-تعالى-على عرشه بائن مِنْ خلقه كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله، بلا كَيْفٍ، أحاط بكل شيء علما ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ .
وقد ذكرتم أن بعض السلف قال بخلق القرآن، كابن المديني، فلا شك أن ابن المديني، وابن معين وغيرهما من أئمة الحديث أجابوا في المحنة كرها، واعتذروا بالإكراه لمّا عاب عليهم الأئمة، وهجرهم الإمام أحمد، ولم يعذرهم.
واحتج عليه ابن معين بعمار ﵁ حين أكرهه أهل مكة على كلام الكفر، ورد عليه أحمد بأن قال: إن عمارا ضُرِب، وأنتم قيل لكم: نريد أن نضربكم. ومن المعلوم أنه لم يثبت في المحنة إلا القليل، والأكثرون أجابوا مُكرَهين.
ومَن نسب القول بذلك إلى ابن المديني، أو غيره مِن أهل الحديث بعد تصريحهم بأنهم إنما أجابوا كرها فقد قال ما لا يعلم، ونسب إليهم ما هم براء منه. وذكرتم أن ابن علية قال بذلك، فهذا لا يُنكَر، وابن علية معروف عند أهل السنة بالبدعة، وكلام الأئمة في ذمه كثير، والبخاري وإن روى عنه، فهو عنده من أهل البدع.
وقد روى البخاري عن غيره من أهل البدع، لأن الرجل إذا عُرِفَ منه الصدق والإتقان لما روى، جازت الروايةعنه، ولا يخرجه ذلك عن كونه مبتدعا. قال البيهقي في "مناقبه": ذكر الشافعي إبراهيم بن علية فقال: أنا مخالف له في كل شيء، وفي قول لا إله إلا الله، لست أقول كما يقول، أنا أقول: لا إله إلا الله الذي كلم موسى من وراء حجاب، وذلك يقول: لا إله إلا الله الذي خلق كلاما ما أسمعه موسى من وراء حجاب.
وأما قولكم: إن الصواب في هذه المسألة الوقف، وإنه هو اعتقادكم، لا تقولون: مخلوق، ولا غير مخلوق.
فمضمون هذه المقالة أن الله يحب منا أن نقف موقف الحيارى الشاكين، ونبقى في الجهل البسيط، لا نعرف الحق
1 / 104