مما يدل على معرفة الله «وهو» سبب الإيمان: أن وكل بالغيب لكل ظاهر من الدنيا صغير أو كبير عينا، فهو يصرفه ويحركه، فمن كان معتبرا بالجليل من ذلك فلينظر إلى السماء، فيعلم أن لها ربا يجري فلكها، ويدبر أمرها، ومن اعتبر بالصغير فلينظر إلى حبة الخردل؛ فيعرف أن لها مدبرا ينبتها ويزكيها ويقدر لها أقواتها من الأرض والماء يوقت لها زمان نباتها وزمان تهشمها، وأمر النبوة والأحلام وما يحدث في أنفس الناس من حيث لا يعلمون، ثم يظهر منهم بالقول والفعل، ثم اجتماع العلماء والجهال والمهتدين والضلال على ذكر الله تعالى وتعظيمه، واجتماع من شك في الله تعالى وكذب به على الإقرار بأنهم أنشئوا حديثا ومعرفتهم أنهم لم يحدثوا أنفسهم؛ فكل ذلك يهدي إلى الله، ويدل على الذي كانت منه هذه الأمور مع ما يزيد ذلك يقينا عند المؤمنين، بأن الله حق كبير، ولا يقدر أحد أنه باطل.
إن للسلطان المقسط حقا لا يصلح - لخاصة ولا عامة - أمر إلا بإرادته؛ فذو اللب حقيق أن يخلص لهم النصيحة، ويبذل لهم الطاعة، ويكتم سرهم، ويزين سيرتهم، ويذب بلسانه ويده عنهم ويتوخى مرضاتهم، ويكون من أمره المواتاة لهم، والإيثار لأهوائهم ورأيهم على هواه، ويقدر الأمور على موافقتهم، وإن كان ذلك له مخالفا، وأن يكون منه الجد في المخالفة لمن جانبهم وجهل حقهم، ولا يواصل من الناس إلا من لا تباعد مواصلته إياه منهم، ولا تحمله عداوة أحد له، ولا إضرار به على الاضطغان عليهم، ولا مواتاة أحد على الاستخفاف بشيء من أمورهم، والانتقاص لشيء من حقهم، ولا يكتمهم شيئا من نصيحتهم، ولا يتثاقل عن شيء من طاعتهم، ولا يبطر إذا أكرموه ولا يجترئ عليهم إذا قربوه، ولا يطغى إذا سلطوه، ولا يلحف إذا سألهم، ولا يدخل عليهم المؤنة، ولا يستثقل ما حملوه، ولا يغتر بهم إذا رضوا عنه، ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه، وأن يحمدهم على ما أصاب من خير منهم أو من غيرهم؛ فإنه لا يقدر أحد على أن يصيبه بخير إلا بدفاع الله عنه بهم.
مما يدل على علم العالم معرفته بما يدرك من الأمور، وإمساكه عما لا يدرك، وتزيينه نفسه بالمكارم، وظهور علمه للناس من غير أن يظهر منه فخر، ولا عجب ومعرفته بزمانه الذي هو فيه، وبصره بالناس وأخذه بالقسط وإرشاده المسترشد، وحسن مخالفته خلطاءه، وتسويته بين قلبه ولسانه، وتحريه العدل في كل أمر، ورحب ذرعه فيما نابه، واحتجاجه بالحجج فيما عمل، وحسن تبصيره.
من أراد أن يبصر شيئا من علم الآخرة، فبالعلم الذي به يعرف ذلك ، ومن أراد أن يبصر شيئا من علم الدنيا، فبالأشياء التي هي تدل عليه.
ليكن المرء سئولا، وليكن فصولا بين الحق والباطل، وليكن صدوقا ليؤمن على ما قال، وليكن ذا عهد ليوفى له بعهده، وليكن شكورا ليستوجب الزيادة، وليكن جوادا ليكون للخير أهلا، وليكن رحيما بالمضرورين لئلا يبتلى بالضر، وليكن ودودا لئلا يكون معدنا لأخلاق الشيطان.
وليكن حافظا للسانه مقبلا على شانه، لئلا يؤخذ بما لم يجترم، وليكن متواضعا ليفرح له بالخير ولا يحسد عليه، وليكن قنعا لتقر عينه بما أوتي، وليسر للناس بالخير لئلا يؤذيه الحسد.
وليكن حذرا لئلا تطول مخافته، ولا يكن حقودا لئلا يضر بنفسه إضرارا باقيا.
وليكن ذا حياء لئلا يستذم للعلماء؛ فإن مخافة العالم مذمة العلماء أشد من مخافته عقوبة السلطان.
حياة الشيطان ترك العلم، وروحه وجسده الجهل، ومعدنه في أهل الحقد والقساوة، ومثواه في أهل الغضب، وعيشه في المصارمة، ورجاؤه في الإصرار على الذنوب.
وقال: لا ينبغي للمرء أن يعتد بعلمه ورأيه ما لم يذاكره ذوي الألباب ولم يجامعوه عليه؛ فإنه لا يستكمل علم الأشياء بالعقل الفرد.
Неизвестная страница