وكانت الكنيسة الأنغليكانية تعد الكونت هارلي الأكسفوردي واللورد بولنغبروك مدافعين عن امتيازاتها المقدسة منذ جعلا الناس يشربون نخب المحافظين، وكان يوجد لمجلس الإكليروس الأدنى، الذي هو مجلس نواب مؤلف من رجال الدين كما يمكن أن يحسب، بعض الاعتبار في ذلك الحين، فقد كان يتمتع على الأقل بحرية الاجتماع وإقامة البرهان، وإحراق بعض كتب الإلحاد حينا بعد حين؛ أي الكتب المخالفة له، ولا تسمح وزارة الأحرار، القابضة على زمام الأمور في الوقت الحاضر لهؤلاء السادة بعقد جلساتهم، فتراهم مقصورين في ظلماء خورنيتهم على القيام بالدعاء إلى الرب أن يؤيد الحكومة التي لا يغيظهم اضطراب أمرها، وأما الأساقفة البالغ عددهم ستة وعشرين، فلهم مقاعد في المجلس الأعلى على الرغم من الأحرار؛ وذلك لبقاء سوء الاستعمال القديم الذي يعدون به بارونات، ولكنهم عادة لا يكون لهم في المجلس مثل سلطان الدوكات والأمراء في برلمان باريس، وتوجد في اليمين التي تؤدى إلى الدولة فقرة يختبر بها صبر هؤلاء السادة النصراني.
ففيها يوعد بالانتساب إلى الكنيسة كما نص عليه القانون، ولا يوجد أسقف ولا عميد ولا رئيس قسوس لا يرى أمره من حق إلهي؛ ولذا يكون من الإهانة لهم أن يحملوا على الاعتراف بأنهم يستمدون كل أمر من قانون رذيل وضعه علمانيون مدنسون للقدسيات، ومما وقع منذ زمن قليل أن وضع قسيس (الأب كورايه) كتابا لإثبات صحة المراتب الأنغليكانية وترادفها، وقد قضي بإتلاف هذا الكتاب في فرنسة، ولكن هل ترون أنه راق الوزارة الإنكليزية؟ كلا، فمما لا يبالي به هؤلاء الأحرار الملعونون كون تتابع الأساقفة قد قطع عندهم أو لا، وكون الأسقف باركر قد سيم في حانة - كما يراد - أو في كنيسة، وإنما يؤثرون أن ينال الأساقفة سلطانهم من البرلمان على نيله من الرسل، ويقول اللورد ب ... إن مبدأ الحق الإلهي هذا لا ينفع لغير صنع طغاة لابسين حللا إكليروسية مع أن القانون يصنع مواطنين.
وأما من حيث الخصال فالإكليروس الأنغليكاني أكثر انتظاما من الإكليروس الفرنسي، وعلة ذلك أنهم ينشئون في جامعة أكسفورد أو في جامعة كنبردج بعيدين من فساد العاصمة، وأنهم لا يدعون إلى مناصب الكنيسة إلا بعد مرور زمن وفي سن لا يكون لدى الإنسان من الأهواء فيها غير الطمع، وذلك حين يعوز الزاد طموحهم، فالوظائف هنا تكون مكافأة على خدم طويلة في الكنيسة كما في الجيش، فلا يرى وقت الخروج من الكلية أساقفة شبان ولا زعماء في الجيش فتيان، وإلى هذا أضف كون القسوس متزوجين، وما يتعود في الجامعة من ألطاف سيئة وما يكون من قلة مصاحبة للنساء فيها يحمل الأسقف، عادة، على الاكتفاء بامرأته، ويذهب القسوس إلى الحانة أحيانا؛ وذلك لأن العرف يبيح لهم هذا، وهم إذا ما سكروا كان هذا برصانة ومن غير فضيحة.
ولا عهد لإنكلترة بذلك المخلوق المستغلق الذي ليس إكليروسيا ولا زمنيا، والذي يدعى أبا روحيا، فجميع رجال الدين في إنكلترة متحفظون، وكلهم متحذلقون، وهم إذا ما علموا وجود شباب في فرنسة عرفوا بالفجور وارتقوا إلى الحبرية بمكايد النساء فيقومون بأمور الغرام جهرا، وأنهم يبتهجون بتأليف أناشيد ناعمة، وأنهم يقيمون في كل يوم ولائم عشاء لذيذة طويلة، وأنهم يذهبون من هنالك لالتماس الأنوار من الروح القدس، وأنهم يكونون من الوقاحة ما يتسمون معه بورثة الرسل، حمدوا الله على بروتستانيتهم، بيد أنهم ملاحدة خبثاء يستحقون أن يحرقوا مع الشيطان كما قال المعلم فرنسوا رابله؛ ولذا فإنني لا أعنى بأمورهم.
الرسالة السادسة
حول البرسبيتاريين
لا تنتشر الديانة الأنغليكانية في غير إنكلترة وأيرلندا، والبرسبيتارية هي الديانة السائدة لاسكتلندة، وليست هذه البرسبيتارية شيئا غير الكلفينية الخالصة، وذلك كما كانت قد أقيمت في فرنسة وكما هي الآن في جنيف، وبما أن قساوسة هذه الفرقة لا ينالون من كنائسهم غير رواتب زهيدة جدا؛ ومن ثم لا يستطيعون العيش بمثل ترف الأساقفة؛ فإن من الطبيعي أن يرفعوا عقيرتهم حيال المراتب السنية التي لا يستطيعون الارتقاء إليها، وتمثلوا المختال ذيوجانس الذي كان يزدري خيلاء أفلاطون تجدوا أن برسبيتاريي اسكتلندة لا يخلون من مشابهة لهذا المبرهن المختال الخبيث، فقد عاملوا الملك شارل الثاني باحترام أقل مما عومل به الإسكندر من قبل ذيوجانس؛ وذلك لأنهم حينما حملوا السلاح في سبيل هذا الملك المسكين كيما يقاتلون كرومويل الذي كان قد خادعهم ألزموه باحتمال أربع مواعظ في كل يوم، ومنعوه من اللهو واللعب، وفرضوا عليه التقشف، ففر من بين أيديهم كما يفر الطالب من المدرسة.
ويعد اللاهوتي الأنغليكاني مثل كاتون أمام الشاب النشيط الفرنسي الذي يملأ مدارس اللاهوت صياحا في الصباح، فإذا ما حل المساء قضى وقته مع النساء شاديا، ولكن كاتون هذا يبدو مراودا أمام البرسبيتاري الاسكتلندي، فهذا الأخير يظهر اتزانا في حركته، ويتكلف ظاهرا من الغضب في هيئته، ويلبس قبعة واسعة ومعطفا طويلا فوق ثوب قصير، وهو إذا ما وعظ فمن أنفه، وهو يطلق اسم عاهرة بابل على جميع الكنائس التي يسعد الحظ بعض رجالها، فينالون في كل عام دخل خمسين ألف فرنك، والتي يكون الشعب فيها من الجود ما يصبر معه على هذا فيدعو الواحد منهم ب «مولانا» أو «عظمتكم» أو «سماحتكم».
وجعل هؤلاء السادة، الذين لهم بضع كنائس في إنكلترة أيضا ، عبوس الملامح واتزان الأوضاع من موضة هذا البلد، ويعد تقديس يوم الأحد مدينا لهؤلاء في الممالك الثلاثة حيث منع العمل واللهو في ذلك اليوم، وهذا يعني ضعف شدة الكنائس الكاثوليكية، فلا أبرا ولا كميدية ولا جوقات موسيقية يوم الأحد بلندن، وقد كان من حظر الورق في ذلك اليوم ما عاد لا يلعبه فيه غير ذوي المواهب والفضل كما يدعون، وأما بقية الأمة فتذهب إلى الوعظ وإلى الحانة وإلى بنات البهجة.
ومع أن الفرقتين، الأنغليكانية والبرسبيتارية، هما السائدتان لبريطانية العظمى فإنه يحسن قبول ما سواهما فتعيش هذه الفرق على شيء من حسن الوئام، وذلك على حين يتباغض رعاتها تباغضا قلبيا كالذي يحكم به الينسيني على اليسوعي بالهلاك الأبدي.
Неизвестная страница