Рахман и Шайтан
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Жанры
Albin
وهي المركز الرئيسي لانتشارها في جنوب فرنسا. وقد ربط معاصروها بينها وبين الهرطقات الأسبق مثل الأريوسية والمرقيونية والمانوية. ورغم أن الكاثارية قد صارت إلى ما يشبه العقيدة الرسمية لمجتمع ونظام سياسي، إلا أنها لم تشكل كنيسة دينية بالمعنى المسيحي أو المانوي، ولم تتحول إلى أيديولوجيا دينية مصاغة في قالب منمط، بل كانت تضم عددا من الطوائف التي يتبع كل منها مرشدا روحيا ويتكنى باسمه. ورغم اختلاف هذه الطوائف في تفاصيل المعتقد والممارسة، إلا أنها تتفق جميعا حول عدد من مبادئ العقيدة، وعلى رأسها العرفان وتناسخ الأرواح والثنوية الكونية.
رفض الكاثاريون المؤسسة الدينية كوسيط بين الله والناس وكمفسر لوحي الكتاب، كما رفضوا مفهوم الإيمان واستبدلوا به مفهوم العرفان الداخلي الذي يؤدي إلى الانعتاق من دورة التناسخ. وقد استتبع ذلك عندهم رفض فكرة المسيح المخلص المتجسد، ورفض المضمون الخلاصي لواقعة الصلب، والصليب كرمز لخلاص الإنسانية، بل لقد رأوا في الصليب رمزا لأمير الظلام حاكم العالم المادي والعدو الأول لمبدأ الخلاص، ورأوا في كنيسة روما تجسيدا لسلطان أمير الظلام على العالم. ومع ذلك فقد اعتبروا أنفسهم المسيحيين الحقيقيين، واعتقدوا بمسيح سماوي لم يتجسد في إنسان، لأن الجسد الإنساني ينتمي إلى عالم المادة المظلمة صنيعة الشيطان، ومن غير الممكن للمسيح أن يلبس جسدا ويبقى مع ذلك ابنا لله.
لا يقف المعتقد الثنوي للكاثارية عند حدود الثنوية الأخلاقية المسيحية، بل يتعداه إلى ثنوية كونية تتخلل جميع مظاهر الوجود، نقيضاها مبدآن تصارعان على كل صعيد، المبدأ الأول روحاني جوهره الحب، والمبدأ الثاني مادي جوهره القوة. الأول هو الله والثاني هو الشيطان، وبما أن الخلق والتكوين هو عمل من أعمال القوة لا من أعمال الحب، فإن العالم المادي في اعتقادهم قد صنعه الشيطان، ملك الدهر وأمير هذا العالم. من هنا فإن المادة بأشكالها جميعها شر، بما في ذلك جسد الإنسان. فبعد أن انتهى أمير الظلام من صنع العالم وجاء إلى صنع الإنسان، وجد نفسه غير قادر على بث الحياة في جسد الزوجين الأولين، فعمد إلى اصطياد روحين ملائكيتين من الأعالي وسجنهما في الهيئة المادية التي صنع، فنهض أمامه آدم وحواء بشرا سويا بجسد ظلامي وروح نورانية. ولما كان ملك العالم راغبا في مزيد من احتباس الروح في المادة الكثيفة، فقد أغوى آدم وحواء وزين لهما الفعل الجنسي الذي يقود إلى التكاثر، فكانت خطيئة الإنسان الأصلية.
ولكن الإنسان قادر على إزالة أثر الخطيئة الأصلية من خلال التعرف على أصله النوراني ومقاومة كل تأثير للعالم المادي عليه، وهو في سعيه لتحرير روحه إنما يشارك في الوقت نفسه بالجهد الخلاصي الكوني، الذي يهدف إلى القضاء على مملكة الشيطان. غير أن سعي الإنسان هذا يبقى قاصرا دون مدد من الأب النوراني الأعلى، الذي شعر بالعطف نحو ملائكته الساقطة المحبوسة في أجساد بشرية مادية، وغفر للإنسان خطيئته الأصلية التي ارتكبها جهلا لا اختيارا، فأرسل ابنه المسيح لمساعدتهم على الخلاص، كما أمدهم بالروح القدس لتوجيههم وتعليمهم. هذا المسيح الابن ليس كلمة الله المتجسدة في بشر، ولم يكن له جسم مادي رغم ترائيه للناس في هيئة وشكل، بل كان أشبه بحضور ملائكي منظور ومسموع، ولهذا لم يكن له أن يصلب أو يموت أو يعاني الآلام الأرضية، رغم أنه قد تألم في الأعالي من أجل الإنسانية وتعاطف معها، ولهذا أيضا لا يستطيع الإنسان أن يلتمس المسيح في الكنائس لأنها ليست بيتا له، بل يلتمسه في هيكل النفس ويطلب عونه على الخلاص بالمعرفة. وعندما تنتصر الإنسانية على الشيطان وتخلص من ربقته، فإن هذا الانتصار لن يتوج ببعث الأجساد التي تعود للاتحاد بأرواحها، بل بتدمير الجسد مع ما يتم تدميره من عالم الشيطان في نهاية الأزمان، التي تشهد السيادة النهائية للعالم الروحاني بعد فناء العالم المادي وقهر صانعه.
تختلف ثنوية المعتقد الكاثاري عن ثنوية البوجوميل المعتدلة ، في النظر إلى طبيعة تناقض المبدأين. فالتناقض بين المبدأين لدى الكاثارية هو تناقض مطلق وتعارضهما أزلي، لأنهما مبدآن مستقلان ومنفصلان أصلا، ولم ينشأ أحدهما عن الآخر، والكاثارية في ذلك أقرب إلى المانوية من أي معتقد غنوصي آخر. فالخيار الحر لم يكن السبب في سقوط الشيطان وانفصاله عن الرحمن، لأن الشيطان كان موجودا في استقلال قديم ولم يكن للرحمن في أي وقت سلطان عليه، رغم أنه سيربح حربه تدريجيا ضده في نهاية الأزمان. وكما لم تكن الحرية سببا في سقوط الشيطان، فإنها لم تكن أيضا سببا في سقوط الإنسان، ولن تكون مفيدة في خلاصه. فالإنسان قد سقط عنوة في إسار الشيطان، ولن يتحرر من هذا الإسار حتى وإن اختار الوقوف إلى جانب الخير وقاوم الشر، بل يتوجب عليه أن يمر في دورات تناسخ عديدة، يعمل خلالها على تكميل معرفته وتطهير روحه في عالم المادة، الذي هو الجحيم بعينه ولا جحيم غيره. هذا التطهير التدريجي يتم عن طريق رفض العالم رفضا كليا ونبذ الشروط التي تجعل الوجود الإنساني ممكنا، وهذا يعني الامتناع عن الزواج والمعاشرة الجنسية التي تؤدي إلى الإنجاب، والامتناع عن أكل الحيوان لأنه نتاج عملية التناسل المادية، وعدم تملك أي شيء من متاع الدنيا وممارسة الزهد والتقشف إلى أبعد حد ممكن. وعلى النطاق الأخلاقي، على الكاثاري التزام الصدق وحسن معاملة الآخرين، وعدم إيذاء جميع الكائنات الحية.
ولما كان هذا النهج عسيرا على الناس كلهم، فقد انقسم الكاثاريون على طريقة المانويين إلى شريحتين؛ الأولى شريحة رهبانية منذورة للخلاص القريب، هي فئة الكاملين التي تلتزم السلوكيات والأخلاقيات الكاثارية بحذافيرها، وتتفرغ للتأمل والمعرفة الباطنية، والثانية هي فئة سواد المؤمنين التي تمارس حياتها الاعتيادية وتتبع سلوكيات وأخلاق كاثارية أقل صرامة، وتدعم شريحة الكاملين وتقبل توجيهها الروحي، على أمل الالتحاق بهؤلاء الكاملين في حيوات وتناسخات مقبلة. وبما أن الانتماء إلى جماعة الكاملين متاح أمام الجميع ولمن يجد في نفسه القوة الروحية اللازمة، فإن باب السماء قريب ومفتوح لكل من يشاء اختصار دورة الحياة والموت والإسراع إلى الأبدية. يتم قبول المريدين الجدد إلى جماعة الكاملين بعد طقس إدخالي خاص يؤمن عبور المريد من عالم ملذات الدنيا الفانية إلى عالم متع الروح الصافية. ومن أهم فقرات هذا الطقس عملية التعميد الروحي التي تتم بوضع يد الشيخ على رأس المريد. بعد فترة اختبار تدوم عاما كاملا يكشف الشيوخ للمريدين المقبولين عن التعاليم السرية للعقيدة المخفية عن عامة الناس، ويغدو هؤلاء أعضاء عاملين في سلك الرهبنة الكاثارية.
حوالي عام 1200م، شعرت الباباوية الكاثوليكية بأن المقاطعة الكاثارية في فرنسا وجيوبها المتفرقة المتفقة في معظم أرجاء الغرب المسيحي، باتت تشكل خطرا حقيقيا عليها، فأعد البابا لحملة عسكرية دعاها بالحملة الصليبية الألبينية، ووجهها إلى جنوب فرنسا عام 1209. كان قوام الحملة ثلاثين ألفا من الفرسان والمشاة انحدروا من الشمال الأوروبي كالإعصار نحو مقاطعة الكاثارية، وكان أجرهم ما يحصلون عليه من أسلاب وغنائم إضافة إلى صك غفران ومكان لهم في الجنة. أحرق الصليبيون الجدد الأرض، ومسحوا المدن الآمنة فسووها بالتراب وأفنوا سكانها عن بكرة أبيهم تقريبا. ففي مدينة Beziers وحدها جرى قتل خمس عشرة ألف نسمة بين رجل وطفل وامرأة، ناهيك عن عدد القتلى في عشرات المدن ومئات القرى. ويروي أحد مؤرخي تلك الحملة أن قائدها سأل ممثل البابا لديه عن الكيفية التي يميز بها الهراطقة من غيرهم في المدن المفتوحة قبل إعمال السيف بهم، فأجابه: اقتلهم جميعا واترك لله أن يميز رعيته بينهم. وقد أرسل هذا الممثل البابوي في تقريره إلى الحبر الأعظم يقول: إن السيف لم يميز ضحاياه تبعا للسن أو الجنس أو المكانة الاجتماعية. ولكن هذه الحملة الألبينية الأولى لم يقدر لها أن تنتهي بسرعة رغم النجاحات التي حققتها الهجمات الأولى، وذلك بسبب المقاومة العنيفة التي أظهرها الكاثاريون وتراجعهم نحو المناطق الوعرة والصعبة والحصون المنيعة. وكان على جيش البابا أن يحارب مدة أربعين سنة أخرى، في كر وفر وعلى فترات تطول وتقصر، وذلك حتى عام 1244 عندما سقطت مدينة Monstegur وكانت آخر معقل كاثاري. وبذلك تم محو أهم وأرقى ثقافة قروسطية عن الخارطة الأوروبية المظلمة.
لم يندثر الفكر الكاثاري عقب زوال الحضارة الكاثارية في جنوب فرنسا، بل اتخذ أشكالا جديدة، وحملته إلى العصور الحديثة حركات سرية تسمت بأسماء شتى منها:
The Brothers of the Free Spirit ،
Неизвестная страница