للْعَبد قدرَة هِيَ منَاط الْأَمر وَالنَّهْي وَإِن اخْتلفُوا هَل هِيَ مُؤثرَة فِي مقدورها أَو فِي بعض مقدورها فِي بعض صِفَاته أَو لَا تَأْثِير لَهَا وَالْفَخْر الرَّازِيّ يثبت هَذِه الْقُدْرَة وَهُوَ يُصَرح بِأَنَّهُ يَقُول الْجَبْر وَالْجُمْهُور يَقُولُونَ إِن لقدرة العَبْد تَأْثِيرا فِي فعله من جنس تَأْثِير الْأَسْبَاب فِي مسبباتها وَلَيْسَ لَهَا تَأْثِير الْخلق والإبداع وَلَا وجودهَا كعدمها وَهَذِه الْقُدْرَة قد تكون قبل الْفِعْل وَلَا يجب أَن تكون مَعَه
وَيَقُولُونَ أَيْضا أَن الْقُدْرَة الَّتِي يكون بهَا الْفِعْل لَا بُد أَن تكون مَعَ الْفِعْل إِذْ لَا يجوز أَن يُوجد الْفِعْل بقدرة معدومه وَلَا بِإِرَادَة معدومه كَمَا لَا يُوجد بفاعل مَعْدُوم
وَأما الْقَدَرِيَّة فيزعمون أَن الْقُدْرَة لَا تكون إِلَّا قبل الْفِعْل وَمن قابلهم يَقُولُونَ لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل قَالَ ابْن تَيْمِية وَقَول الْأَئِمَّة وَالْجُمْهُور هُوَ الْوسط من أَنَّهَا لابد أَن تكون مَعَه وَقد تكون مَعَ ذَلِك قبله وَتلك الْقُدْرَة تكون مُتَقَدّمَة على الْفِعْل كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ فَأوجب الْحَج على المستطيع فَلَو لم يسْتَطع إِلَّا من حج لم يكن الْحَج قد وَجب إِلَّا على من حج وَلم يُعَاقب أحد على ترك الْحَج وَهَذَا خلاف الْمَعْلُوم بالاضطرار فِي دين الْإِسْلَام وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ فَأوجب التَّقْوَى بِحَسب الِاسْتِطَاعَة فَلَو كَانَ من لم يتق الله لم يسْتَطع التَّقْوَى لم يكن قد أوجب التَّقْوَى إِلَّا على من اتَّقى وَلَا يُعَاقب من لم يتق وَهَذَا خلاف الْمَعْلُوم بالاضطرار من دين الْإِسْلَام أَيْضا وَهَؤُلَاء إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَن الْقَدَرِيَّة من الْمُعْتَزلَة والشيعة وَغَيرهم قَالُوا إِن الْقُدْرَة لَا تكون إِلَّا قبل الْفِعْل لتَكون صَالِحَة للضدين الْفِعْل وَالتّرْك
1 / 45