قلت: إن هذه الأسباب كلها كانت من أشد العوامل التي حملت البطرك بولس على تسفيه فعلة سلفه الحبيشي ... فالقول إذن بأن «الذي فعله الحبيشي في ذلك الزمان كان واجبا دينيا رعائيا» إنما هو قول نعرف قيمته، فلا يجوز حشره في مثل هذه المناسبة؛ لئلا يحمل الناس على الاعتقاد بأنه كان رأي مسعد العظيم.
الشهيد هو أسعد وحده
ربما أننا ننصف الناس وننصف التاريخ أيضا، فمن الواجب أن نتحفظ في الحكم على أبي الفارياق وجده اللذين جعلتهما مع أخيه أسعد «شهداء حرية الفكر والميل (ص3، عمود 3)»، فأبوه «يوسف» وجده «منصور» كانا، ولا سيما الأب، فرسي رهان في «المرونة» السياسية. وقد جارى يوسف معظم الشهابيين المتزاحمين يومئذ على كرسي العبودية والاستعباد. وفي سنة واحدة (1804)، لعب على حبلين متعاكسين ... وإذا كان شهيد حقيقي في بني الشدياق، بل في جبل لبنان، وإذا كان من لبناني شرف وطنه وأمته العربية بتسجيل اسميهما في تاريخ البلدان والأمم الحية التي تنجب شهداء حرية الفكر؛ فذلك اللبناني الشريف الذي ينحني أمام ذكراه كل شريف إنما هو أسعد؛ أسعد القديس الطوباوي الخالد. وأما أبوه وأما جده فكانا في السياسة وتمشية الحال شاطرين، وقد فعلا ما فعله مواطنوهما في عصرهما والناس على دين ملوكهم.
على الهامش
أولا:
طنوس الشدياق لم يكن قاضي النصارى عندما بعث إليه أخوه الفارياق من لندرة برسالة يعنفه بها؛ لأنه لم يذكر مناقب أخيه أسعد في تاريخه، ولم يكن قاضيا على الإطلاق. ومن المستغرب أنه لم يشتغل في القضاء مع أنه اشتغل في كل شيء.
ثانيا:
إن تاريخ الرسالة التي كتبها الفارياق من مالطة في 8 محرم 1255 يوافق 3 نيسان 1839، على ذمة تقويم البشير.
وتكرارا أبثك شوقي وإجلالي وشكري يا شيخ الأدباء، وسيد المنصفين الأوفياء، راجيا أن ينصفك بنو قومك في حياتك، التي أتمنى طولها وازدهارها وتوفيقها من صميم القلب.
أخوك المخلص يوسف إبراهيم يزبك
Неизвестная страница