Рахман и Шайтан
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Жанры
خلال هذه الفترة الثانية، يمارس الإنسان دورا فعالا في عملية الفصل بين النور والظلمة ودفع التاريخ إلى مرحلته الثالثة، مرحلة استقلال النور عن الظلمة والقضاء على إبليس. يقول ابن النديم: «ومما يعين في التخليص والتمييز ورفع أجزاء النور، التسبيح والتقديس والكلام الطيب وأعمال البر، فترتفع بذلك الأجزاء النورية في أعمال عمود الصبح (= درب المجرة) إلى فلك القمر. فلا يزال القمر يقبل ذلك من أول الشهر إلى النصف، فيمتلئ فيصير بدرا، ثم يؤدي إلى الشمس حتى آخر الشهر، فتدفع الشمس إلى نور فوقها في عالم التسبيح، فيسير في ذلك العالم إلى النور الأعلى الخالص، ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى من أجزاء النور شيء في هذا العالم.»
عندما تحل المرحلة الثالثة يكون معظم النور المحتبس في المادة الظلامية قد عاد إلى أصله، ولم يبق في هذا العالم سوى نذر يسير، تأتي نهاية العالم. يقول الشهرستاني: «حتى إذا لم يبق من أجزاء النور في هذا العالم إلا قدر يسير منعقد لا تقدر الشمس ولا القمر على استصفائه، يرتفع الملاك الذي يحمل الأرض، ويدع الملاك الذي يجذب السماوات، فيسقط الأعلى على الأسفل، ثم توقد نار حتى يضطرم الأعلى والأسفل، ولا تزال تضطرم حتى يتحلل ما فيها من النور، وتكون مدة الاضطرام ألفا وأربعمائة وثمان وستين سنة.» ويقول ابن النديم: «وهكذا فأجزاء النور أبدا في الصعود والارتفاع، وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل، حتى تتخلص الأجزاء من الأجزاء، فيبطل الامتزاج وتنحل التراكيب ويصل كل إلى كله وعالمه، وذلك هو القيامة والمعاد.» وأيضا: «فإذا انقضى التدبير ورأت روح الظلمة خلاص النور وارتفاع الملائكة والجنود والحفظة رامت القتال، فيزجرها الجنود من حولها فترجع إلى قبر أعد لها ثم يسد على ذلك بصخرة تكون مقدار الدنيا، فتتم حينئذ الراحة من الظلمة وأذاها.»
أما عن مفهوم الخلاص، وهو المفهوم المركزي في المعتقد المانوي، فيرتبط بأسطورة خلق الإنسان التي تستطيع إعادة بنائها اعتمادا على شذرات من النصوص المانوية، وعلى مصادر أخرى غير مباشرة. فعندما رأى الشيطان خطة الله في استصفاء النور المحتبس في المادة الظلامية، جهز خطة معاكسة لاحتباس مزيد من النور في نسيج المادة بواسطة الجنس البشري، الذي تتألف أعضاؤه من المادة بينما تتركز الأنوار بكثافة فائقة في روحه. فعهد إلى أركونين من أراكنته باستيلاد الزوجين الأولين آدم وحواء اللذين تجمع فيهما جزء كبير من النور المحتجز في الأسفل. ولكن الإنسانين الأولين كانا غارقين في سبات الجهل غير مدركين لوميض النور في داخلهما. فلما رأى الله ما فعل الشيطان أشفق على الإنسان، فأرسل إلى آدم وحواء يسوع النوراني «وهو غير يسوع الأرضي الذي بعث رسولا فيما بعد» ليزودهما بالغنوص (= العرفان) ويفتح أعينهما على حقيقة الروح المحتجزة والمتألمة في سجن المادة ويظهر لهما أصلهما المزدوج، ثم أرسل الله إلى نسل آدم وحواء رسلا يحملون لهم المعرفة المحررة وهم: شيت ونوح وأخنوخ وشيم وإبراهيم وبوذا وزرادشت ويسوع وبولس وأخيرا ماني. ذلك أن الجهل عند المانوية، كما هو عند الغنوصية بشكل عام، هو الذنب وهو الخطيئة، والخلاص لا يتم إلا بالمعرفة الداخلية المحررة.
إن الروح العارفة التي حققت الاستنارة وأدركت أصلها النوراني، سوف تنفك من إسار دورة الميلاد والموت، وتصعد عبر عمود الصبح إلى القمر ومنه إلى الشمس فإلى النور الأعلى، تاركة جسدها إلى الأبد في عالم المادة الظلامية. وعندما تصل حدود النور تخرج لاستقبالها عذراء سماوية رائعة هي تجسيد لعرفان الفرد ولعمله الصالح، ووراءها ثمانون ملاكا مزينين بالورود يأخذون بيد الروح العارفة ويقودونها إلى جنة النور لتذوق السعادة الأبدية هناك. وأما الروح الجاهلة الراسفة في أغلال المادة فإنها تبقى في إسار دورة التناسخ حتى نهاية الدهر، وعقب كل موت يأتيها ملائكة العذاب فيوبخونها ويذكرونها بأفعالها السيئة ثم يذيقونها أصناف العذاب، وتترك بعد ذلك لتتقمص في جسد جديد، وهكذا فمن تقمص إلى آخر حتى قيام الساعة. عندما تقترب الساعة وتأتي عملية استصفاء النور إلى نهايتها، تحدث كوارث طبيعية في كل مكان، ثم يظهر مخلصان واحد يدعى ميترا المزيف وهو المخلص الدجال، وآخر هو ميترا الحقيقي الذي يقود الحرب العظمى الأخيرة بين قوى النور وقوى الظلام، والتي تنتهي بالنصر المؤزر للنور، عند ذلك يجتمع المؤمنون المبعثرون، ويتم تجديد المعبد وإنقاذ الكتب المقدسة، ويقوم ملكوت الرب على الأرض، وهو ملكوت يحكمه يسوع المسيح لفترة قصيرة من الزمن قبل أن يلتحق بالعالم النوراني. بعد ذلك تنطبق السماء على الأرض، وتندلع نيران في كل مكان تبقى مضطرمة حتى ترفع بقية ذرات النور نحو الأعلى، ويموت الجميع وتفنى أجسادهم، أما أرواحهم فتبعث إما إلى نعيم وإما إلى جحيم. أما الشيطان وزبانيته فيجمعون في كتلة سوداء هي بقية المادة الظلامية، ترمى في أعماق حفرة كونية هائلة ويسد عليها بحجر ضخم. (3) الأخلاق والعبادات
أورد الشهرستاني مقطعا مقتضبا حول الأخلاق والعبادات المانوية قال فيه: «وقد فرض ماني على أصحابه العشر في الأموال كلها ، والصلوات الأربع في اليوم والليلة، والدعاء إلى الحق، وترك الكذب والقتل، والسرقة، والزنا، والبخل، والسحر، وعبادة الأوثان، وأن يأتي على ذي روح ما يكره أن يؤتى إليه بمثله.» غير أن المصادر الأخرى تعطينا مزيدا من التفاصيل حول هذه النقطة. فالأخلاق والعبادات المانوية ليست واحدة بالنسبة لجميع فئات الكنيسة. لقد ذكرنا في حديثنا عن مراتبية كنيسة ماني أنها تتألف من أربع فئات رهبانية وفئة خامسة تشتمل على عامة المؤمنين. يدعى أهل الفئات الرهبانية بالمجتبين أو الصديقين، ويدعى أهل الفئة العريضة الخامسة بالسماعين. وتختلف قواعد السلوك والعبادات المفروضة على المؤمن المانوي تبعا لانتمائه إلى إحدى هاتين الشريحتين، وبشكل عام يلتزم الصديقون من الشريحة الرهبانية خمس وصايا سلوكية وأخلاقية هي: (1)
طهارة الفكر واللسان، فلا يتداول العقل إلا الأفكار الحسنة ويبتعد عن الأفكار والعواطف السيئة كالحسد والضغينة وما إليها، ولا يصدر عن اللسان إلا الصدق وكلام الحق. (2)
التزام اللاعنف تجاه الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات، فلا يقتل الصديق حيوانا ولا يقطع شجرة ولا يجني ثمارا أو يحصد غلالا. (3)
الامتناع عن أكل اللحم وشرب الخمر والتزام الغذاء النباتي. وبما أن تحضير الأغذية النباتية يتضمن خطيئة مباشرة بحق الحياة النباتية، فإن الصديقين يعتمدون على السماعين في هذه المهمة ولا يمارسونها بأنفسهم، وعندما تقدم الأغذية النباتية إلى أحد الصديقين من أحد السماعين يقبلها منه ويصلي من أجله لكي تغفر خطيئته، وقبل تناول الخبز يقول: لم أحصدك ولم أطحنك ولم أخبزك، بل فعل ذلك شخص آخر، لذا أتناولك دون إثم. (4)
العزوف عن الزواج وعن المعاشرة الجنسية، من أجل معاكسة خطة الشيطان في حبس مزيد من النور في كثافة المادة عن طريق المواليد الجدد. يضاف إلى ذلك أن المانويين اعتقدوا أن السائل الحيوي في الرجل يحتوي على قدر كبير من النور المركز، فكانوا حريصين على عدم تسرب هذا النور إلى الخارج. (5)
الفقر وعدم امتلاك أي شيء من متاع الدنيا.
Неизвестная страница