْرَة بِهِ.
وَثَبت أَيْضا فِي الْكتاب الْمُسَمّى " بتخليص الذَّهَب "
الْمَرْفُوع إِلَى خزانَة السُّلْطَان [الْمُقَدّس الْمُجَاهِد] أبي الْحجَّاج [ابْن نصر
1 / 22
رَحْمَة الله عَلَيْهِ] . أما بعد حمد الله، الَّذِي قصر وصف الْكَمَال الْمَحْض على ذَاته، وَجعل الألسن تَتَفَاوَت فِي رتب الْبَيَان ودرجاته، وَالثنَاء عَلَيْهِ، بِمَا بِهِ على نَفسه أثنى من أَسْمَائِهِ الْحسنى وَصِفَاته، وَالِاعْتِرَاف بالقصور عَمَّا لَا تُدْرِكهُ قوى الأذهان من كنه سُلْطَانه الْعَظِيم الشَّأْن، فكثيرا مَا كَانَ عجب الْإِنْسَان من آفاته. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، الصادع بآياته، المعجز ببيناته، الَّذِي اصطفاه لحمل أَمَانَته الْعُظْمَى، وحباه بِالْقدرِ الرفيع، وَالْمحل الأسمى، وَالله يعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. والرضى عَن آله وَأَصْحَابه [وأحزابه] نُجُوم الدّين وهداته، وأنصار الْحق وحماته.
وَثَبت أَيْضا فِي الْكتاب الْمُسَمّى " بِجَيْش التوشيح " من تأليفي، وَهُوَ الْمَرْفُوع للسُّلْطَان الْمَذْكُور رَحْمَة الله عَلَيْهِ
الْحَمد لله الَّذِي انْفَرد بالكمال الْمَحْض، فِي ملإ السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَصفا ونعتا، وَلم يخص بالفضائل الذاتية والمواهب اللدنية، بَلَدا وَلَا وقتا، مطلع شمس البلاغة وَالْبَيَان، تتجلى من اخْتِلَاف أغراض اللِّسَان فِي مطالع شَتَّى، وَجعل مَرَاتِب حاملي رايتها، متباينات فِي التمَاس غاياتها، فواصلا ومنبتا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، الَّذِي حَاز الْمجد صرفا، والشرف نعتا، ونال من الْكَمَال البشري، غَايَة لَا تحد بإلى وَلَا حتا، وَخير من ركب وَمَشى، وصاف وشتا صَلَاة يَجْعَلهَا اللِّسَان هجيراه، كَيْفَمَا يتَمَكَّن لَهُ أَو يَتَأَتَّى، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، الَّذين اقتدوا بِهِ هَديا وسمتا، وسلكوا من اتِّبَاعه طَرِيقا، لَا ترى
1 / 23
فِيهَا عوجا وَلَا أمتا، مَا علل الْغَمَام نبتا، وتعاقبت الْأَيَّام أحدا وسبتا، وَمَا وَافق سعى بختا، وآثرت أُمَّهَات القريحة نبتا [ورتبت هَذَا الْكتاب ترتيبا، لَا يخفي أَحْكَامه، وبوبته تبويبا، يسهل فِيهِ مرامه، كلما ذكرت حرفا، قدمت أَرْبَاب الْإِكْثَار، وَأولى الاشتهار، من بعد الِاخْتِيَار، والبراة من عُهْدَة النِّسْبَة، اتهاما للْأَخْبَار. ثمَّ أتيت بِالْمَجْهُولِ مِنْهَا على الْآثَار، حَتَّى كمل على حسب الوسع والاقتدار، فَإِن وَافق الْإِرَادَة، فشكرا لله وحمدا، وَإِن ظهر التَّقْصِير، فخديم استنفد جهدا. وَمن الله نسئل أَن يتغمد الزلل، ويتدارك الْخلَل، ويبلغ من مرضاته الأمل، فَمَا خَابَ لَدَيْهِ من سَأَلَ] .
وَثَبت أَيْضا من تأليفي فِي الْكتاب الْمُسَمّى " باللمحمة البدرية فِي الدولة النصرية "
الْحَمد لله الَّذِي جعل الْأَزْمِنَة كالأفلاك، ودول الْأَمْلَاك، كأنجم الأحلاك، تطلعها من الْمَشَارِق نيرة، وتلعب بهَا مُسْتَقِيمَة أَو متحيرة، ثمَّ تذْهب بهَا غابرة أَو متغيرة، السَّابِق عجل، وطبع الْوُجُود مرتجل، والحي من الْمَوْت وَجل، والدهر لَا معتذر وَلَا خجل، بَيْنَمَا ترى الدست عَظِيم الزحام، والموكب شَدِيد الالتحام، والوزعة تُشِير، والأبواب يقرعها البشير، وَالسُّرُور قد شَمل الْأَهْل والعشير، والأطراف تلثمها الْأَشْرَاف، وَالطَّاعَة يشهرها الِاعْتِرَاف، وَالْأَمْوَال يحوطها الْعدْل، أَو يبيحها الْإِسْرَاف، والرايات تعقد، والأعطيات تنقد، إِذْ رَأَيْت الْأَبْوَاب مهجورة، والدسوت لَا مؤملة، وَلَا مزورة، والحركات قد سكنت، وأيدي الإدالة قد تمكنت، فَكَأَن لم يسمر سامر، وَلَا نهى ناه وَلَا أَمر آمُر. مَا أشبه اللَّيْلَة بالبارحة، والغادية بالرايحة، إِنَّمَا مثل الْحَيَاة الدُّنْيَا، كَمَاء أَنزَلْنَاهُ
1 / 24
من السَّمَاء، فاختلط بِهِ نَبَات الأَرْض، فَأصْبح هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح، فالويل لمن يتْرك حَسَنَة تَنْفَعهُ، أَو ذكرا جميلا يرفعهُ، فَلَقَد عَاشَ عَيْش الْبَهِيمَة النهيمة، وأضاع جَوَاهِر عمره الرفيعة الْقيمَة، فِي السبل غير المستقيمة، وبدد أَمَانَته [سُبْحَانَهُ] فِي المساقط العقيمة. وطوبى لمن عرف الْمصير، وغافص الزَّمن الْقصير، فِي اكْتِسَاب محمدة، تبقى بعده شهابا، وتخليد منقبة، [تبقى بعده] ثَنَاء وثوابا، فالذكر الْجَمِيل كلما تخلد استدعى الرَّحْمَة وطلبها، واستدنى الْمَغْفِرَة واستجلبها. فلمثله فليعمل الْعَامِلُونَ [وغايته فليأمل الآملون] . وَالدَّار الْآخِرَة خير لَو كَانُوا يعلمُونَ.
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي أوضح حقارة الدُّنْيَا عِنْد الله وَبَين، وحد الْبَلَاغ مِنْهَا وَعين، وخفض الْكَلِمَة وَبَين، وَحسن الدَّار الْآخِرَة وزين، وخفض أَمر هَذِه الدَّار الْغرُور وهين، وَقَالَ صلوَات الله عَلَيْهِ، أَكْثرُوا من ذكر هَادِم اللَّذَّات، كَيْلا تتشبث بهَا يَد، ولتنظر نفس مَا قدمت لغد. وَالرِّضَا عَن آله، الَّذين جازوا على ظهر جسرها الْمَمْدُود ومروا، ولقوا الله وهم لم يغتروا، فَكَانُوا إِذا عَاهَدُوا بروا، وَإِذا تليت آيَات الله عَلَيْهِم خروا، وَكَانُوا عِنْد حُدُود الله لَا يبرحون [وبسوى مذاهبه الْبَاقِيَة لَا يفرحون] أُولَئِكَ حزب الله، أَلا إِن حزب الله هم المفلحون.
1 / 25
وَثَبت فِي صدرالرجز المشروح الْمُسَمّى " برقم الْحلَل فِي نظم الدول "
الْحَمد لله الَّذِي ملكه الثَّابِت لَا يدول وعزه الدايم لَا يَزُول، وأحوال مَا سواهُ تحول، وَإِلَيْهِ وَإِن طَال المدا الرُّجُوع، وَبَين يَدَيْهِ المثول، الَّذِي جعل الدُّنْيَا جِسْرًا، عَلَيْهِ للآخرة الْوُصُول، ومتاع الْحَيَاة القصيرة ابتلاء يتعقبه النكير أَو الْقبُول. فمهما طلع فِي دوَل الْأَيَّام شان، أعقبه الأفول، أَو متع فِي أجوايها ضحى تلاه الطفول. وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد، رَسُوله الْمُصْطَفى، وَنعم الرَّسُول، الَّذِي باتباعه يبلغ من رضى الله السول، ويسوغ المأمول. أنصح من بَين قدر الدُّنْيَا، بِمَا كَانَ يفعل وَيَقُول، وغبط بِالآخِرَة الَّتِي فِي مستقرها الأبدي الْحُلُول. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، سيوف دينه، الَّتِي بهَا يصول، إِذا فرقت النصول، وَهُدَاة أمته، وَإِذا تنودى الصَّحِيح الْمَنْقُول [والصريح الْمَعْقُول]، فَإِن الدُّنْيَا ظهر قلق، ومتاع خلق، وسراب مؤتلق. هَذَا يعد الْجَمِيل فيصرع، وَهَذَا يرى الْجدّة، فيتمزق ويتصدع، وَهَذَا يؤم السراب فيخدع، والمعاد الْمُلْتَقى وَالْمجْمَع، وَمن خسر الله فَفِيمَ يطْمع، وَلَا أجلب للاعتبار، من اسْتَطَاعَ الْإِخْبَار، وَلَا أَبَت فِي عضد الاغترار، من الاستبصار، فِي وقايع اللَّيْل وَالنَّهَار، وتحول الْأَحْوَال، وتطور الأطوار.
وَثَبت فِي الْكتاب الْمُسَمّى أَيْضا " بِالسحرِ وَالشعر " من تأليفي مَا نَصه:
الْحَمد لله الَّذِي راش أَجْنِحَة الأفهام بالإمداد والإلهام، فمضت إِلَى أغراضها
1 / 26
مضى السِّهَام، وأنشأت فِي آفَاق الْعُقُول، سحب الخواطر، مَا بَين المخلف والماطر، والصيب والجهام. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، خير الْأَنَام، الَّذِي جعله فِي روض هَذَا الْوُجُود المجود، بسحاب الْجُود زهرَة الكمام، وَختم ديوَان الْأَنْبِيَاء، من دَعوته الحنيفية السمحة بمسكة الختام. وَالرِّضَا عَن آله البررة الْأَعْلَام، أولى النهى والأحلام، مَا قذفت بشهد الْحِكْمَة نحل الأقلام، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا. وَبعد فَإِنِّي لما يسر الله مني للآداب جالي سماتها، وناشر [رممها] بعد مماتها. وصاقل صفحاتها، وَقد محا محاسنها الصدا، بعد بعد المدا، وموضح طريقتها المثلى، وَقد أضحت طرائق قددا، والغاشي لضوء نورها، لعَلي أجد على النَّار هدى. بذلت فِيهَا من كل دن، وَلم أقتصر من [فنون غرايبها] على فن. فَجعلت عقايلها تتزاحم عَليّ، تزاحم الْحور على سَاكن جنَّات الحبور، فقيدت من شواردها بِالْكتاب، مَا لَا تقله ذَوَات الأقتاب، وأتيت بيوتها من الْأَبْوَاب، فَكَانَ مَا قيدته من الْغرَر، وانتقيته من نفايس تِلْكَ الدُّرَر، أناشيد لَو تجسدت للعيون، لكَانَتْ ياقوتا، أَو استطعمت لكَانَتْ للقلوب قوتا. وَلَو ورد الْأَمر فِي الْخَبَر الْمَنْقُول، بِحِفْظ نتايج القرائح [والعقول]، لكَانَتْ على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا. من كل عراقية المنتمى، مترددة بَين الرصافة ومحراب الدمى، مَاء الرافدين على أعطافها يسيل، وسر من رأى، مَا انجلى عَنهُ خدها الأسيل. وشامية تقلبت بَين الْجَابِيَة والبلاط أَي مُنْقَلب. وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل حمدَان فِي حلب. وحجازية ورى لَهَا [فِي الفصاحة] الزند، وتضوع من
1 / 27
أذيالها الشيح والرند. ويمنية تعلمت صنعاء مِنْهَا وشى برودها. وخراسانية غَار سحبان ببرودها، ومصرية ضرب على محاسنها الْفسْطَاط، وَهَاجَرت بِسَبَبِهَا الأنباط، وسكنت مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة حَيْثُ الرِّبَاط. وإفريقية تفرق النُّفُوس لتوقع فراقها. وتغار الشموس عِنْد إشراقها. وغربية حطت لَهَا العصم، وطلعت آياتها من الْمغرب، فبهت الْخصم. وأندلسية لَهَا الشفوف، أولياؤها الكموت، وشهودها الصُّفُوف، وخدورها البنود، وظلالها السيوف، وبيوتها الثغور، وغروسها الْجِهَاد الْمَعْرُوف وَهُوَ على تَرْتِيب مَعْلُوم، وَوصف مَوْسُوم، من الْمَدْح وَمَا يُقَارِبه، والنسيب وَمَا يُنَاسِبه، وَالْوَصْف وَإِن تشعبت مذاهبه، وَالْملح وفيهَا محَاسِن الشَّيْء ومعايبه، وَالْحكم والزهد، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ واجبه، فجَاء تَمَامه نسك، وختامه مسك، ليَكُون أجمع للفكر، وأسهل للذّكر. وَقسمت مَا تضمنه قسمَيْنِ، سحر وَشعر [وَرُبمَا عوجلت بالاستفهام عَن هَذَا الْإِبْهَام، فَنَقُول إِن الشّعْر لَيْسَ فِي أمة من الْأُمَم مَحْصُور، وَلَا على صنف من الْبشر مَقْصُور، وَهُوَ فِيهَا يُوجد الأوايل، ويلفي أَعم من أَن يَشْمَلهُ الْوَزْن المقفى، أَو يخْتَص بِهِ عرُوض يكمل وَزنه فِيهِ ويوفى. فَمن الشّعْر عِنْدهم، الصُّور الممثلة، واللعب المخيلة، وَمَا تأسس على الْمُحَاذَاة، والتخييل ببناه، ككتاب كليلة ودمنة وَمَا فِي مَعْنَاهُ. إِلَّا أَنه فِي سجية الْعَرَب أنهر، وهم بِهِ أشهر. وَلذَلِك يَقُول بعض حكماء الْفرس، الشّعْر حلية اللِّسَان، ومدرجة الْبَيَان، ونظام للْكَلَام، مَفْهُوم غير مَحْظُور ومشترك غير مَقْصُور، إِلَّا أَنه فِي الْعَرَب جوهري، وَفِي الْعَجم صناعي. وَمَتى يخلى الْكَلَام عَن هَذَا الْغَرَض، وَعدل عَن واجبه المفترض، وخاض فِي الْأُمُور الشايعة، والمقدمات الزاهية، وَلم يعدل عَن الْمَشْهُور، فِي مُخَاطبَة الْجُمْهُور، بعد ترك الشّعْر وتعداه، وأفضى بِهِ إِلَى بَاب الْحِكَايَة مداه، وَلكُل مِنْهَا فِي الْكتب المنطقية بَاب يضْبط أُصُوله وَيبين خواصه وفصوله. ثمَّ إِن الْعَرَب لم
1 / 28
تعْتَبر هَذَا التَّنْصِيص، وعممت فَسَمت الشّعْر كل كَلَام يحضرهُ الْوَزْن والقافية، وَيقوم الروي لجنابه مقَام الخافية، وَيخْتَص بِهِ من الأعاريض المتعارفة فروض، وَيقوم بِهِ نظام مَعْرُوف، وَوزن مَفْرُوض. وعددها حَسْبَمَا نقل وأشتهر، خَمْسَة عشر، وَيَقْتَضِي أَكثر من ذَلِك التَّقْسِيم والتفعيل، لَكِن نبا بهم عَن لسانهم المقيل، وَلم يركب منجها القيل، واضطرد على هَذِه الوتيرة الشّعْر، فطما مِنْهُ الْبَحْر الزاخر، وتبعت الأوايل الْأَوَاخِر، وَثبتت فِي ديوانه الوقايع والكواين، والمكارم والمفاخر، وَمَات الْحَيّ، وحيي الْعظم الناخر، فَمَا جنح إِلَى التخييل مِنْهُ والتشبيه، وَحل مَحل الِاسْتِعَارَة بِالْمحل النبيه، لم ينم عَنهُ عرق أَبِيه، وَأغْرقَ فِي بَاب الشّعْر أتم الإغراق، وَكَانَ شعرًا على الْإِطْلَاق. وَمَا قعد عَن دَرَجه، وَلم يعرج على منعرجه، فَهُوَ عِنْدهَا شعر تستحسنه وترتضيه، ويوجبه لساننا ويقتضيه. وَإِذا تقرر هَذَا التَّقْسِيم، وتضوع من روض الْبَيَان النسيم، وبهر الْحق الْوَجْه الوسيم؛ فلنرجع إِلَى غرضي الَّذِي اعتمدته، ومطلبي الَّذِي قصدته. وَلما كَانَ السحر قُوَّة، ظهر فِي النُّفُوس انفعالها، وَاخْتلفت بِحَسب الْوَارِد أحوالها، وتراءى لَهَا فِي صُورَة الْحَقِيقَة خيالها، ويبتدىء فِي هَيْئَة الْوَاجِب مجالها، وَكَانَ الشّعْر يملك مقادتها، ويغلف عَادَتهَا، وينقل هيئتها، ويسهل بعد الاستصعاب جيئتها، ويحملها فِي قده على الشَّيْء وَحده. وَإِذا عضد بِمَا يُنَاسِبه، وتفضى إِلَيْهِ مذاهبه، وقرنت بِهِ الألحان، عظم الْأَثر، وَظَهَرت العبر، فشجع وأقدم؛ وسهر ونوم، وأضحك وأبكى، وَكثير من ذَلِك يحْكى. وَهَذِه قوى سحرية، وَمَعَان بالإصابة إِلَى السحر حريَّة، فَمن الْوَاجِب أَن يُسمى الصِّنْف من الشّعْر، الَّذِي يخلب النُّفُوس ويفزها، وَيسْتَثْنى الأعطاف ويهزها، باسم السحر الَّذِي ظَهرت عَلَيْهِ آثَار طباعه، وَتبين أَنه نوع من أَنْوَاعه. وَمَا قصر عَن هَذِه الْغَايَة القاصية، والمزية الأبية، على المدارك المتعاصية، سمى شعرًا، تخْتَلف أَحْوَاله عِنْد الأعتبار، ويتبين شبهه من النظار.
1 / 29
فَمِنْهُ مَا يلفظ، عِنْدَمَا بِهِ يلفظ، فَلَا يروي وَلَا يحفظ. وَمِنْه مَا يبْعَث بِهِ ويسخر، وَلَا يقتنى وَلَا يدّخر. وَمِنْه اشْتَمَل على لفظ فصيح، وَمعنى صَحِيح، وقافية وَثِيقَة، ومثارة أنيقة، واشتمل على الحكم والأمثال، ومعظم الشّعْر على هَذَا الْمِثَال. وَلكُل قسم بَيت مَشْهُور، وَشَاهد مَذْكُور، وَإِذا قلت شعرًا فعلى هَذِه الْمَقَاصِد المنوية، وَإِذا قلت سحرًا، فالتخصيص والمزية، بِمَعْنى الْأَوْلَوِيَّة. وَظهر بعد اسْتِمْرَار هَذَا التَّرْتِيب، بُرْهَة من نظم هذَيْن السمطين، وَاخْتِيَار هذَيْن النمطين، أَن الْفرق بَينهمَا، كثير الدقة واللطافة، وَأَن الِاخْتِيَار من بَاب القافية، وَأَن التحسين والتقبيح من بَاب الْإِضَافَة، إِذْ أشخاص المحبوبات، تقع بَينهَا وَبَين النُّفُوس الَّتِي تكلّف بهَا، وتتعلق بِسَبَبِهَا، علاقات لَا تدْرك، ومناسبات تعجز عي المدارك عَنْهَا فَتتْرك. وَكَثِيرًا مَا عشق الْعقل من الْجمال لهَذَا السَّبَب، وأخلاق نفوس الْبشر مثار الْعجب. وَتركت الِاخْتِيَار، بعد أَن أشرقت مطالعه، ووكلته لمن يقف عَلَيْهِ أَو يطالعه، فإنني إِذْ أغفلت الِاخْتِيَار، حزت على الأس الْخِيَار، فيظن النَّاظر فِيهِ، بعد تحكيم ذوقه، واستنزال روحانية التَّمْيِيز من فَوْقه، أَن نَظَرِي مُوَافق لنظره، وَأَن أثرى حَذْو أَثَره. ورتبته على الْحُرُوف، ليَكُون أنسب للتَّرْتِيب، وأليق بِالْمَعْنَى العجيب] . فجَاء مجموعا قَلما اتّفق أَو تَأتي، ومصنوعا لَا ترى فِيهِ عوجا وَلَا أمتا، رَيْحَانَة الأنوف الشم، وخبيئة الجيب والكم، لم يَقع غَيْرِي على مِثَاله، وَلَا نسج بِهَذَا الصقع سواي على منواله، وَهَذَا حِين ابتدى. وَالله ولي المرشد، فِي هَذَا الْقَصْد
1 / 30
وَثَبت أَيْضا فِي صدر كتابي الَّذِي يشْتَمل على " تَارِيخ غرناطة " فِي إثني عشر سفرا، مَا نَصه:
[أما بعد حمد الله، الَّذِي أحصى الْخَلَائق عددا، وابتلاهم الْيَوْم لِيَجْزِيَهُم غَدا، وَجعل جيادهم تتسابق فِي ميادين الْآجَال إِلَى مدا، وباين بَينهم فِي الصُّور والأخلاق، والأعمال والأرزاق، فَلَا يَجدونَ عَمَّا قسم محيصا، وَلَا فِيمَا حكم ملتحدا، ووسعهم علمه على تبَاين أفرادهم، وتكاثف أعدادهم، والدا وَولدا، ونسبا وبلدا، ووفاة ومولدا. فَمنهمْ النبيه والخامل، والحالي والعاطل، والعالم وَالْجَاهِل، وَلَا يظلم رَبك أحدا. وَجعل لَهُم الأَرْض ذلولا، يَمْشُونَ فِي مناكبها، ويتخذون من جبالها بُيُوتًا، وَمن متاعها عددا. وَخص بعض أقطارها بمزايا تَدْعُو إِلَى الأغتباط والأعتمار، وتحث على السّكُون والاستقرار، متبوءا فسيحا، وهوءا صَحِيحا، وَمَاء نميرا، وإمتناعا شهيرا، وَرِزْقًا رغدا. فسبحان من جعل التَّفَاضُل فِي المساكن والساكن، وَعرف الْعباد عوارف اللطف، فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن، وَلم يتْرك شَيْئا سدا.
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله، الَّذِي مَلأ الْكَوْن نورا وَهدى، وأوضح سَبِيل الْحق وَقد كَانَ طرايق قددا، أَعلَى الْأَنَام يدا، وأشرف الْخلق ذاتا، وَأكْرمهمْ محتدا، الَّذِي أنْجز الله بِهِ من نصر دينه [الْحق]
1 / 31
موعدا حَتَّى بلغت دَعوته، مَا زوى لَهُ، من هَذَا الْمغرب الْأَقْصَى، فَرفعت بِكُل هضبة معلما، وَبنت بِكُل قلعة مَسْجِدا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا لسماء سنته عمدا، لُيُوث العدا، وغيوث الندى، [مَا أقل ساعد يدا، وَعمر بكر خَالِدا؛ وَمَا صباح بدا، وأورق شدا] . فَإِن الله عز وَجهه، جعل الْكتاب لشوارد الْعلم قيدا، وجوارح اليراع تثير مِنْهُ فِي سهول الرّقاع صيدا. وَلَوْلَا ذَلِك لم يشْعر آتٍ فِي الْخلق بذاهب، وَلَا اتَّصل شَاهد بغايب، فَمَاتَتْ الفضايل بِمَوْت أَهلهَا، وأفلت نجومها، من أعين مجتليها، فَلم يرجع إِلَى خبر ينْقل، وَلَا دَلِيل يعقل، وَلَا سياسة تكتسب، وَلَا أَصَالَة إِلَيْهَا ينتسب؛ فهدى سُبْحَانَهُ وألهم، وَعلم الْإِنْسَان بالقلم علم مَا لم يعلم، حَتَّى ألفينا المراسم بادية، والمراشد هادية، وَالْأَخْبَار منقولة، والأسانيد مَوْصُولَة، والأصولة محررة، والتواريخ مقررة، وَالسير مَذْكُورَة، والْآثَار مآثورة، والفضايل من بعد أَهلهَا بَاقِيَة خالدة، والمآثر ناطقة شاهدة، كَأَن نَهَار الطرس، وليل المداد، ينافسان اللَّيْل وَالنَّهَار، فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد، فمهما طويا شَيْئا، ولعا بنثره، أَو دفنا ذكرا دعوا إِلَى نشره. وَلَو أَن لِسَان الدَّهْر نطق، وَتَأمل هَذِه المناقضة وَتحقّق، لأتي بِمَا شَاءَ من عتب ولوم، وَأنْشد: أعلمهُ الرماية كل يَوْم.
وَلما كَانَ هَذَا الْفَنّ التاريخي فِيهِ مأرب الْبشر، [وداع إِلَى ترك الْأَثر]، ووسيلة إِلَى ضم النثر، يعْرفُونَ بِهِ أنسابهم، وَفِي ذَلِك شرعا وطبعا مَا فِيهِ، ويكتسبون بِهِ عقل التجربة فِي حَال السّكُون والترفيه، ويستدلون بِبَعْض
1 / 32
صفحة فارغة
1 / 33
صفحة فارغة
1 / 34
صفحة فارغة
1 / 35
صفحة فارغة
1 / 36