الْمُسلمين يحفزهم حرصهم على حفظ الْقُرْآن إِلَى كِتَابَته فِي حَيَاة النَّبِي ﷺ.
وَلما كَانَت أَيَّام الْخَلِيفَة ﵁ أحب أَن يدون فِي التَّارِيخ كتاب، فاستقدم عبيد بن شرية الجرهمي من صنعاء فَكتب لَهُ كتاب "الْمُلُوك وأخبار الماضين"، وَبعد ذَلِك أَخذ أَكثر من وَاحِد من الْعلمَاء يتجهون إِلَى علم التَّارِيخ من ناحيته الْخَاصَّة لَا الْعَامَّة، وَهِي سيرة الرَّسُول ﷺ، ولعلهم وجدوا فِي تدوين مَا يتَعَلَّق بِهِ ﵊ شَيْئا يُحَقّق مَا فِي أنفسهم من تعلق بِهِ، وَحب لتخليد آثاره، بعد أَن منعُوا من تدوين أَحَادِيثه إِلَى أَيَّام الْخَلِيفَة الرَّاشِدِي الْخَامِس عمر بن عبد الْعَزِيز ١ ﵁ خافة أَن يخْتَلط الحَدِيث بِالْقُرْآنِ، فجَاء أَكثر من رجل كلهم مُحدث، فدونوا فِي السِّيرَة كتبا. نذْكر مِنْهُم: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْفَقِيه الْمُحدث الَّذِي مكنه نسبه من قبل أَبِيه الزبير، وَأمه أَسمَاء بنت أبي بكر أَن يروي الْكثير من الْأَخْبَار وَالْأَحَادِيث عَن النَّبِي ﷺ وحياة صدر الْإِسْلَام.
وحسبك أَن تعلم أَن ابْن إِسْحَاق والواقدي والطبري، أَكْثرُوا من الْأَخْذ عَن عُرْوَة ﵁ وَلَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَة وَالْمَدينَة، وغزوة بدر إِلَى غير ذَلِك. وَلِهَذَا كَانَ ابْن إِسْحَاق من أَوَائِل من كتب كتابا فِي السِّيرَة، وَلذَلِك اعْتَبرهُ الْعلمَاء شيخ رجال السِّيرَة.
أضف إِلَى ذَلِك أَن سيرة ابْن إِسْحَاق ت: ١٥١هـ كَانَت مقسمة إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء:
- الْمُبْتَدَأ، ويتناول التَّارِيخ الجاهلي.
- المبعث، ويتناول حَيَاة النَّبِي ﷺ فِي مَكَّة وَالْهجْرَة.
_________
١ ذكر الْحَافِظ ابْن حجر ﵀ فِي "فتح الْبَارِي" ١/ ٢٠٤ فِي شَرحه قَول الْخَلِيفَة عمر بن عبد الْعَزِيز لأبي بكر بن حزم: "انْظُر مَا كَانَ من حَدِيث رَسُول الله ﷺ فاكتبه".
وَقَالَ الْحَافِظ فِي مَوضِع آخر من "فتح الْبَارِي" ١/ ٢١٨: "أول من دون الحَدِيث ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ على رَأس الْمِائَة بِأَمْر الْخَلِيفَة عمر بن عبد الْعَزِيز، ثمَّ كثر التدوين، ثمَّ التصنيف، وَحصل بذلك خير كثير، فَللَّه الْحَمد".
1 / 6