توضأ بماء المطر ثم شرع يصلي العصر، ثم أخرج مسبحته وأخذ يردد بعض أسماء الله الحسنى، اعتاد أن يتلو بعض الأوراد التي أخذها عن أبيه الذي يتبع طريقة صوفية لها طقسها الخاص والعميق، الآن منذ أن بدأ رحلته نحو بحيرة التماسيح استعاض عن الأوراد بتعاويذ تفيد في تجنب الأرواح الشريرة، في المدينة كان يكفر بها، وبعد أن حوط نفسه آمنا شرور الأشرار أدار مؤشر الراديو الصغير إلى ال
BBC
الإذاعة الوحيدة التي يصدق أخبارها ويثق فيما تقوله من خبر ويراسلها أيضا.
مثل كل ليلة قضاها بهذا الدغل كانت الذئاب تحوم حوله وهي تقفقف، ومسدسه ماركة النجمة دائما معد لإطلاق النار، لكنه لم يستخدمه إلى الآن، هو شخص حسن الحظ لم يهاجمه إلى الآن حيوان مفترس، نعم، يقل بالغاب الجاموس - هي حيوانات عدوانية بطبعها - لكن الذئب، لكن كلب، السبع، اللبوءة؟!
هل لدعوات أمه الطيبة التومة شأن؟ وإلا ما سبب سكون حية المرحاض السوداء التي بإمكانها فعل ما تشاء؟! حلق عليه وطواطان، ضحك في ذات نفسه، كان طفلا في سن المراهقة يصحبه عدد من أصدقاء الطفولة المراهقين يحملون مسحوق لحم الوطواط، مخلوطا برماد ذيل السحلية وهم يختبئون خلف نباتات العشرة على ضفة خور المقابر الكبير حيث يقضي الناس حاجاتهم، وكانوا ينتظرون نفيسة الجميلة بنت الأستاذ القادمة حديثا من المدينة الكبيرة، ستأتي في صحبة والدتها لقضاء الحاجة، سيضع الأطفال المراهقون خليط الوطواط والسحلية على بول نفيسة الجميلة حتى لا تستطيع نفيسة الجميلة النوم ما لم يضاجعها أكثر الصبية حظا، ولسخرية القدر جاءت أخته الرضية وتبولت بمكان لم يره منها هو، كانت جميلة، دائما ما يحلم صديقه حماد بمعانقتها. كان حماد في موقع ليس بالبعيد عنها، عندما قضت حاجتها وغادرت انزلق حماد من تحت العشرة وصب مسحوق السحلية والوطواط على موقع بولها، ثم لما تأكد من أنها اختفت عن الأنظار ذهب إلى مكمن صديقه، همس في أذنه: «كانت نفيسة هنالك، وسكبت مسحوقا على بولها، هيا لنعد. هل سأكون محظوظا الليلة؟»
وكان سلطان تيه يعرف نفسه بأنه الأكثر حظا بين أصدقائه؛ «وسأفوز الليلة أنا بنفيسة ابنة الأستاذ». عندما التقوا صبيحة اليوم الثاني، بادر سلطان تيه رفاقه في فخر: «جاءتني نفيسة في منتصف الليل بعد أن نام كل من في المنزل، وصحبتني إلى منزلها حيث تنام وحدها بالبرندة ووالداها ينامان بالعوضة، إنها وإني وإنها و... و...»
فضحك عليه الأطفال المراهقون ضحكا أثار شكوكه، ولم يعرف مكيدة حماد إلا بعد أعوام كثيرة على الحادثة.
يبدو لسلطان تيه خلف ظلال النار بعيدا خلف شجرة صغيرة خيال شخص، وقبل أن تتأكد الرؤية اختفى الخيال؛ «هل هي أشباح الليل؟ أو لربما دب النعاس في عيني»، لكن عندما تناهى لمسمعه عواء ذئاب في ناحية اختفاء الشبح أمعن النظر، فتراءى لناظريه ما يشبه ومضة برق خاطفة؛ قدح زناد، أو إشعال عود ثقاب، لكنه يعرف على الأقل خمسة أنواع من الحشرات تضيء أثناء طيرانها، كلها توجد بالدغل. عواء الذئب يصبح أكثر إفزاعا، هل اصطادت فريسة ما أم أنها تحوم حول أشخاص/بشر كان بعضهم قربه قبل قليل؟
هو رجل شجاع، طوال هذه الأيام التي قضاها عابرا الدغل لم يصادف أن قابل أحدا غير رجل واحد، قابله قبل يومين، رجل عار كالشيطان، مشعر، طويل القامة، تصادفا ذات صباح عند خور كثيفة أعشابه في طول الإنسان، ويبدو أن الرجل كان يعد شركا بدائيا لاصطياد حيوان صغير، بينما هو يفعل إذا بسلطان تيه يخرج إليه من بين الأعشاب، فزع الاثنان، هرب سلطان تيه ناحية، هرب الرجل ناحية تاركا وراءه شركا مصنوعا من صوف ذنب الزراف. بينما سلطان تيه يهرب بعيدا لم يلاحظ أن امرأة جميلة كأنها من قبيلة «الكا» كانت هي الأخرى تعد شركا في موضع ليس بعيدا عن شرك الرجل، وأنها لم تهرب بل كانت تنظر إلى سلطان تيه وهو يهرب وعلى ظهره حمله في برود تام ودون أدنى اكتراث وكأنها ترى هذا المشهد للمرة المليون.
وفقا للخريطة لا توجد قرية قريبة من هذا الموقع، قرية «لالا» تقع على بعد يومين ونصف اليوم في اتجاه الغرب، من أين أتى الرجل الغريب؟! كانت الذئاب تعوي، قفل الراديو ولو أن البرنامج كان سيثير انتباهه في الحالات العادية، فهو متابع جيد للبرامج العلمية، دار حول سريره عدة دورات دون سابق تفكير أخذ يردد تعويذة سرية تفيده في تحويط المكان، تبدأ ب «إيلاف قريش»، تنتهي:
Неизвестная страница