ولما صدر حكم الحاكمين بخلع علي وتثبيت معاوية اشتد أزر معاوية وبويع بالخلافة في الشام. وكان الخوارج لا يزالون في بدء أمرهم فأخذ علي يتجهز لحرب معاوية. وفيما هو يتجهز جاءه الخبر بتألب الخوارج وتمردهم فنصح لهم وجادلهم وبين لهم أنه لم يخطئ بقبول التحكيم وإنه لم يقبله إلا إجابة لطلبهم فلم يرتدعوا. فرأى أن يستأصل شأفتهم قبل خروجه إلى معاوية. فحاربهم في مواقع عديدة أشهرها واقعة النهروان وراء دجلة بالقرب من مكان بغداد انتصر فيها عليهم نصرا مبينا وشتت شملهم تشتيتا ولكنهم مازالوا يجتمعون سرا.
وفي سنة 28ه فتح عمرو بن العاص مصر وقتل محمد بن أبي بكر عاملها وتولاها باسم معاوية فأصبح معاوية خليفة في مصر والشام ومقامه دمشق. وبقي علي في العراق والجزيرة والحجاز واليمن ومقامه الكوفة.
وأخذ معاوية يبعث سراياه إلى بلاد الإمام علي يلتمس افتتاحها للاستقلال بالخلافة. فأنفذ جندا إلى مكة وآخر إلى اليمن وآخر إلى الجزيرة يحاربون ويناوئون ولكنهم لم يبلغوا اربا. فدخلت سنة أربعين للهجرة وعلي يتأهب للخروج على معاوية وقد بايعه أربعون ألفا من عسكره على الموت. وفي ما هو في ذلك فاجأه القدر فمات مقتولا كما سترى تفصيل ذلك في ما يلي.
الفصل الثاني
الكوفة عاصمة الإمام علي
هي مدينة إسلامية مصرها سعد بن أبي وقاص أحد كبار الصحابة في السنة السابعة عشرة للهجرة على عهد الخليفة عمر بن الخطاب بعد أن فتح العراق وقد أشار عليه عمر أن يقيم في مكان لا يحول بينه وبين المدينة بحر ولا جسر حتى إذا أراد أن يقدم إليه على راحلته قدم
1
فبنى الكوفة في غربي الفرات على شاطئ بحيرة كانت هناك بقرب مكان الحيرة بينها وبين الفرات بضعة وعشرون ميلا.
وكان بناؤها في أول أمرها بالقصب فأصابها حريق فاستأذنوا الخليفة عمر في بناءها باللبن فقال «افعلوا ولا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة يلزمكم الدولة» ففعلوا ذلك وجعلوا طرقها نوعين المناهج والأزقة وجعلوا عرض المنهج عشرين ذراعا وعرض الرقاق سبعة أذرع وما بين المناهج أماكن البناء أربعون ذراعا. والقطائع ستون ذراعا. وأول شيء خطوه فيها المسجد. فوقف في وسط المدينة رجل شديد النزع رمى إلى كل جهة بسهم وأمروا أن يبنوا ما وراء ذلك. وأما الساحة حول ذلك الرامي إلى مرمى سهامه فتبقى المسجد.
وبنوا في مقدمة المسجد ظلة أو رواقا أقاموه على أساطين رخام من بناء الأكاسرة نقلوها من أخربة الحيرة. وجعلوا على الصحن خندقا لئلا يقتحمه أحد ببنيان وبنوا لسعد بن أبي وقاص قصرا بجانب المسجد نقلوا حجارته من آجر بنيان الأكاسرة وسموه قصر سعد.
Неизвестная страница