واعلم أنه لا يجوز في الرسائل ما أتى في آي القرآن من الإيصال، والحذف ومخاطبة الخاص بالعام، والعام بالخاص؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - إنما خاطب بالقرآن أقواما فصحاء فهموا عنه - جل ثناؤه - أمره ونهيه ومراده، والرسائل إنما يخاطب بها قوم دخلاء على اللغة لا علم لهم بلسان العرب، وكذلك ينبغي للكاتب أن يتجنب اللفظ المشترك والمعنى الملتبس؛ فإنه إن ذهب على مثل قوله تعالى:
واسأل القرية (يوسف: 82)، واسأل العير، و
بل مكر الليل والنهار (سبأ: 33)، احتاج أن يبين بل مكركم بالليل والنهار، ومثله في القرآن كثير.
ولا يجوز في الرسائل ما يجوز في الشعر؛ لأن الشعر موضع اضطرار، فاغتفروا فيه الإغراب وسوء النظم والتقديم والتأخير، والإضمار في موضع الإظهار، فمن الحذف قول الحطيئة: من صنع سلام؛ يريد سليمان بن داود .
وكقول الآخر: والشيخ عثمان أبو عفان.
وكقول الآخر:
وسائلة بثعلبة بن سير
وقد علقت بثعلبة العلوق
أراد ابن سيار، وكقول النابغة: ونسج سليم كل قضاء زائل. يريد سليمان، وكذلك ينبغي في الرسائل ألا يصغر الاسم موضع التعظيم، وإن كان ذلك جائزا على مثل قولهم: دويهية وجذيل وعذيق، ومما لا يجوز في الرسائل: كلمت إياك وأعني إياك.
وإساءة النظم في التأليف في الشعر كثير، وتكون الكلمة بشعة حتى إذا وضعت موضعها وقرنت مع أخواتها حسن حالها وراقت، كقول الحسن بن هاني:
Неизвестная страница