158

Эпистолы братьев чистоты и друзей верности

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Жанры

واعلم يا أخي أن الهواء جوهر شريف، فيه فضائل كثيرة وخواص عجيبة، من ذلك أنه يمنع النيران برطوبته أن تيبس وتجف، كما يمنع الأصوات بسيلانه أن تثبت زمانا طويلا، فيقل الانتفاع بها، ويكثر الضرر منها، وذلك أن الأصوات ليست تمكث في الهواء إلا ريثما تأخذ المسامع حظها ثم تضمحل، ولو ثبتت الأصوات في الهواء زمانا طويلا لامتلأ الهواء من الأصوات، ولعظم الضرر منها حتى لا يمكن أن يسمع ما يحتاج إليه من الكلام والأقاويل، وهكذا لو يبست النيران وجفت لما سرت في الأجسام ولم تنضجها، وبقيت الأشياء التي يراد نضجها فجة غليظة.

فانظر يا أخي وتفكر في حكمة الباري - سبحانه - إذ جعل ثبات النيران بحسب مراد المستعمل لها، فإذا استغنى عنها ردها إلى العدم بأسهل السعي، فلو بقيت بحالها لعظم الضرر منها، وقل الانتفاع بها، ومن الصور المتممة لذات النار اللطافة التي تولدها الحرارة وتتلوها سرعة النفوذ في الأجسام، ومن الصور المتممة لذات النار أيضا النور، ويتلوه الإشراق، فقد اجتمعت في جرم النار عدة صور كلها متممة لها، وهي الحركة والحرارة واليبوسة واللطافة والنور، وهي بكل صورة تفعل فعلا غير ما تفعل بالأخرى، وذلك أنها بالحركة تغلي الأجساد، وبالحرارة تسخن، وباليبوسة تنشف، وباللطافة تنفذ في الأجسام، وبالنور تضيء ما حولها، وبالحرارة والحركة تحيل الأجسام إلى ذاتها، وأما الصورة المقومة لذات الأرض فهي السكون الذي هو ضد الغليان، والتالية المتممة لها البرودة، والتالية للبرودة اليبوسة، والتالية لها تماسك أجزائها، ومن الصور المتممة لها أيضا غلظة جوهرها، ومن غلظة جوهرها تماسك أجزائها، ومن تماسك أجزائها نشأت الكائنات على ظهورها من الحيوان والنبات والمعادن.

واعلم يا أخي بأن اليبوسة نوعان؛ إحداهما: تابعة للحرارة وهي فاضلة، والأخرى: تابعة للبرودة وهي رذلة، وذلك أن اليبوسة التابعة للحرارة هضمة نضجة، والتي تتبع البرودة فجة غير نضجة، ومثال ذلك: يبوسة الياقوت والبلور وأشباهها فإنها قد نضجتها بالطبخ حرارة المعدن، فهي لا تستحيل ولا تتغير، وأما التي تابعة للبرودة مثال يبوسة الثلج والجليد والملح وغيرها، فإنها لما كانت فجة غير نضجة صارت رذلة مستحيلة متغيرة، ومن أجل هذا صارت الأجرام الفلكية لا تقبل الكون والفساد والتغيير والاستحالة؛ لأن تماسك أجزائها من شدة يبوستها، ويبوستها تولدت من حرارة حركتها، ثم غلبت عليها اليبوسة فطفئت حرارتها، كما بينا في رسالة السماء والعالم.

وأما الأجسام الأرضية فلما كان تماسك أجزائها من اليبوسة الرذلة الغير النضجة المتولدة من البرودة والمتولدة من السكون صارت تستحيل وتتغير وتفسد.

فصل

واعلم يا أخي بأن الصورة المقومة لذات الماء والهواء كليهما الرطوبة المتولدة من امتزاج الأجزاء المتحركة والساكنة جميعا؛ وذلك أن اليبوسة لما كانت متولدة من شدة حركة أجزاء الهيولى كلها، أو من شدة سكونها كلها، كما بينا قبل، وكانت الرطوبة ضدا لها دلت على أنها متولدة من مزاج الأجزاء المتحركة والساكنة، وأما الصورة المتممة لذات الماء فهي كثيرة الأجزاء الساكنة الغليظة وقليلة الأجزاء المتحركة اللطيفة، ولما كانت الصورة المتممة لذات الماء كثيرة الأجزاء الساكنة الغليظة وقليلة الأجزاء المتحركة اللطيفة صارت مشاكلة للأرض في البرودة، وصار مركزها مما يلي مركز الأرض، وأما الصورة المتممة لذات الهواء فهي كثيرة الأجزاء اللطيفة المتحركة، وقليلة الأجزاء الغليظة الساكنة، ولما كانت الصورة المتممة لذات الهواء كثيرة الأجزاء اللطيفة المتحركة صارت مشاكلة للنار في الحرارة، وصار مركزها مما يلي مركز النار.

واعلم يا أخي بأنه لما كانت الصورة المقومة للأجسام الفلكية هي شدة اليبوسة المتولدة من شدة الحرارة المتولدة من شدة سرعة الحركة، وكانت الصورة المقومة للأجسام الأرضية اليبوسة المتولدة من شدة البرودة المتولدة من شدة السكون الذي هو ضد حركة الغليان، صارت الأجسام الأرضية مشاكلة للفلكية في اليبوسة ومضادة لها في الحركة، ولما كانت حركتها حول المركز صار سكون هذه في المركز؛ لأن المضاد يفر من ضده إلى أبعد الأماكن، وأبعد الأماكن من المحيط هو المركز.

ولما كانت الصورة المقومة للماء والهواء هي الرطوبة المتولدة من امتزاج الأجزاء المتحركة والساكنة، وكانت الرطوبة مضادة لليبوسة صار موضعها ما بين المحيط والمركز، ولما كانت الصورة المتممة لذات الماء هي كثيرة الأجزاء الغليظة الساكنة فيه صار الماء مشاكلا للأرض في البرودة، وصار مركزه مما يلي مركزها، ولما كانت الصورة المتممة لذات الهواء كثيرة الأجزاء اللطيفة المتحركة صارت مشاكلة للنار في الحرارة، وصار مركزها مما يلي مركزها، فقد بان يا أخي بهذا الشرح أن الأجسام بعضها مشاكل لبعض في طبيعة ما، مضاد في طبيعة أخرى، ومن أجل مضادة طباعها تباينت مراكزها، ومن أجل مشاكلتها تجاورت مراكزها، ولما ترتبت هذه الأجسام مراتبها صار كل واحد في مركزه الخاص به واقفا بلا مماسك ولا عمد لا ثقيلا ولا خفيفا، ولا تخرج من مواضعها إلا بعارض قاهر لها، فإذا خلت رجعت إلى موضعها الخاص بها، فإن منعها مانع وقع التنازع بينهما، فإن كان النزوع إلى ناحية المحيط يسمى خفيفا، وإن كان إلى ناحية مركز العالم يسمى ثقيلا، ولما ترتبت الأكر وقف كل واحد من هذه الأركان في موضعه الخاص به محيطات بعضها ببعض مستديرات إلا الماء، فقد منعته العناية الإلهية والحكمة الربانية من الإحاطة بالأرض من جميع الجهات؛ لأنه لو أحاطت كرة الماء بكرة الأرض من جميع الجهات لمنع كون الحيوان والنبات على وجه الأرض، ولكن جعلت للمياه مستنقعات في الأرض وهي البحار والآبار، وقد ذكرنا في رسالة جغرافيا صورة الأرض وكمية الجبال والبحار والأنهار والأقاليم والبلدان، ولكن لا بد أن نذكر منها ما يحتاج إلى ذكره ها هنا.

فصل

اعلم يا أخي بأن الأرض كرة واحدة بجميع ما عليها من الجبال والبحار والأنهار والعمران والخراب، وهي واقفة في الهواء في مركز العالم، والهواء محيط بها ملتف عليها من جميع جهاتها، وأن البحر الأعظم موضعه تحت مدار برج الحمل ممتد من المشرق إلى المغرب، وأما سائر البحار فشعب وخلجان تأخذ من البحر الأعظم وتمتد إلى ناحية الشمال، وهي سبعة أبحر؛ فمنها: بحر الروم وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الصين وبحر الهند وبحر يأجوج ومأجوج وبحر جرجان، وبين كل بحر منها وبين الآخر جزائر وبراري وعمران وجبال وآجام وأنهار تبتدئ من الجبال وتنتهي إلى البحار، وأن الجبال أصولها راسية في الأرض ورءوسها شامخة في الهواء شاهقة، وبين هذه الجبال أودية غائرة، وفي جوف الجبال مغارات وأهوية، وأن الأرض باطنها كثير التخلخل وظاهرها مختلف التربة، ومنها طينية وسبخة ورملة وحصى وأحجار صلبة وبقاع مختلفة، وسبب اختلاف هذه كلها بحسب مسامتات الكواكب ومطارح شعاعاتها عليها من الآفاق وممرات درجات الفلك على سمت تلك البقاع، ومنها يكون الكون والفساد في هذه الأجسام التي تحت فلك القمر.

Неизвестная страница