Рахман и Шайтан
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Жанры
كما أنه من كل بقاع الأرض لا يرى إلا بقعة جغرافية صغيرة لا تكاد العين تلمحها على خارطة العالم، أعطاها ملكا أبديا لشعبه هذا، وأمضى ما تبقى من تاريخ العالم في محاولة الوفاء بوعده لهم. ومع ذلك فإن الباحثين الغربيين لا يملون إسماعنا في كل مناسبة بأن إله التوراة هو إله يتجلى في التاريخ ويفعل من خلاله، بينما تتجلى آلهة الشرق القديم في الطبيعة وتفعل من خلال صيرورة عملياتها. وهذه الفكرة هي أخطر الأفكار المسيطرة (=
) على حقل دراسة لاهوت العهد القديم، وأكثرها خطأ في الآن نفسه، إلا إذا افترضنا أن الجغرافيا البشرية تقتصر على منطقة السامرة ويهوذا، وأن تاريخ العالم يقتصر على فلسطين الكنعانية خلال فترة الحدث التوراتي.
ترحل جماعة سفر التكوين من كنعان لتلتحق بيوسف الذي صار وزيرا للفرعون، وكان عددهم سبعين نفسا فقط، وهناك أقطعهم يوسف أراضي في منطقة الدلتا فاستقروا وتكاثروا ... ولكنهم بعد موت يوسف وقعوا تحت نير العبودية والسخرة مدة أربعمائة سنة، كان الرب خلالها غافلا عنهم في نوبة من نوبات سباته «التاريخية» الطويلة، التي لم يوقظه منها سوى صراخ بني إسرائيل، فنظر وتذكر عهده. نقرأ في مطلع سفر الخروج: «وتنهد بنوا إسرائيل من العبودية وصرخوا، فصعد صراخهم إلى الرب من أجل العبودية، فتذكر الرب ميثاقه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب» (2: 23-24). اختار الرب موسى ليكون أداته في تحرير الشعب وقيادته، فتجلى له أول مرة في لهيب شجرة تشتعل ولا تحترق، «فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة، ثم قال: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ... إني قد رأيت مذلة شعبي وسمعت صراخهم فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا» (3: 5-8). «لذلك قل لبني إسرائيل أنا الرب، وأنا أخرجكم من تحت أثقال المصريين، وأتخذكم لي شعبا وأكون لكم إلها، وأدخلكم إلى الأرض التي رفعت يدي أن أعطيها لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وأعطيكم إياها ميراثا» (6: 6-8).
هنا فقط يقرر يهوه الدخول في التاريخ، ولكن لا في تاريخ العالم وتاريخ الحضارة، بل في تاريخ بني إسرائيل حصرا، وينحصر مخططه التاريخي في تخليص تلك الفئة القليلة من العبودية، وقيادتهم إلى كنعان ليكونوا شعبه الذي اختاره من دون شعوب الأرض، فيصيروا له مملكة خاصة. يترك يهوه علياءه ليقود بنفسه بني إسرائيل عبر صحراء سيناء. فكان يتجلى لهم على شكل عمود من سحاب يسير أمامهم في النهار، وعلى شكل عمود من نار يسير أمامهم ليلا فلا يضلون الطريق، و«لم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب» (13: 20-21). كما كان موكلا بطعامهم وشرابهم، ينزل عليهم من السماء المن وطيور السلوى لمأكلهم، ويفجر الصخر أمامهم لينبثق منه ماء لعطشهم، ثم سكن بين ظهرانيهم في خيمة كيلا يبرحهم، وكان يتدخل في المعارك الحربية إلى جانبهم. الأمر الذي جعله يبدو في الأسفار الخمسة أقرب إلى قائد ملحمي منه إلى إله علوي. كما تعطينا هذه الأسفار انطباعا قويا بأن تاريخ الكون بأسره وتاريخ البشرية منذ آدم، لم يكن إلا مقدمة لتحرير بني إسرائيل وقيادتهم إلى كنعان، لكي يؤسس الرب بهم مملكته على الأرض ويكونوا له أحبارا في هذه المملكة: «وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إلي، فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي، تكونوا لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة» (19: 3-6). في هذه المملكة ينتظر يهوه أن يتربع على العرش ويحكم بشكل مباشر: «ما أجمل قدمي المبشر على الجبال، المخبر بالخلاص، القائل لصهيون قد ملك إلهك» (أشعيا، 52: 7). وأيضا: «ارتعدي قدامه يا كل الأرض. قولوا بين الأمم: الرب قد ملك» (المزمور 96: 8). «الرب قد ملك. فلتبتهج الأرض ... قدامه تذهب نار وتحرق أعداءه حوله» (المزمور 97: 1-2). «الرب قد ملك. ترتعد الشعوب. هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض» (المزمور 99: 1).
غير أن خطة يهوه لم تسر على ما يحب ويشتهي، لأن الشعب الذي اختاره لم يتحمل عبء الشريعة، وراح يتذمر على موسى وإلهه منذ خروجه من مصر، فهو يفضل حياة العبودية مع الطمأنينة على الحرية مع المشقة والخطر: «وقالوا لموسى: هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية؟ ماذا صنعت بنا، حتى أخرجتنا من مصر؟ أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر: كف عنا فنخدم المصريين، لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية» (الخروج، 14: 11-12). ورغم كل ما فعله يهوه من أجل شعبه، فقد راح هذا الشعب يعبد آلهة أخرى خلال كل الفترة التي تغطيها الأسفار التوراتية. وهذا ما صاغ منذ البداية نوعا من العلاقة المتوترة بشكل دائم بين الإله وشعبه، استمرت حتى نهايات التاريخ اليهودي. فكان الرب يعاقبهم كلما زاغوا عن سبيله وأهملوا وصاياه، فيضربهم بالوباء ويرسل عليهم الكوارث، ثم يمد لهم الحبل عند توبتهم وعودتهم إليه.
ويدور تاريخ بني إسرائيل في الحلقة المفرغة نفسها: عصيان - غضب وعقاب - توبة - عصيان ... وذلك حتى تشكيل المملكة الموحدة التي ضمت القبائل في دولة واحدة، تعاقب على العرش فيها شاؤل فداود فسليمان. ولقد بدا لأول وهلة أن ملك يهوه وشيك التحقق من خلال هذه المملكة التي أسبغ عليها خيال المحور التوراتي كل خصائص العصر الذهبي الكاملز نقرأ في سفر الملوك الأول: «فتعاظم سليمان على كل ملوك الأرض في الغنى والحكمة، وكانت كل الأرض ملتمسة وجه سليمان، وكانوا يأتون إليه كل واحد بهديته بآنية فضة وآنية ذهب وحلل وسلاح وأطياب سنة فسنة، وجعل الملك الفضة في أورشليم مثل الحجارة وجعل الأرز مثل الجميز الذي في السهل لكثرته» (23-27). ولكن حلم يهوه في مملكة أرضية قد تلاشي لأن سليمان انحرف عن سبيل الرب وعبد آلهة أخرى: «فقال الرب لسليمان: من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقا وأعطيها لعبدك» (11: 9-11).
تتمزق مملكة سليمان بعد وفاته وتنقسم إلى مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا، وتدخل هاتان المملكتان في صراع دائم وحروب طاحنة ويسير ملوكهما وعامتهما على خطى من سبقهم في إدارة ظهرهم لإله موسى، فيحكم عليهما بالخراب والسبي، ويستخدم في ذلك مملكة آشور التي دمرت السامرة عاصمة إسرائيل وسبت أهلها، كما يستخدم بعد ذلك بابل التي دمرت أورشليم وسبت أهل يهوذا. نقرأ في سفر إرميا: «قد رجعوا إلى آثام آبائهم الأولين، وقد ذهبوا وراء آلهة أخرى ليعبدوها. قد نقض بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهدي. لذا أنا جالب عليهم شرا لا يستطيعون أن يخرجوا منه، ويصرخون إلي فلا أسمع لهم ... لأنه بعدد مدنك يا يهوذا صارت آلهتك» (إرميا، 1: 9-13). وأيضا: «قد جعلت وجهي على هذه المدينة - أورشليم - للشر لا للخير يقول الرب. ليد ملك بابل تدفع فيحرقها بالنار» (21: 8-10).
وهكذا يغدو ملكوت الرب أشبه بسراب خادع، كلما اقترب منه بنو إسرائيل صار أبعد عنهم. فمسببو إسرائيل لم يرجعوا قط إلى مواطنهم بل تفرقوا وضاع أثرهم، أما مسببو يهوذا فقد سمح لهم الملك قورش الفارسي بالعودة إلى ديارهم، حيث شكلوا ولاية فارسية صغيرة دعيت بمقاطعة اليهودية، قامت على جزء من دولة يهوذا القديمة ، ولم تكن إلا أثرا باقيا من مملكة قديمة زالت إلى الأبد ولا أمل في إحيائها. ثم ما لبثت الاستقلالية الشكلية التي منحت لمقاطعة اليهودية خلال العصر الفارسي أن زالت بعد إلحاقها بدولة السلوقيين، التي ورثت أملاك الإمبراطورية الفارسية في مناطق غربي الفرات، وعندما حاول السلوقيون إضفاء الطابع الهيلينستي على المنطقة، ثار اليهود تحت قيادة المكابيين (= الأسرة الهشمونية) ودخلوا حرب استقلال طويلة أنهكت المقاطعة ودمرت بناها التحتية التي لم تكن قد تعافت تماما، ثم جاء الفتح الروماني ليضع حدا لكل أمل لليهود بالاستقلال وإعادة بناء المملكة.
خلال هذه الأحداث كانت فكرة تحقيق ملكوت الرب على الأرض تدفع نحو الآفاق غير المنظورة للمستقبل، إلى أن صارت مترافقة مع فكرة جديدة على الأيديولوجيا التوراتية هي فكرة نهاية التاريخ، التي تسربت إليها من الزرادشتية خلال فترة السبي والاحتكاك بالفرس. ففي نهاية التاريخ يظهر المخلص المنتظر الذي بشرت به الزرادشتية، ولكن لا لكي يأتي بالزمن الدنيوي إلى نهايته ويتغلب على قوى الشر الكونية ويساعد على تخليص الكون والإنسانية، كما هو شأنه في العقيدة الزرادشتية، بل لكي ينصب ملكا على اليهود ويحارب أعداءهم في كل مكان، فيرفع الشعب المختار فوق شعوب الأرض قاطبة، ويمهد لحلول ملكوت الرب. إنه «المسيا» أي مسيح الرب
9
Неизвестная страница