قال أحمد: بالحق قالت الأطباء إن الحياة بالرطوبة، والموت باليبس، لأنه متى ما وجد فينا الجزء الرطب معتدلا فإنه يستحيل من النفس مفارقة الجسد كما قد أخبر به. الفيلسوف. إلا أنى أقول إن فراق النفس الجسد بغلبة الرطوبة. بلى! قد يكون ذلك إذا غلب حتى يسد المسام ويغلب على الأضداد فتقبل النفس منها فى أوان مجاذبتها لأضدادها واشتغالها عن الضبط.
قال أفلاطون: فلما ارتبطت بالجسم السيال وعسر عليها المفارقة حدث التجبل.
قال أحمد: إن الأنفس لما مكثت مداخلة الطبيعة بطلت مفارقتها وتشبثت الطبيعة بها — حدث عن ذلك بهذه المجاذبات الحيوان.
قال أفلاطون: وكان التجبل حينئذ؛ وإن كانت النفس المخالطة تجرى على غير سداد لتكامل فساد الطبيعة.
قال أحمد: يقول إن الحيوان الذى تجبل قبل لم يثبت إلا القليل، إذ كان فساد الطبيعة لا يكاد يقيمه، ولأن البنية لم تكن على سداد.
قال أفلاطون: وكان من هيئة التجبل أن تكون فى أجسام مستديرة مأخوذة شكلها من الشىء السريع الحركة المشتاق بعضه إلى بعض.
قال أحمد: إن فيما يزعم الأوائل أن التجبل كان فى البدء أجراما مستديرة فكانت لا تكاد تثبت لعدمها المثبتة لها كالأعضاء المغذية والمنفسة. أعنى بالسريع الحركة الفلك، والمشتاق بعضه إلى بعض، فهو قول مجاز مشهور فى اليونانيين: تصوروا فى أوهامهم أن الفلك إنما سرعته فى الدوران لطلب الجزء منه ما يليه فالكل طالب لا يدرك، وذلك كثير فى كلام الشعراء. قال أوميرس الشاعر: «طلبتك طلب الأفق للأفق» — يعنى به أفق السماء.
Страница 210