Человек, которого нельзя переместить
الرجل الذي لا يمكن تحريكه
Жанры
كانت قد كتبت حتى حوارها مع تلك المربية، وأرفقت الكتابات بتاريخ كتابتها ومكان جلوسها رفقة المربية، حتى إنها رسمت بعض الشخوص لتوضيح ما كتبت، وقد بدا أن لابنتي موهبة في قص الحكايات، أو حتى شرحها، إلا أن خطها كان صعب القراءة، وقد جهدت في فهم ما كتبت، واشتغلت بقراءة ما كتبت كل الطريق.
القسم الثالث
«عزيزتي، صغيرتي الجميلة، ماذا تكتبين؟ تبتسم وأجبت: نانا أنا أكتب ما تقولين. تضحك وتقبلني. أحب حينما تقبلني، ثم تضيف هي، إنها السنة التي اختفى فيها كل شيء، وفقدت ما كنت أعيش من أجله، إن كان أحد يقرأ ما تكتبين فأتمنى ألا يعيش ما عشته، ما زلت تكتبين؟ أجبت بنعم، أضافت، إذن أخبريه أنني أحبه، أنني أحب كل من سيقرأ كتاباتك، مهما كان، سأحبه كزوج أو كابن أو كأخ أو كوالد. نانا أنا أكتب لنفسي. تضحك وتضيف: إذن أنا أحبك.»
إحدى الأيام المنسية سنة 1899م
إنها السنة التي اختفى فيها كل شيء، يومها كنت صاحبة الثامنة عشرة، حينما ساءت حياتي، وفتاة بالثامنة عشرة في قريتنا كان يجب أن يرى لها الناس زوجا يكبرها بعشر سنوات وطفلين على الأقل، كدليل على أن الزوج يتحملها، ويتحمل العيش إلى جانبها، ومنزلا طوبيا لا يتداعى في الشتاء لتديره الفتاة، لكنني كنت الاستثناء الوحيد في قريتنا، فقد ولدت بمنزل شيخ القرية، وكان بمنزلنا إضافة إلى الشيخ ووالدتي ذات القلب المتحجر، أخ يكبرنا نحن الفتيات، أخ يستعد لخلافة الوالد، وخمس فتيات يتقاتلن على احتمالية ما للظفر بمودة والدتنا ربة المنزل، والدتنا التي لم تحبني قط، بل كانت تدفعني فقط إلى خدمتها، ولم أكن سوى دابة أخرى تستعملها لربح بعض الوقت والجهد، حتى إنني منعت من الدراسة، على خلاف باقي أخواتي، فقد تحججت والدتي بحاجتها إلي لمجالسة الأخت الصغيرة. أعتقد أنها وعدت والدنا بأيام وردية، إن هو منعني من دخول المدرسة الفرنسية، بينما تمكن الجميع من مزاولة الدراسة، بأمر من والدتي، فقد سمعتها تقول: المرأة الجاهلة دابة فوق الأرض.
وهو ما دفعني إلى التوجه إلى المدرسة خفية، لألحق الفتيات، وأدخل القاعة المدرسية مع صديقاتي، وأنانية صديقاتي أشبه بأنانية والدتي، فبمجرد دخولنا القاعة، يبتعدن عني في صمت رهيب. كنت قبل ذلك وفي الصباح الباكر أستيقظ باكرا وأصفف شعري بنفس الطريقة التي يفعلن، حتى إنني كنت أجلس مثلهن في القاعة، تماما مثلما يفعلن، وقد كان لي مقعد في آخر الصف أجلس إليه كل صباح كي لا تكتشف المعلمة الفرنسية وجودي، وقد كانت تنادي بأسماء الفتيات، وكنت أتمنى أن تذكر اسمي ولو عن طريق الخطأ، بل تمنيت أن يكون لي اسم يمكنها ذكره، حتى إنني تمنيت أن أشارك إحدى الفتيات اسمها فتتمكن كلتانا من حضور المدرسة، لكن لا شيء مما ذكر قد حصل، وكانت المعلمة تكتشف وجودي، فتدفعني إلى الخارج، كانت تبكي في غالب الأحيان وهي تفعل ذلك، وكانت تقول لي: أنت جميلة، تعجبني تسريحة شعرك، ربما يوما ما، ستتمكنين من مشاركتنا الدروس (تبتسم بصعوبة).
بالطبع لم أتمكن من فهمها، أو فهم لغتها الفرنسية، لكنني تخيلت قولها ذلك، كما تخيلت كثيرا من الأشياء، كنت دوما أتخيلها تقول هذه الكلمات، وكثيرا ما تمسكت بيدها، لم أكن أبكي قط وهي تدفعني إلى الخارج، كنت فقط أراقب عينيها، أصرخ من خلالهما حتى وهي تطردني بتلك اللباقة، اعتقدت أن المعلمة ستحب أن تدرس فتاة لا تبكي، وأن إخراجي من القاعة ليس سوى اختبار لي، وأنه يجب أن أجتازه لأدرس، إن جميع صديقاتي مررن بهذه التجربة، لكنني اكتشفت بعد زمن، بعد وفاة تلك المعلمة بسنوات، وبعد أن ماتت كل صديقاتي في هذه الحياة، أن المشكلة لم تكن يوما في البكاء، فقد توجب على والدي أن يسجلني مثلما فعل مع كل إخوتي، ولم أطلب من والدي أن يسجلني يوما، كنت أخشى أن يضربني إن أنا طلبت منه ذلك، وقد كنت أكتفي بالبكاء عند حائط المدرسة، أجلس وحيدة أنظر إلى السماء، وأتساءل، إن كان هناك إله، فهل هو يحبني حقا، إن كان يفعل ذلك حقا فلم يتسبب في بكائي؟ كنت أتمسك بردائي، أمسح دموعي إن مر أحدهم وأنشغل باللعب بالحجارة مدعية اللعب لكيلا يعتقد أنني أبكي، ما كنت أود أن أشارك أحدا أحزاني، وكنت أعود للبكاء بمجرد رؤيتي لظهره، ثم أستمر في العودة يوميا إلى تلك المعلمة، أبكي في كل مرة تطردني فيها، كانت الفتيات يكبرن في تلك المدرسة على آداب الحياة وعلى أسس العلم، وكان الفرنسيون يجعلون من الفتاة العربية امرأة غربية باسم الحضارة، بينما كنت أكبر عند حائط المدرسة على البكاء، أكبر على رؤية السماء التي لم تحرك ساكنا، أنظر إلى الله، أنتظر منه شيئا ما، أن يمطر لي مدرستي، وكنت أدعوه أن يجعل مني فرنسية، كنت أقول: «إلهي، اجعلني فرنسية في الصباح، واجعلني عربية ما تبقى من الوقت، إلهي فقط لأخدعهم وألج المدرسة صباحا، وأعدك أنني سأكثر من الصلوات ، سأتوقف عن اللعب وسأصلي لك.»
لكن الله لم يكن يحب الخداع، فأبقى على صفتي العربية، في الصباح وفيما تبقى من الوقت، وكنت أعود إلى المنزل، أحمل أختي الصغيرة وأنتظر خروج الفتيات لألعب معهن، كن يسألنني عن عدم دخولي للمدرسة، كنت أتجرأ وأخبرهن أنه على الفتاة أن تكبر لتصبح امرأة، أن تسير العائلة، أن تخدم زوجها، لا أن تتعلم، كنت أكذب عليهن، أكذب على نفسي، وكن يضحكن علي لقولي هذا ثم يسخرن مني بقولهن: «إذن لم تستمرين في القدوم يوميا إلى المدرسة لتطردي مجددا؟ على المرأة أن تمكث بالمنزل، وأن تحمل شقيقتها.»
ويضحكن بعد قولهن، فأتراجع بمجرد سماعي لتلك الكلمات، تمتلئ عيناي حزنا، أنظر إلى السماء أشهدها على ما حدث، ثم أنظر إلى وجوههن الضاحكة، أحفظ كل جزء منها، أنظر إلى عيونهن الغريبة، ثم أخفض رأسي إلى شقيقتي الصغرى، هي تشبههن، سأحملها حتى تكبر، ستدرس بنفس المدرسة، وستبتسم مثلهن، أرتعش رعشة غريبة، أحمل أختي، وأبتعد، كنت أركض باكية إلى مدخل المنزل، أركض وأنا أحمل أختي الصغيرة، أجلس هناك وحيدة بعينين منتفختين، ثم أنكر كل شيء عند مدخل المنزل، أنكر وجودي، أنكر السماء، أنكر الحياة، ثم أكفر بكل شيء، أتمرد على الوجود، وأصدق المدرسة، أومن بالمعلمة، فأراها المخلص الوحيد، وكان ذلك ما يدفعني إلى العودة في الصباح، وعلى خلاف جميع البشر، آمنت فقط بالمعلمة، فكنت أحج إليها كل صباح لترفضني مرة أخرى، وكنت أجلس عند مدخل المنزل وأنا أحمل شقيقتي حتى ألمح أخي على بعد ما يتجه نحوي، وأحب أمر إلى قلبي هو عودة أخي محمد، أخي الكبير، كنت أبلغ يومها الحادية عشرة، وكان محمد يكبرني بسنتين، كان يجلس إلي، يأخذ مني الفتاة ويحملها عني، يمسح دموعي، ويعلمني الحساب، ويذكرني أن الإنسان لا يكبر أبدا عن التعلم، أخبرني أيضا أن المدرسة الفرنسية تافهة وأنه سيقدمها لي بوجه عربي، كان يشبه العمليات بالدجاج وعدد البيض، وإن استعصى علي الفهم، كان يتجه لإحضار ما تقدر من الأشياء ويمثل لي الحساب في صورة حقيقية، كان المعلمة التي لم أحظ بها، ولا يقطع فرحتي تلك، سوى صرخة والدي على بعد ما في حانوته الخاص، فأرمي كل شيء، أقبل أخي على جبينه الأبيض، آخذ منه الفتاة وأتجه صوب والدي، أركض بسرعة منهكة جسدي، وكأن الله ينادي علي، وليس والدي، كنت أخشاه كخشيته للموت، كان له موت يخشاه وكان هو موتي الوحيد. ولما كنت أبلغ دكانه الواسع، كان يشير إلي عند الباب فأنتظر ما طلب مني أن أنتظره من الزمن، كان رفاقه من الشيوخ يجلسون إليه في حلقة من الشاي يتسامرون حول أمور الحياة، حياة تجاوزتهم قبل زمن، ثم كان يقف في شموخ، يبتسم لأصدقائه، فيغادرون الدكان في عجل، وكان البعض منهم يهنئني، يهنئني كوني فتاة سيد الشيوخ، يمدح جمالي الخلاب، والبعض الآخر يمدح والدي كون الرب من عليه بابنة جميلة، يبتسم لهم يخبرهم أنه لا يعرف كيف يشكر الله على ما أنعم عليه سوى بالتضرع له ليلا. كان والدي ينهي لقاءه بهم بدعاء المباركة لهم، ثم يطلب مني أن أتقدم، كان ينزع حزامه الجلدي يطويه لجعله أقصر إلى النصف، ويشير إلي فأتقدم، كان جزء مني يموت في حضرة تلك العيون الرمادية التي تراقبني وأنا أتقدم، وكثيرا ما اعتقدت أنه سيكون هناك يوم أموت فيه بين يديه، لم أتصور أبدا أن الموت لا يشبه والدي، وتخيلت في كوابيس متفرقة راودتني طوال حياتي، أن سيد الموت يأخذ بيدي، يحملني إلى السماء، وكان أشبه بوالدي في كل تلك الكوابيس، كنت أشبه بسجين ينتظر ساعة إعدامه، كانت كل صرخة ينادي فيها علي، أشبه بموتة أخرى أموتها، كانت لي أرواح كثيرة، وكان في كل نداء يقتل واحدة من تلك الأرواح، لم يعبأ إن كنت مجرد فتاة صغيرة، بل كل ما كان يجيده والدي هو جعلي عبدة لديه. اقتربت منه فصرخ وهو يقول: شريفة، ضعي أختك جانبا (جمع حاجبيه وجعل كل جزء من جسده يتصلب).
كان حمل تلك الفتاة، هو المانع الوحيد في وجه والدي، كانت الدرع التي أحملها والتي تمنعه من ضربي ، سابقا قبل أن ينادي علي كنت أكره حملها، كنت أجعلها تبكي انتقاما على حملها، فأحرمها من اللعب، أقرصها في غالب الأحيان وكنت بفعلتي تلك أحاول رد اعتبار لي، اعتبار أخذ مني غصبا، لكن لحظة حمله لحزامه كنت أتمنى ألا تكبر تلك الفتاة، وأن أخلد ما تبقى من حياتي وأنا أحملها فقط لكيلا يضربني، كنت أتمسك بها بشدة وأبكي، وكانت تبكي بدورها، كانت تشعر أن حاملتها في خطر، كانت تخاف مثلي، وكأنها تشاركني شيئا من الخوف والألم، أو أنها كونت رباطا روحيا بي بعد طول حملي لها، فلا تشعر سوى بما أشعر وكنت أتمنى أن يتثاقل الزمن وأنا أضعها أرضا، وببلوغها الأرض وقبل أن يشرع والدي في توجيه حزامه إلى وجهي الفتي، كنت أقفز وأرتمي إلى رجليه أقبلهما بشدة، أبكي وتبكي الفتاة على الأرض، مناجية إياه. - أنت سيدي، يا والدي الحبيب (أبكي بشدة)، أنا أرجوك، يا سيدي، يا سيدي (أتمسك برجليه).
Неизвестная страница