وطرق إلى اليقين ببقاء النفس الناطقة إذا كملت، وكمالها أن تصير عقلًا بأن تعقل في ذاتها معقولات من التي هي عقل بالفعل، أحطها مرتبة عقل الإنسان وإذا عقل الإنسان هذه العقول، وصارت له عقلًا ومعقولًا، فتكون حينئذ صورة له يكمل بها كمالًا تامًا، بحسب ما للإنسان الكامل أن يكمل كأرسطو، أو بهداية من الله ﷿ كالأولياء. وبذلك يكون فعله في ذاته بذاته، وفعله هو أن يرى ببصيرة عقله وعمله يقينًا، وبذلك يرجع على ذاته بذاته فيكون الراجع والمرجوع إليه واحدًا، كما قال الإسكندر، فيكون روحانيًا لا جسمانيًا، ولا يحتاج في وجوده إلى جسم، ولا أن يفعل في جسم، ولا في قوة جسمانية، وينبو عن القوة المتخيلة.
وذل أن قوة الإنسان النظرية تفعل أولًا في القوة المتخيلة، وهي قوة في جسم، بأن تجرد من المخلوقات الشخصية المتخيلة معانيها بأن تفعل وتعلم ما كل واحد منها بأسبابها الكلية، ولا تزال قوة الإنسان العقلية تتزيد بالفكرة في المخلوقات، وتطلب أسبابها بإحضار المخلوقات في القوة المتخيلة حتى تتمكن معقولاتها، وتصير تلك المعقولات عقلًا، ويرى العقل ببصيرته تلك المعقولات فيه، فلا يحتاج عقل الإنسان إلى قوة جسمانية يفعل بها، بل يفعل في صورته بأن يقل ذاته التي هي عقل، فيكون فعله هو عقله، ويكون بذلك باقيًا، وفعله هو ذاته، كسائر العقول التي لا يفنى فعلها.
إن يعقل ويعلم لا يتحاج إلى شيء مادة هي سبب الفساد، وإنما حاجته إلى العقل الذي أوجده بما يفيض عليه، كحاجة سائر العقول العالية إلى العقل الذي فوقها وهو الذي أوجدها. والأعلى يفيض على الذي دون دائمًا، والكل من السبب الأول على ترتيب. وهذا قد يكون كمالًا للعقل بطريق التعلم البرهاني حتى يتمكن ذلك صورة وقد نجد بالفعل ما هو أعلى من غير تعلم، على نحون ما يبلغه أصحاب الفطر الفائقة. فغن الكمال الإنساني الدائم قد يكون بأن يفيض على القوة الناطقة إذا كانت. دفعة أو بتدريج من العقل الفعال بصيرة يبصر بها الإنسان العالم، فيحصل له ما يحصل للواصل بالتعلم بعد التعلم من دوام الفيض وهؤلاء درجات أعلاها الأنبياء على درجاتهم، ثم الأخذون في أعمالهم و. بما جاءت به الرسل حتى يفيض عليهم ما يفيض على المتعلمي من غير تعلم، و.. أولياء الله على درجات.
والمعطي هذا كله العقل الفعال يظهر أولًا للمتعلمين بصيرة يرون بها المعقولات الأول التي بها هؤلاء يمتحنون حتى يصلوا، فإذا وجد استعدادًا فائقًا أعطى ما هو أكثر بحسب ما هو استعداد في استعدادًا فلا يبعد أن يصل بما فطرته الأنبياء إلى درجات من الكمال أكمل مما يوصل بالعلم البرهانين إذ كان الإنسان بالاستعداد قويًا للقبول، فإن العقل الفعال أبدًا يفيض عنه كمال تام للإنسان في الغاية. والتقصير إنما يلحق من جهة الاستعداد القابل لا من جهته. وكما يفيض عن كل واحد من العقول الثواني على ترتيب عقل شبيه به ليس هو، كذلك يفيض عن العقل الفعال عقل شبيه به ليس هو هو، يبقى ببقائه، لا يحتاج في وجوده إلا له، كسائر الثواني التي لا تحتاج في وجودها إلا للذي أوجدها بما يفيض عليها أبدًا.
وطريق الصوفية المستعدين للقبول، وطريق الغزالي من الطرق الموصلة، والطرق المأخوذة أولًا عن نبينا صلعلم.
فأرى أن تمزج ما عندك من الكمال التعليمي بذكر الله ﷿، وبالفكرة في كماله، بما عندك من اليقين بوجوده، وإنه عالم، وإن علمه بذاته فقطن وعلمه هو ذاته، فإنه يعلم جميع الأسباب من جهة علمه بذاته وبكمال ذاته التي بكمالها فاض وجودا ذلك الموجود، وإنه عالم بما فاض عنه، ولعلمه بذاته فيعلم ما يفيض عنه. فاعمل على تصفية نفسك بذكر الله وتعظيمه بصفاته على ما ذكر الشيخ أبو نصر في كتاب الله.
وهو الموفق للحق لا رب غيره.
ومن كلامه أيضًا ﵀
بسم الله الرحمن الرحيم
ارتياض في تصور القوة المتخيلة والناطقة
يرتاض الإنسان أولًا ويقوى في تصور القوة المتخيلة التي. القوة الناطقة فيها أعمالها أولًا وفيها تظهر وهي الموضوع. إذا حصلت فيها متخيلات المحسوسات كلها أو جلها فأقولك
1 / 24