قال أحمد: إن العالم العلوى دائم التأثير فى الإنسان وواصل بسمته، أعنى الإنسان، عند موته إلى الفلك،. فلا يزال الوصول حتى يرجع ما خرج من العالم العلوى إلى موضعه الجزء بعد الجزء؛ ولست أقول إن كل ما وصل إلى الفلك واصل إلى عالم العوالم، بل يصل الصفو دون الشوائب.
قال أفلاطون: وأحدثت الطبيعة فيها أعضاء التناسل — إلى أن قال: وإن كان به الفعل الخسيس الطبيعى فإنه يولد ما يحدث منه.
قال أحمد: يقول إن هذا العضو من أحداث الطبيعة؛ ويقول إنه وإن كان بهذا العضو الفعل الرذل الطبيعى فإنه يتولد به الحيوان الذى يحدث منه القوى إلى العلو، فيكون أحد الأسباب المؤدية إلى المراد.
قال أفلاطون: وسكن الموضع الأرفع وأبعد النفس حتى أقامه فى المعاطف فى عضو نفيس كالشعلة أقامها على تدبير مخلص بها — إلى أن قال: فالطبيعة أيضا تحتال.
قال أحمد: الموضع الأرفع الدماغ مسكن العقل؛ وإنه لما صار الدماغ مسكن العقل صار القلب مسكن النفس، والقلب كما ذكر الفيلسوف على صورة الشعلة مستغلظة الأسفل مستدقة الأعلى، والدم يحويه أيضا على هذه الصورة؛ فأقام العقل فى هذا العضو مدبرا للنفس معينا لها على التخلص. وقوله: إن الطبيعة تحتال فالطبيعة محتاجة تطلب النفس وتتشبث بها وتحتال فيما تستمكن به منها. فكل أثر يكون من الإنسان يشاكل العقل فإنه معين للنفس على التخلص، وما شاكل الطبيعة فإنه يزيد فى الانغماس.
قال أفلاطون: وتستفعل النفس الطبيعة، فما ضعف انقاد.
قال أحمد: كما يدبر العقل التدبيرات فى خلاص النفس، كذلك تحتال الطبيعة فى التشبث بها. وإن كان غير مستحكم القوة أو كان قريب العهد بالخلاص من الطبيعة الحاسية فإن الطبيعة يستفعلها الفعل المشاكل لتقوى بها على الربط.
قال أفلاطون: ودبر المدبر الحيوان بأن جعله متصلا بالعالم العلوى ليكون الحادث منه.
Страница 212