[12_2]
شنف أسماعنا بديوان البحتري وأبي تمام. فأجثو بيد يديه، وأقرأ ما تيسر منهم عليه. وكنت أرى منه ما يبهر العقول، ويوقف الفحول، في تقرير الأدب، وتعريف أيام العرب. يحرضني على تحصيل المعارف، واقتناء اللطائف. ومطالعة الكتب والدواوين، لكون ذلك سيرة آبائه الغر الميامين.
هذا وأيامه كلها أعياد ومواسم، وأوقاته بأجمعها ثغور بواسم. قد انقادت الدنيا لديه، وأقبلت بكليها عليه. مع كثرة خدم، وتضاعف حشم. وتعدد أولاد وذراري، ووفرة غلمان وجواري. ولم تشغله عن مجده، او تؤخره عن رشده. قد اتخذ الفضل صناعة، وصحبة الكمل خير بضاعة. فله على بهذا حقوق، لم تقبل العقوق. جزاه الله عنا خير الجزاء الجسيم، في جنان الخلد والنعيم.
فمن جملة آثاره، والسكر المكرر من نثاره، قوله يمدح شيخ الإسلام فيض الله:
خد تورد بارتشاف الأكؤس ... فرنت لواحظه بطرف أنعس
أم ذا احمرار بان في وجناته ... وأظن أورثه لهيب تنفسي
أم ذا شقيق الحسن أحمر ساطع ... أوراقه آس العذار المغرس
أم غادة حسرت قناع جمالها ... فبدت بواتر لحظها المتنكس
قد زادها عجبا رحيق شبابها ... فغدت تقابلنا بثغر ألعس
هيفاء قد لعب الجمال بعطفها ... وكساها تاج الحسن أفخر ملبس
لاشك طرتها الأصيل وفرقها ... صبح تبلج عن ظلام مغلس
أو روضة عبث النسيم بزهرها ... وكساها وقع الطل حلة سندس
فبدت بها الأشجار شبه عرائس ... تحكي ببهجتها الجواري الكنس
رقصت بلابلها على أغصانها ... طربا لبهجة وردها المتورس
فالياسمين معانق قضبانها ... قد قلدته حمائلا من سندس
أما الشقيق فشققت أطواقه ... والخال في فيه كمسك أنفس
Страница 12