ومجلس اللوردات ومجلس النواب هما حكما الأمة، والملك هو الحكم الثالث، وكان هذا التوازن يعوز الرومان، فالكبراء والدهماء في رومة كانوا منقسمين دائما، وذلك من غير وجود سلطة فاصلة توفق بين الفريقين، وكان سنات رومة الذي هو من الزهو الجائر وعدم الإنصاف ما لا يريد معه أن يقاسمه العوام شيئا، لا يعرف وسيلة، لإقصائهم عن الحكومة غير شغلهم بالحروب الخارجية، وكان يعد الشعب وحشا ضاريا يجب إطلاقه على الجيران خشية أن يفترس سادته، وهكذا فإن أكبر عيب في حكومة الرومان جعل من الشعب فاتحين، وذلك أنهم صاروا سادة العالم لأنهم كانوا تعساء، وذلك إلى أن غدوا عبيدا بفعل انقساماتهم.
ولم تخلق حكومة إنكلترة لمثل هذه الضجة العظيمة ولا لمثل هذه الغاية المشئومة، ولا يتجلى هدفها في حماقة القيام بفتوح مطلقا، بل في منع جيرانها من هذا، وليس هذا الشعب حريصا على حريته وحدها، بل على حرية الشعوب الأخرى، وقد استشرى الإنكليز ضد لويس الرابع عشر لما رأوا من طموحه، فحاربوه بصدر رحيب غير مبتغين لأنفسهم نفعا لا ريب.
أجل، كلف قيام الحرية في إنكلترة ثمنا غاليا، ولم يغرق طاغوتها الاستبدادي في غير بحار من الدماء، بيد أن الإنكليز لا يرون أن ما نالوا من قوانين صالحة كان بثمن غال، أجل، لم تعرف الأمم الأخرى اضطرابات أقل مما أراق الإنكليز، بيد أن هذه الدماء التي سفكتها في سبيل حريتها لم تؤد إلى غير توطيد عبوديتها.
وما يكون ثورة في إنكلترة يعد شغبا في البلدان الأخرى، فالمدينة في إسبانية أو المغرب أو تركية إذا ما حملت السلاح للدفاع عن امتيازاتها لم تلبث أن تقهر من قبل جنود من المرتزقة ولم تلبث أن تعاقب من قبل جلادين، وأما بقية الأمة فترسف في قيودها. ويرى الفرنسيون أن حكومة هذه الجزيرة
1
أكثر هياجا من البحر الذي يحيط بها، وهذا صحيح، ولكن هذا يكون عندما يبدأ الملك العاصفة، ولكن هذا يكون عندما يريد أن يصير سيدا للمركب الذي ليس له غير ربانه الأول. أجل، كانت الحروب الأهلية في فرنسة أطول أمدا وأشد قسوة وأكثر إجراما من حروب إنكلترة الأهلية، بيد أنك لا ترى أية واحدة من جميع تلك الحروب الأهلية كانت تهدف إلى حرية حكيمة.
وإذا ما نظر أيام شارل التاسع وهنري الثالث وجد أن الأمر كان يدور حول معرفة إمكان تحول الناس إلى عبيد لآل الغيز، وإذا ما نظر إلى حرب باريس الأخيرة وجد أنها لا تستحق غير صفير، ويلوح لي أني أبصر طلبة يتمردون على مدير المدرسة، فينتهي أمرهم بالجلد، وكان كردينال ريتز يأتمر مؤذيا للأذى نفسه فيلوح أنه يشهر حربا ليقر عينا، وذلك مع كثير كياسة وسوء استعمال بسالة، ومع تمرد بلا موضوع، ومع كونه عاصيا بلا هدف، ومع كونه رئيسا لحزب بلا جيش، وكان البرلمان لا يعرف ما يريد ولا ما لا يريد، وكان يجمع كتائب بقرار، وكان يحطمها، وكان يهدد، ويطلب العفو، وكان يضع مكافأة لمن يقتل مازاران، ثم يثني عليه في احتفال، وكانت حروبنا الأهلية في عهد شارل السادس قاسية، وكانت حروب الحلف كريهة، وكانت حرب المقلاع مثيرة للسخرية.
وأكثر ما يلام عليه الإنكليز في فرنسة هو تنكيلهم بشارل الأول الذي عامله قاهروه بمثل ما كانوا يعاملونه به لو قضى حياة سعيدة.
ومهما يكن من أمر فانظروا من ناحية إلى شارل الأول المغلوب في معركة بين جيشين نظاميين، والذي أسر وحوكم وحكم عليه في وستمنستر. وانظروا - من ناحية أخرى - إلى الإمبراطور هنري السابع الذي سم من قبل كاهنه وهو يتناول القربان، وإلى هنري الثالث الذي قتل من قبل راهب في سورة غضب، وإلى ثلاثين حادث اغتيال حيال هنري الرابع نفذ كثير منها، فحرمت بآخرها فرنسة هذا الملك العظيم، ثم فكروا في هذه الاعتداءات واحكموا فيها.
الرسالة التاسعة
Неизвестная страница