Человек, которого нельзя переместить
الرجل الذي لا يمكن تحريكه
Жанры
وأضاف كلمة كان العرب يتحدثون بها كثيرا بالجزائر، وعلى خلافنا نحن في فرنسا، كانوا دائما يتعاملون باسم الرب، يربطون فعل الشكر بجزاء منه، وكأن أبسط الأمور لا تتم إلا بمباركة تلك السلطة المطلقة التي يسمونها مشيئة الرب، وإن تمت الأمور فيختمونها بطلب المباركة؛ لذا أضاف المشرد في كلمات: حفظك الرب، وبارك أيامك.
كان من الجميل أن أرى بشريا يعتقد أن الإله سيحفظ النادل لأنه سيسقيه من الماء، كوب ماء مقابل رعاية أبدية من الإله الأعظم، كان تبادلا جميلا، ولو كنا بقدر إيمانهم بأمور الاعتقاد، لما احتجنا إلى المال والقوة في فرنسا، لما احتجنا لشيء، لكانت كلمة الرب فوق كل التعاملات، بالطبع أنا لا أومن بكل هذا، وإن ذكرته الآن فإن العديد من البشر بفرنسا كانوا سيذكرونه، العديد منهم، أو بالأحرى العديد من معارفي بحاجة إلى شيء يؤمنون به وإن كان فكرة الله، لكنني على خلافهم ما زلت أومن أن تلك الفكرة أكبر من أن أستوعبها، كما لا تستوعب الخلية أنها جزء من شيء أكبر، وكما لا تعي أنها تشترك والملايين من الخلايا في خدمة جسد سيتخلى عنها بعد أيام، وقولي «لحاجتنا إلى الاعتقاد بذلك.» هو نتاج حاجة العديد منا إلى الأمل، أمل يبدو أنه سهل المنال عند العرب، لذا سأختصر كلمة الرب في كلمة الأمل، وبعد كل ما أشعر به، أعتقد أنني أغار منهم، من العرب، يتمسكون بفكرة الإله، كتمسك الغريق بفكرة النجاة، ربما العديد منهم لا يدرون ذلك، لكن الإسلام في جوهره يجعل من فكرة الإله حقيقية جدا، وإن كان هناك إله حقا فلا أرى سوى أن الدين عنده لن يكون غير دين العرب؛ الإسلام.
التفت إلى الحافلة مجددا، كان كل شيء يحدث ببطء، تمدد الزمن بفعل تفكيري، لكن الحافلة كانت أسرع من أفكاري، فقد غادرت مكانها، وفكرت: اللعنة، تبا لهذا المشرد! (ابتعدت عن الكرسي الذي انقلب جراء اندفاعي للوقوف بسرعة.)
وبسرعة حملت حقيبتي وركضت خلفها، كان يجب أن أغادر المكان، وركضت مدة لم تكف السائق ليلتفت إلى المرآة الجانبية ليراني، لم يهتم بفعل ذلك، لم يكن يعي أنه بتوقفه لي سيساعد طبيبا على إنقاذ شخص ما، أو أنه سيكون السبب الأساسي في إنقاذ العجوز، لم ألمه على ذلك، فنحن البشر لا نعي أن خلف كل رجل يركض كالمجنون سببا ما، لا نعي شيئا إن صح القول، توقفت عن الركض ونتاج الخيبة التي تملكتني فتحت يدي أرفعهما أمسح وجهي، لحظتها تركت حقيبتي تسقط أرضا، انفتحت بمجرد ملامستها للأرض، خفضت رأسي ورأيت أدواتي مرمية حول الحقيبة، تذكرني بفشلي، التفت إلى المقهى، وفكرت، سأنتظر نصف ساعة آخر، حافلة أخرى ستتقدم إلى هذا المكان بعد نصف ساعة من الآن، إذا لم يحدث شيء ما، فعلى السائق ألا يتعطل في فعل شيء آخر، ألا يقوم بخطأ ما، هو على الأرجح في المحطة الرئيسية الآن، ينتظر ركوب الراكبين، سيتجه لإشعال سيجارته، فقد كره عمله كسائق وتلك السيجارة تنسيه ما يكره، وأنا من مكاني هذا أشعر أن هناك بعض الحركة للرياح، مع أن الجو ساخن إلا أن الهواء لم يكن ساكنا، والمحطة الرئيسية في مكان مرتفع، لذا سيشعر بقوة الرياح هناك أكثر، الرياح التي تتسبب فيها فراشات في أستراليا، ربما لن تشتعل سيجارته لسبب أو لآخر، ربما بسبب الرياح، لذا سيتأخر في ركوب حافلته ومغادرة المكان، سيغضب، وسينشغل بمحاولة إشعال السيجارة، أو حتى تدخينها، وبينما هو يفعل ذلك ستغادر فتاة على بعد 4 كيلومترات منزلها، ستخرج من المنزل فتاة في مقتبل العمر ولم تكن تهتم سوى بمظهرها في يوم حار كهذا، أو هذا ما سيبدو عليه الأمر لمن سيلتقيها بالشارع، تحاول أن تثير اليوم أحد الشبان بينما تتجه إلى صالونها الخاص، لكنها ستتأخر بدورها عن الخروج، فبتفكيرها في إثارة شاب ما ترددت بخصوص أناقتها، ستتوقف قبل أن تبلغ الباب، ستعود إلى غرفتها، تعيد ترتيب ملابسها، ربما بعض من التزيين سيفي بالغرض، والأهم، ربما قبعة كبيرة بيضاء ستتم الأمر، قبعة تضفي إلى سمرتها شيئا من الجاذبية، ربما ستتأخر لسبب آخر، أو لألف سبب أجهله، لكن الأهم، تأخر السائق وتأخرت الفتاة، ولو لم يتأخر أحدهما لما حدث ما سيحدث، مع أنه كان لما حدث من إمكانية عدم الحدوث نصيب، فلو أن السائق لم ينشغل بسيجارته، لقطعت الفتاة الشارع على بعد 4 كيلومترات و700 متر، لو أنها فكرت أن الشبان في الشاطئ في هذا اليوم الحار، لو حتى رضيت بما كانت عليه من جمال، أو ربما هي واجهت مشاكلها دون فرار، لو ربما توقفت قبل خروجها، لو هي استدارت إلى والدها، لو هي تشجعت على قبول قدرها، والأهم لو لم يغادر والد بيته قبل ثلاثين سنة، لو لم يغادر فرنسي فرنسا إلى ممتلكاته بالجزائر، والأفضل من ذلك كله، لو لم يحدث ما حدث قبل مائة سنة، لاستمر العالم فيما يفعل، لما حدث شيء، لما ضحك القدر، لكنهما تأخرا كلاهما (الفتاة والسائق) وبزمن دقيق لدرجة أنني تأكدت أن هناك قوة علوية حرصت على دقة ما يجري، لذا كان من المقدر وبسبب تأخرهما أن يصطدم بها، سيجتمع حشد من الناس حولها، سيحملونها ميتة ثم سيتوقف السائق وسيشعل سيجارة أخرى لينسى بها كعادته، سيجلس القرفصاء وهو يدخن السيجارة، سيلوم نفسه، سيلوم نفسه على المغامرة التي قام بها قبل مدة، وسيفعل كل ذلك معطلا بذلك رحلتي، سوف أتأخر لنصف ساعة أخرى ولن أبلغ العجوز سوى متأخرا، وستموت مربية طفلتي، ستحزن هذه الأخيرة، وسيهزمني القدر بلعبة، لعبة تحكم في شروطها تحكما تاما، وقطعت تفكيري أبواق السيارات المتوقفة، شتمني البعض من السائقين، حتى أنني رددت بنفس الشتم، نظر إلي السائرون بوقاحة، حتى إن إحدى النساء قالت لصديقتها إنه على النبلاء ألا يشبهوني، أخرى قالت إنها تكره الرجال لعجرفتهم، ما اهتممت للأمر وكما ذكرت سابقا، مازال البشر يجهلون البشر، لذا وأنا أقف متوجها بنظري إلى المقهى، تمنيت ألا يحدث شيء مما سيحدث، ألا يعطلني شيء ما مثلما فعل هذا المشرد، انخفضت أجمع لوازمي في سرعة، أغلقت حقيبتي وتوجهت إلى المشرد، حتما ستغضب ابنتي، فقد وعدتها أن أصل بالوقت، هي اتصلت بي صباحا تخبرني بحالة مربيتها الحرجة، كنت بالمكتب منشغلا بعض الشيء بتلك الفواتير التي يجب دفعها، انشغالا لا يخصني على وجه الخصوص، فأنا أدفع المال لأشخاص ليهتموا بهذه الأمور عادة، وها أنا أدفع لهم المال وأقوم بعملهم، حتى إنهم أخذوا عطلة أغسطس جميعا، لذا توجب أن أشتغل لوحدي في العيادة، وها أنا تأخرت بسبب ذلك المشرد، وبسبب انشغال السائق في الحديث. لن يصدقني أحد إن قلت إن السائق لم يرني عبر مرآته فقد كان يتحدث إلى الشرطيين اللذين دفعا المشرد جانبا، سيكون ذلك مجرد تكهن جميل لذكره في سهرة ما حينما يتحدث الجميع عن الأمور الغريبة التي حدثت معهم ويثملون جميعا بعدها، لكن ماذا لو اعترفت أنني عرفت أن ما حدث توجب حدوثه؟ وبما أنني أعلم ذلك فإنني أعلم صفة حدوثه؛ كان الشرطيان يتحدثان إلى السائق بخصوص المشرد العربي، وكيف يجب على فرنسا أن تبيد هذه الأشكال من الحياة، كانا قد انتهيا من مناوبتهما وتوجها إلى الحافلة بعد أن دفعا المشرد عن الطريق، كانت عنصريتهما تجاه العربي، تفوق عنصريتي تجاهه؛ فعلى الأقل أرى أنه ما زال بشريا كبقيتنا، إلا أن ارتباطاتي بقوميتي الأوروبية، وانتمائه إلى العرق العربي، جعل مني شخصا غريبا عنه، جعله أدنى من أن يكون إنسانا، وجعلني أكون أكثر من مجرد ذلك، امتيازات منحت لي بتقسيم غبي، قام به فرد من أجدادي نتاج نشوة تافهة، نتاج أنانية حيوانية، ونسي الجميع أن الفرنسيين والعرب وبقية البشر من رحم واحد.
لكن يجدر الذكر أنه لو أن المشرد لم يتقدم إلى الطريق ولم يتوقف هناك يتأمل السماء، لما دفعه الشرطيان، لما منحهما موضوعا للتحدث بشأنه، لما تعطلت عن الركوب، والأهم، لتمكن السائق من رؤيتي من خلال مرآته الجانبية، ولجلس الشرطيان دون أن يزعجا هذا الأخير، لكن ها هو المشرد يجلس هناك، وبعدما تسبب في كل ذلك ها هو لا يدري أنه وعن غير قصد، ومن دون وعي قد يكون أفسد يومي. على كل تقدمت نحوه ووضعت الحقيبة جانبا، كان قد تفاجأ لفعلي هذا، وصرخت عليه قائلا: لقد جعلتني أتأخر عن مهمتي. (صرخت حتى إنني جعلت الجميع يسمع ذلك) كيف لك أن تجلس هنا غير مبال؟ اللعنة! (أخذت نفسا ونظرت من حولي، ثم وبصوت هادئ يخفي الانفجار بداخلي): لم أنت؟ لم أحدثك الآن وكأنني أعرفك؟ أنا لا أعرفك! ما تكون أنت؟ (وضعت يدي على الطاولة أسند جسمي المنحني باتجاهه.)
اللعنة! (ولكمت الطاولة.)
واكتشفت أنه لن يجيبني، لم يفهم شيئا مما أقول، كان خائفا من المحاولة حتى، فقد التصق بالكرسي الذي كان يستند إليه، وشعرت بيديه ترتجفان ولم يحاول قول كلمة، بل ثبت نظره نحوي، التصقت عيناه السوداوين بي واتسعتا، وكأنه ينتظر موتا محتما، أو يحاول توقع ضربة أوجهها إليه - تخيلت للحظة أنني لكمته بيدي اليمنى، سيتراجع جراء القوة التي أثرت على ثقله، يرتفع رأسه إلى الخلف في بادئ الأمر ويتجه إلى الخلف، ثم يستمر ما تبقى من جسده في أخذ نفس الحركة، وينتهي به الأمر على الأرض. لحسن الحظ كانت فكرة فقط - كنت قد هدأت والتفت إلى الطاولة التي كنت أجلس إليها سابقا، لمحت فنجان القهوة، جلبته ثم جلست بالقرب من المشرد، وأنا أضع رأسي بين يدي أفكر في طريقة ما للتوجه إلى العجوز.
ومن دون وعي رفعت يدي وأنزلتها بسرعة أضرب الطاولة.
اللعنة!
ثم رأيت يدا تتمدد نحوي وهي تحمل مائة فرنك، رفعت رأسي ورأيت العربي وهو يقدم لي المال محاولا شراء هدوئي، لم ينبس ببنت شفة ولكنه قال الكثير بعينيه.
Неизвестная страница