والتفت بلال إلى ريحان فرآه قد تقهقر إلى جزع الشجرة يتستر بظلها فلم ينتبه له وكان سعيد قد أنس ببلال في أثناء الطريق وأطلعه على حديث المؤامرة فاغتنم بلال تلك الخلوة فقال لسعيد «ألا ترى يا مولاي أن تتم مهمتنا التي جئنا بها من الفسطاط قبل كل شيء إني أخاف أن يكون ذهابنا إلى أهلك سببا في التأخير وهم ربما لا يعلمون الغرض الذي يدعونا إلى الإسراع وربما حدث لك بعد العشاء ما يؤخرك عن تلك المهمة أما إذا أنفذنا مهمتنا وأطلعنا الإمام على ما خبأه له أهل البغي تمضي إلى حيث تشاء هذا ما أراه والأمر لك. على أني قد أعددت لك الطعام الآن فإذا شئت أكلت ثم فعلت ما يتراءى لك».
فارتاح سعيد لهذا الرأي ولكنه أراد أن يخبر بلالا باطلاع ريحان على سر الأمر فقال له» ولا أخفي عليك أن هذا الهام (وأشار إلى ريحان) من جملة الساعين في ما نحن فيه».
فقال بلال «فهو يعذرنا إذا إذا رأى أننا نفضل المسير إلى منزل الإمام علي. تفضل الآن إلى المائدة وأنا أشتغل معه في تهيئة الجملين فإذا فرغت من الطعام سرنا جميعا».
الفصل السابع والخمسون
انكشاف الخديعة
قال ذلك وتحول نحو ريحان وكان ريحان واقفا بجانب الشجرة وهو يود أن لا يخاطبه أحد. وحدثته نفسه أن يرجع إلى الكوفة لئلا يراه بلال فينكشف أمره.
ولكنه ما لبث أن رأى بلالا يدنو منه ويكلمه فرد عليه بصوت منخفض وهو يتشاغل بإصلاح نعليه وشملته لا يرفع نظره إليه. فاستغرب بلال ذلك فتقدم إليه وناداه وقال «تعال يا أخي نمكث هنيهة ريثما يتناول مولاي طعامه ثم نسير معا».
فسكت ريحان ولم يجب ولكنه تظاهر بأنه أضاع عصاه وتحول للبحث عنها وبلال يتبعه ويعجب لما يبدو منه. فلما بعد ريحان عن ظل الشجرة بانت سحنته فتذكر بلال أنه يعرفه وفطن للحال أنه هو الذي أسر إليه بخبر مهمته إلى الفسطاط. فانتبه أن في الأمر خديعة وخصوصا لما رآه يحاول إخفاء وجهه. فتقدم إليه وأمسكه بيده وقال «تعال يا صاحبي نمكث هنا ريثما ينهض مولانا فنسير معا» فلم ير ريحان خيرا من أن يجتذب يده ويتظاهر بالغضب فتبعه بلال وهو يقول «يظهر أنك لم تعرفني يا صاح ألا تذكر أننا التقينا في الفسطاط».
فصاح ريحان «وأي فسطاط.. إني لا أعرف الفسطاط ولا أعرفك قبل الآن وليتني لم أعرفك فقد أضعت عصاي بسببك».
فسمع سعيد صياحه وكان قد جلس إلى الطعام فنظر إليهما عن بعد فرآهما يتحاوران فوقف ونادى عبد قطام قائلا «لا تغضب يا ريحان إن بلالا على دعوتنا».
Неизвестная страница