إِنه قطَع منه مَيدانًا لم يصِلْ إليه الكُمَيْت، ونَقَّي ألفاظَه وهذَّب معانيه فلم يقُل فيه) لو (ولا) ليت (.
وبالجملة فهو في عصره إمام الدب المُقتدَى به، والبليغ الذي لا تُثْمِر أغصانُ الأقلام إلا في رياض آدابه.
ولما قدِم القاهرة أفاض عليَّ لباسَ مودة لم تُبْلَ عهودُها، ألا حبَّذا إخْلاقُها وجديدُها، ووَرّقُ الدنيا خَضِر، وعُود الشباب غَضُّ نَضر، والأدب لم يَعْفُ منارُه، ولم تَخْبُ نارهُ وأنوارُه، لا كاليوم إذ حام قومٌ حول حِماه، فوقعوا في ظُلماتٍ ليس فيها عينُ الحياة، وهو إذ ذاك أستاذ ومَلاذ، تذوق أفهامُنا من موائد فوائده أنواعَ الملاَذّ، فأتْحَفي بطُرَف أشعاره، ونزَّه أحْدقَ فكري في حدائق آثارِه، فأسكر سمْعِي بسُلافةٍ أدارتْها كؤوسُ بيانهِ، وتقلَّدتُ بمذهب البُحْتُرِي في اجْتناءِ الورد من أغصانِه:
واْسمَعْهُ ممَّن قاله تَزْدَدْ بهِ ... عجبًا فحسْن الوْردِ في أغْصانِهِ
طالعتُ له فصلا في ديوانه، الذي سماه) صدح الحمام، في مدح خير الأنام (ذكر فيه نُبذًا من صفاتِه، ومعاهِد أُنْسِه ولَذَّاتِه، ومسارحِ آرام تِربه ولِدَاتِه، وهو) إني لَّما نشأتُ بمكة المُشرّفة، والأماكن التي هي بالجَوْزاء مُمَنْطَقة، وبالثُّرَيَّا مُشَنَّفَة، وكساني الزمانُ قَشيِبَ برُودِه، وطفِقْت أرْفُل ما بين عَقِيق
1 / 28