والنحو الثاني هو المحرك من حيث هو ساكن، فإن القلم يحرك المداد وهو يتحرك في حين تحريكه، ونسبة يدي إلى القلم تلك النسبة، فستنتهي ضرورة إلى محرك يحرك بحال فيه ثانية لا بأن يحتاج في حال تحريكه إلى أن يتحرك. وهذا الضرب يوجد في الأجسام، فإن كل جسم يحرك جسمًا حركة جسمانية فإنما يحرك بأن يتحرك، وقد توجد أجسام تحرك من غير أن تتحرك كالمغنطيس للحديد فإنه يظن أنه يحرك لا بأن يتحرك، فالمغنطيس إذن محرك أول لأنه لا يحتاج في حين تحريكة إلى محرك، وإن لحقه تحرك فبوجه آخر. فأما سائر المتحركات فأمرها بين أن المحرك الأول فيها هو المحرك الأقرب. فإن توهم فيها أن متغيرًا تغير بأن يتغير، فلعل ذلك بعكس الحال في حركة المكان، لأن المحرك في أكثر الأمر لا يلي آخر متحرك.
وهذا إذا تؤمل وضح الغرض الذي أومأت إليه، وإذا تمسك بهذا النحو من النظر ظهرت به معان كثيرة عظيمة الغناء في هذا العلم.
وبعد ذلك فإن كثيرًا من الناس زعموا أن ما أتى به أرسطوليس ببرهان أصلًا، والإسكندر يعترف أنه قول حق، غير أنه يسميه منطقيًا، والمنطقي عنده أن تكون أجزاء القياس أعني الحدود الوسطى بالعرض ولا يكون أحد قسمي ما بالذات. وليس الأمر في ذلك القول على ما ظن الإسكندر، بل الحد الأوسط ذاتي لكنه ليس بسبب، فهو إذن ذاتي لكنه يبين المتقدم بالمتأخر.
وإذا بلغت ذلك ظهر، وظهر بظهوره أشياء لها حدود. حد الأضداد الفاعلة والمنفعلة التي هي أقدم حدودها فإن أرسطو حدها في الثانية من كتاب الكون والفساد بحدود متأخرة، وهذا عظيم الغناء في هذا العلم.
هذا آخر كلامه فيما رد به على الزرقالة ﵀.
من كلامه في الألحان
﵁
بسم الله الرحمن الرحيم والله الموفق في جميع الأمور اعلم أن النغم التأليفية هي نسب اختلاط الأفلاك ودورانها ونغم الطبيعة العاملة بالمجاري الصحيحة. ولما راموا تلك الحكاية، وشبهوا تلك النسب الوهمية وحملوها على الطبائع الإنسانية، وجب لكل إنسان أن يميل إلى الطبائع المركبة فيه. فإذا وقع التشاكل وتوافقت الطباع تاقت النفس وفعلت وامتدت روحانيتها وانبسطت وجرى فيها من المادة الروحانية ما يبعثها على الأنسة. ولهذا كانت الفرس إذا أرادت تدبير لذاتها امدت النعم والغناء بأشعار تشارك الغرض الذي يخوضون فيه، فيطاع لهم الرأي الجميل ويوافق الصواب مذهبهم الجميل. وذلك أن ضارب العود إذا كان حاذقًا فطنًا، وأراد أن يحرك صاحب صفراء ويهيجه، ألح بالضرب على البم، للمناسبة التي بينهما في الخفة واللطافة يهيج له السرور. وكذلك إذا أراد أن يحرك صاحب الدم ويهيج سروره ألح بالضرب على المثنى للمناسبة التي بينهما فلذلك يهيج الدموي المزاج، ويبعث له السرور والجذل ويتحرك له الفرح، ووزنه ضعف وزن الزير. وإذا أراد أن يحرك صاحب البلغم إلى طبعه ألح بالضرب على الزير، فإنه للمناسبة التي بينهما الكون طيبعتهما تهيج له الأحزان وتثير له الغموم والبكاء والنياحة. ووزنه ضعف وزن المثنى. وكذلك إذا أراد أن يحرك صاحب سوداء ويميل به إلى طبعه ألح بالضرب على المثلث للمناسبة التي بينهما لكون طبيعتهما طبع الأرض في حصامها وغلظ جسمها فيحدث له رعب شديد وجزع لأن السوداء أصل للفزع وعنها يتولد. ووزنه ضعف وزن البم، وأربعة أضعاف وزن المثنى، وثمانية أضعاف وزن الزير.
قال: وبالجملة فترى كل صاحب طبع يتحرك حينئذ في مذهبه على قدر طبعه.
قال: وينبغي للضارب، إذا أراد أن يوفي النغم حقها ويبلغ بالأنفاس غاياتها، أن يلتفت إلى المخارج الأربعة، وهي الصدر والحلق والجبهة والرأس، فيجعل بإزاء الصدر البم للمناسبة التي بينهما والصوت، ويجعل بإزاء الحلق المثلث، ويجعل بإزاء الجبهة المثنى، ويجعل بإزاء قحف الرأس الزير.
وكلما ارتفع الصوت إلى الرأس نزلت يد الضارب في الأوتار على النظام والترتيب الذي جعلته الحكماء للأصابع الأربعة، فإنها جعلت السبابة للبم، والوسطى للمثلث، والبنصر للمثنى، والخنصر للزير.
قال: وينبغي أن تحذر الضارب أن يركب بعض الأوتار بعضها في المجرى فيولد ذلك ضررًا في الأوتار وفسادًا في أصولها متى مسها المضراب أو حثها الضارب.
قال:
1 / 2