وذكر في "شرح ذات الشفاء" أنه ﷺ لما بلغ سنتين خرج مع أخيه من الرضاع عبد الله بن حليمة إلى المرعى، وقيل: يلعبان خلف البيت، وذلك بعد ما ذهبت به حليمة إلى أمه آمنة وعادت به خوفًا عليه من وباء مكة ووخمها، فرجعت به حليمة إلى منازلها، فبينما هو يلعب مع أخيه إذ جاء أخوه يشتد فقال: أدركا أخي فقد جاء رجلان فأضجعاه فشقا بطنه، قالت حليمة: فخرجنا حتى انتهينا فوجدناه قائمًا، فقلنا ما لك؟ فقال ﷺ: جاءني رجلان فشقا بطني واستخرجا قلبي قالت حليمة: فقال لي زوجي: أرى الغلام قد عرض فلو رددناه قبل أن يظهر به إلى أمه، قالت حليمة: فرددناه إلى أمه، فقالت ما بالكما، قد كنتما ضنين به وإن لكما شأنًا، فأخبرناها فقالت: أتخوفتما عليه؟ والله إن لابني هذا شأنًا، وأخبرتهما ببعض ما رأت من، وقال أنس ﵁: كنت أرى الخيط في صدره ﷺ وقال ابن عباس ﵄ رجع ﷺ إلى أمه وهو ابن خمس سنين وقال غيره: وهو ابن أربع سنين. وقال الواقدي ست سنين، وفي رواية: أن نفرًا من الحبشة رأوه ﷺ مع حليمة، وكان لهم علم من الكتاب فأرادوا حمله إلى ملكهم، فما زالت بهم حتى تكفوا عنه. وذكر في "شرح ذات الشفاء" أن شق صدره ﷺ تكرر ثلاث مرات: إحداهما عند حليمة، والثانية عند مجيء جبرائيل له بالوحي في غار حراء، والثالثة ليلة الإسراء غسل بماء زمزم، وقيل: تكرر أربع مرات، وقيل: خمس مرات. وأعلم أنه يجب الإيمان بشق صدره ﷺ وإخراج القلب وطرح العلقة منه، وإن كان خارقًا للعادة والقدرة صالحة لذلك والأحاديث فيه مشهورة.
وذكر في "المصابيح" عن قتادة عن أنس ابن مالك، ﵁، أن رسول الله ﷺ حدثهم عن ليلة أسري به: "بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضجعًا إذ أتاني آت، فشق ما بين هذه إلى هذه يعني: من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبه، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانًا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد وفي رواية: ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملئ إيمانًا وحكمة" الحديث وقد سبق الكلام عن وفاة حليمة، والله ﷾ أعلم.
[١٩]
عاتكة عمة النبي ﷺ
بنت عبد المطلب، هي عمة رسول الله ﷺ شقيقة أبيه عبد الله وعمه أبي طالب، والزبير، وعبد الكعبة، وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائد بنت عمران بنت مخزوم، وتزوج عاتكة أبو أمية بن المغيرة، فولدت له عبد الله وزهيرا واختلف في إسلامها، وأشعارها تدل على إسلامها وتصديقها برسالة ابن أخيها ﷺ ومن قولها:
فهلاَّ صبرتم للنبيِّ محمّدٍ ... ببدر، ومن يغشى الوغى حق صابرِ
ولم ترجعوا عن مرهفاتٍ، كأنّها ... حريقٌ بأيدي المؤمنين بواترِ
ووليّتم نفرًا وما البطلُ الذي ... يقاتلُ من وقعِ السيوفِ بنافرِ
أتاكم بما جاءَ النّبيونَ قبلهُ ... وما ابن أخي البرّ الصّدوق بشاعرِ
ومن قولها:
وقلتم، ولم أكذب، كذبتِ، وإنّما ... يكذبني بالصدقِ وهو كاذبُ
فما بالُ قتلى في القليب ومثلهم ... لدى ابن أخي أسرى له ما تضاربُ
أكانوا نساءً أم أتى بنفوسهم ... من الله حين ساقَ والحينُ جالبُ
فكيف رأى عندَ اللّقاءِ محمّدًا ... بنو عمّهِ والحربُ فيها التجاربُ
ألم يغشهم ضربًا يحارُ لوقعهِ ... الجبانُ وتبدو بالنّهارِ الكواكبُ
1 / 40