وذكر في "تاريخ ابن الوردي" أن بين مولد النبي ﷺ وبين رفع عيسى ﵇ خمسمائة وخمسًا وأربعين سنة، وفيه أيضًا أن في سنة أربع وعشرين من ملك كسرى ولد عبد الله أبو النبي ﷺ وولد ﷺ في سنة اثنتين وأربعين من ملك كسرى وعلى هذا يكون سن عبد الله حين تزوج بآمنة ثماني عشرة سنة، وهو مخالف لما ذكر، أنه ولد ﷺ عام الفيل، وولد أبوه قبل الفيل بخمس وعشرين سنة. وذكر في "شرح ذات الشفاء" روى أبو النعيم أنه أتى إلى آمنة آت بعد ستة أشهر من حملها وقال: يا آمنة إنك حملت بخير العالمين، فإذا وضعته فسميه محمدًا، واكتمي شأنك، ولما أخذها الطلق وكانت وحدها رأت كأن طائرًا أبيض مسح فؤادها، فذهب رعبها، وأتيت بشربة بيضاء فتناولتها وغشيتها الأنوار، ورأت نسوة طوالا أحدقن بها فقلن لها: نحن، آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وهؤلاء الحور العين، ورأت ديباجًا أبيض مد بين السماء والأرض، ورجالًا بأيديهم أباريق فضة، وقطعة من الطير أقبلت حتى غطت حجرتها، مناقيرها من الزمرد، وأجنحتها من الياقوت ورأت مشارق الأرض ومغاربها، وعلمًا بالمشرق وعلمًا بالمغرب، وعلمًا على ظهر الكعبة فأخذها النعاس فوضعته ﷺ ساجدًا، رافعًا إصبعيه إلى السماء كالمتضرع، ورأت سحابة بيضاء غشيته، ﷺ ثم ذهب عنها، وسمعت مناديًا يقول: طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها، وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه، ونعته وصورته، ويعلموا أنه ماحي الشرك، ثم تجلت عنه وقد قبض ﷺ على حريرة بيضاء مطوية طيًا شديدًا ينبع منها الماء، وسمعت قائلا يقول: بخ بخٍ قبض محمد على الدنيا كلها، فلم يبق أحد ورأت ثلاثة نفر بيد أحدهم، أبريق فضة، والثاني: طشت من زبرجد خالص، والثالث: حريرة بيضاء، أخرج منها خاتما يحار به الناظرون، فغسله سبع مرات ثم ختم به بين كتفيه ثم احتمله فأدخله بين أجنحته، ثم رده إلى أمه، كذا ذكره في "شرح الهمزية".
وروي عن آمنة أنها قالت: لما أخذني ما يأخذ النساء وإني لوحيدة في المنزل، رأيت نسوة كالنخل طولا، كأنهن من بنات عبد مناف، وفي رواية من بنات عبد المطلب. ما رأيت أضوأ منهن وجوهًا وكأن واحدة منهن تقدمت فاستندت إليها، وأخذني المخاض، واشتد علي الطلق، وكأن واحدة منهن تقدمت إلي وناولتني شربة من الماء فشربت، وقالت الثالثة: ازدادي. فازددت ثم مسحت بيدها على بطني، وقالت: بسم الله اخرج بإذن الله، وقلن لي: نحن آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وهؤلاء من الحور العين. وعن ابن عباس ﵄: أن آمنة سمعت مناديًا ينادي طوفو به مشارق الأرض ومغاربها، وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته، وفي رواية: أنها رأت سحابة عظيمة لها نور، سمعت فيها صهيل الخيل، وخفقان الأجنحة، وكلام الرجال أقبلت فغشيته ﷺ وغيب عنها فسمعت مناديًا ينادي: طوفوا بمحمد مشارق الأرض ومغاربها واعرضوه على كل روحاني من الجن والإنس والملائكة والطيور والوحوش.
وعن عبد المطلب قال: كنت في الكعبة فرأيت الأصنام سقطت وخرت سجدًا، وسمعت صوتًا من جدار الكعبة يقول: ولد المصطفى المختار الذي تهلك بيده الكفار ويطهر من عبادة الأصنام، ويأمر بعبادة الملك السلام.
وأخرج أبو نعيم حديث الشفاء، أم عبد الرحمن، قالت: لما ولد ﷺ وقع على يديه، فاستهل فسمعت قائلًا يقول: رحمك الله ورحم بك، فقالت: فأضاء لي ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى بعض قصور الروم، ثم أضجعته، فلم أنشب أن غشيتني ظلمة ورعب وقشعريرة، ثم أسفر عن يميني، وسمعت قائلًا يقول: أين ذهبت به؟ قال: إلى المغرب، وأسفر ذلك عني، ثم عاودني عن يساري فسمعت قائلًا يقول: أين ذهبت به؟ قال: إلى المشرق، قالت: فلم يزل الحديث مني على بال حتى ابتعثه الله، فكنت في أول الناس إسلامًا. وروي عن آمنة أنها قالت: رأيت كأن شهابًا خرج مني.
1 / 29