الِاعْتِبَار بل هِيَ مَفْعُوله لَهُ والرب لَا يَتَّصِف بمفعولاته وَهنا يلتبس الْحَال على من لَا يفرق بَين فعل الرب ومفعوله كَمَا يَقُول ذَلِك الجهم وموافقوه وَقد تقرر الْفرق بَين مَا خلقه صفه لغيره وَبَين مَا اتّصف هُوَ بِهِ فِي نَفسه وَالْفرق بَين إِضَافَة الْمَخْلُوق إِلَى خالقه وَإِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف بهَا قَالَ ابْن تَيْمِية وَهَذَا الْفرق مَعْلُوم بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء فَإِنَّهُ تَعَالَى إِذا خلق لغيره حَرَكَة لم يكن هُوَ المتحرك بهَا وَإِذا خلق للرعد وَنَحْوه صَوتا لم يكن هُوَ المتصف بذلك الصَّوْت وَإِذا خلق الألوان فِي النَّبَات وَالْحَيَوَان والجماد لم يكن سُبْحَانَهُ هُوَ المتصف بِتِلْكَ الألوان وَإِذا خلق فِي غَيره علما وَقدره وحياة أَو كذبا أَو كفرا لم يكن هُوَ المتصف بذلك كَمَا إِذا خلق فِيهِ طَوافا وسعيا وَرمي جمار وصياما وركوعا وسجودا لم يكن هُوَ الطَّائِف والساعي والراكع والساجد والرامي بِتِلْكَ الْجمار
قَالَ وَقَوله تَعَالَى ﴿وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى﴾ مَعْنَاهُ مَا أصبت إِذْ حذفت وَلَكِن الله هُوَ الَّذِي أصَاب فالمضاف إِلَيْهِ الْحَذف بِالْيَدِ والمضاف الى الله الإيصال إِلَى الْعَدو وإصابتهم بِهِ قَالَ وَلَيْسَ المُرَاد بذلك مَا يَظُنّهُ بعض النَّاس انه لما خلق الرَّامِي وَالرَّمْي كَانَ هُوَ الرَّامِي فِي الْحَقِيقَة فَإِن ذَلِك لَو كَانَ صَحِيحا لكَونه خَالِقًا لرميه لاطرد ذَلِك فِي سَائِر الْأَفْعَال
وَيُقَال وَمَا مشيت وَلَكِن الله مَشى وَمَا لطمت وَلَكِن الله لطم وَمَا ضربت بِالسَّيْفِ وَلَكِن الله ضرب وَمَا ركبت الْفرس وَلَكِن الله ركب وَمَا صمت وَمَا صليت وَمَا حججْت وَلَكِن الله صَامَ وَصلى وَحج
قَالَ وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ بطلَان هَذَا كُله قَالَ وَهَذَا من غلو المثبتين للقدر وَلِهَذَا يرْوى عَن عُثْمَان بن عَفَّان انهم كَانُوا يرمونه بِالْحِجَارَةِ لما حصر فَقَالَ لَهُم لماذا ترمونني فَقَالُوا مَا رميناك وَلَكِن الله رماك فَقَالَ لَو أَن الله رماني لأصابني وَلَكِن انتم ترمونني وتخطئوني
1 / 64